تحديات عملية تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة
د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا
(1) التصنيف
تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالدول العربية والإفريقية تحديات عديدة في سوق البناء والتشييد، يأتي في مقدمتها ما يتعلق بمنظومة التصنيف ومتطلباته الفنية والمالية والإدارية والقانونية، التي تؤثر بشكل واضح على أداء هذه الشركات الصغيرة، وزخم عمليات استحواذهم على المشاريع الهامة، حيث تقف زيادة وتعقد اشتراطات التصنيف أمام حصولهم على العطاءات الكبرى وإعدادها وتقديرها، مما يعوق تطورهم ونموهم واكتسابهم لخبرات تنفيذ المشروعات الضخمة التي تؤهلهم للتصنيف إلى درجة أعلى، وذلك بسبب اضطرارهم للعمل كمقاول باطن تحت مظلة الشركات الكبرى المصنفة، والتي تحتكر المشروعات الهامة والتنموية.
والأهم من ذلك أن هذا الأمر يعد أيضاً واحداً من أسباب تعثر المشاريع؛ نظراً للمشاكل والخلافات الفنية والمالية التي تنشأ بين الشركات الصغرى التي تعمل كمقاول باطن مع الشركات الكبرى المصنفة، مما يؤثر بدوره على جودة العمل ودرجة تنفيذه حسب المواصفات القياسية والجدول الزمني، حيث أن مقاول الباطن قد لا تعنيه كثيراً مسائل الجودة والوقت، لأنه يعمل باسم شركة أخرى.
ولأن عملية التصنيف هي المؤشر الذي يحدد بدقة مقدرة الشركات المالية وجوانب المعايير الفنية والإدارية التي تؤهلها لتنفيذ المشروعات خاصة الكبرى، ولأنها تعتمد في إقرارها على اللجان المختصة المكونة من الجهات السيادية التي لها حق التصنيف في كل بلد على حدة، لذا يعد التصنيف عملية معقدة تتطلب شروطاً صارمة، الأمر الذي تواجه معه الشركات الصغيرة والمتوسطة جملة من الصعوبات فيما يتعلق بتوفير كافة البيانات والمستندات اللازمة والمعلومات المؤكدة حول ثلاثة عناصر رئيسية؛ أولها الإمكانيات المادية، والتي تشمل الآلات والمعدات والمقدرة المالية، وهي بيانات تنقسم بدورها إلى قسمين؛ قسم يعتمد على المؤسسات المالية كالبنوك وغيرها، وقسم يعتمد على الإعداد الصحيح للقوائم المالية المدققة والميزانيات العمومية المعتمدة من الجهات المختصة لشركات المقاولات المعنية.
والعنصر الثاني لتصنيف شركات المقاولات يتضمن سابق خبرات الشركة في إنجاز المشاريع، وهذه تتطلب شهادات من جهتين مختلفتين هما؛ أصحاب المشاريع، والشركات الاستشارية التي صممت وأشرفت على هذه المشاريع.
أما العنصر الثالث الرئيسي فيعتمد على القدرات البشرية التي تمتلكها الشركة، بدءاً من الإدارات العليا والكوادر الهندسية المؤهلة والمعتمدة من الجهات المختصة، مروراً الكوادر الفنية والمالية و الإدارية على مختلف المستويات، وانتهاء بالكوادر المدربة والمؤهلة من العمالة الماهرة.
وفي ضوء كل هذه العناصر يتبين لنا بجلاء مدى الصعوبات الشديدة التي تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، سواء من حيث توفير البيانات المالية واعتماد الكوادر المؤهلة وإثبات ملكيات الآلات والمعدات، وإعداد الميزانيات العمومية المدققة بشكل يتوافق ومتطلبات التصنيف ومتطلبات الإدارات الحكومية الأخرى، أو من حيث طريقة الحصول على الشهادات المعتمدة للكوادر المهنية المؤهلة وإثبات سنوات خبراتها، هذا بالإضافة إلى مواجهة إشكالات من أصحاب المشاريع والمكاتب الاستشارية في استخراج شهادات الخبرة للمشاريع المعنية، خاصة إذا اكتنفت مرحلة تنفيذ المشروع بعض المطالبات المالية والمنازعات المختلفة التي لا يخلو منها مشروع من المشاريع.
ولأن بعض الدراسات انتهت إلى أن الموانع الرئيسية التي تؤثر بدرجة حاسمة على أداء الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم كانت اقتصادية بطبيعتها، فإن استمرار المقاولين الصغار والمتوسطين في سوق البناء سيبقى غير مستدام وأداؤهم غير مرضٍ، ما لم تتدخل الحكومات والجهات المعنية بجدية من خلال مراجعة سياسات وأنظمة التصنيف باستمرار في ضوء الظروف المتغيرة نتيجة للديناميكية التي تميز صناعة البناء والتشييد، وذلك للتأكد من أنها تساهم في إنجاح صغار المشغلين، والذين يشكلون العصب الرئيسي والنسبة الأكبر من هذه الصناعة.
من هنا ندعو إلى ضرورة تيسير متطلبات وضوابط التصنيف، وتقليص الإجراءات الروتينية، والعمل على إتمامها في أيام قليلة، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع أن يتم ذلك دون تفريط حيث يمكن في هذا الصدد إقرار نظم تُعنى بتقييم ومراقبة أعمال الشركات المصنفة حديثاً أولاً بأول.
كما يجب بحث إمكانية عدم الغلو في الاشتراطات والحدود الدنيا اللازمة للترقي إلى درجات أعلى، حتى لا يتم حرمان الشركات الصغرى والمتوسطة من تنفيذ المشروعات الكبرى، واكتسابهم للخبرات والتجارب العملية التي تساهم في تطور أعمالهم، خاصة وأن عملية التصنيف من العوامل المحفزة لتطوير شركات المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتي إذا مورست بصورة دقيقة وشفافة ستؤدي حتماً إلى نمو هذه الشركات وتساهم في جودة تنفيذها للمشروعات بما يتوافق مع رؤية التنمية الوطنية.
ويجب أيضاً اعتماد منظومة للربط الإلكتروني المباشر مع الجهات ذات العلاقة بتوفير متطلبات وشهادات تصنيف المقاولين؛ حتى تتم عملية التصنيف لحظياً دون الحاجة إلى أوراق كثيرة ومستندات متنوعة أو غيرها من الأمور التي كان يستغرق إعدادها وإثباتها وإتمامها شهوراً عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق