الرئيسية » » المنسي: مشروع الزيداب (الحلقة الأولى) ... تحقيق وتصوير: عباس عزت

المنسي: مشروع الزيداب (الحلقة الأولى) ... تحقيق وتصوير: عباس عزت

Written By sudaconTube on الثلاثاء، يناير 13، 2015 | 1:21 م

تحقيق وتصوير: عباس عزت  

المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الذي ترونه في الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار .. السودان المنسي الذى يختفى فى ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع.. رحلة ما منظور مثيلا.. مشاهد ولا فى الأفلام.. صورتها لكم بقلمى والكاميرا التى لا تنفصل مني .. قبل قراءة التحقيق، أرجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع .. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء، والنعيم على ظهره محمول ..

مشروع الزيداب!!
هذه المرة من أول مشروع زراعي مروي بالقارة الافريقية ..إنه مشروع الزيداب المنسيّ .. حكاية تكشف إلى أي مدى نحن شعب يرقد فوق تلال من الذهب الخالص ولكن ( كالعيس في الصحراء ..يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول..)

بعد مسيرة أربع ساعات تقريباً على طريق التحدى السريع، على أحد البصات السياحية من موقف شندي بالخرطوم بحرى، إلى ولاية نهر النيل، توقف البص السياحي في منطقة خلوية، ونادى مضيف البص بصوت عالٍ منبّهاً الركاب الذين يقصدون الزيداب إلى نهاية رحلتهم.

ترجلت من البص مع بعض الركاب وكانت درجة الحرارة في الخارج قد قاربت خمسين درجة مئوية..

أشعة الشمس يعكسها الأسفلت الذي يكاد يذوب ويتحول إلى حمم بركانية، وأنا أحاول أن أجد ظلاً أحتمي به ريثما أجد الوسيلة التي تقلني وتبعدني عن أشعة الشمس الحارقة.. منطقة خلوية لا يوجد بها أثر لأية حياة، سوى لافتة من الحديد على الجانب الغربى لطريق التحدى، بها سهم يشير إلى اتجاه الزيداب،وخلفها عدد من البكاسي المخصصة لنقل البضائع والأغنام .

ركوب الصعب..!!
انتظرت طويلاً لكن بدون جدوى، فكل البكاسي المخصصة للركاب القادمة من الدامر فى طريقها الى الزيداب تصل ممتلئة بالركاب، وبالرغم من أن حرارة الطقس لا تطاق إلا أنني قررت أن (أرتكب حماقة!) وأصعد على ظهر أحد البكاسي المخصصة لنقل البضائع..

ركبت أحد (البكاسي)، ومعي بعض النسوة والرجال ، وسار بنا مسافة تقدر بخمسة كيلومترات على طريق ترابي وعر مليء بالمطبات والحفر.. خلال سير العربة فى هذا الطريق الوعر يخيل إليك أن سلسلتك الفقرية ستنفصل عن بعضها، وأن العربة سوف تنقلب على رأسها في أية لحظة، نسبة للسرعة الفائقة التي يسير بها السائق،وسط الحفر والأخاديد العميقة التي خلفتها عجلات اللواري المحملة بالخضراوات والفواكه على الأرض الرملية، وبعد مسيرة عشر دقائق من (الخجّ) والغبار المتصاعد إلى صندوق العربة من جميع الاتجاهات، وصلنا غايتنا،وهى (مُشْرَع) مشروع الزيداب الزراعي، على الضفة الشرقية لنهر النيل.. ترجلنا من (البوكس) فى حالة يرثى لها من الإجهاد والغبار الكثيف الذي يغطى الملابس والوجوه..

(إنت صحفي؟؟؟)
سألت أحد الركاب الذين رافقوني على ظهر (البوكس): لماذا لاتقوم حكومة الولاية بتمهيد هذا الطريق الذى يدرّ على محلية الدامر مليارات الجنيهات سنويا فى شكل رسوم وجبايات تتحصلها المحلية من عشرات اللوارى والدفارات التي تسلك هذا الطريق يوميا محملة بالفواكه والخضراوات،فى طريقها إلى الخرطوم وبورتسودان، وطوله لايتعدى الخمسة كلم؟..نظر إليّ ملياً، ثم سألنى قائلاً: (أنت صحفي؟) وقبل أن أجيبه قال لي :(لماذا لاتكتب عن معاناة أهل الزيداب فى استخراج شهادات المواليد التي كانت تستخرج من المراكز الصحية والمستشفيات،والآن تم تحويلها إلى مكاتب السجل المدني بالدامر،وفى هذا الأمر معاناة ومضيعة للزمن لسكان عدد كبير من القرى الواقعة بالضفة الغربية، من الكمير وحتى أبو سليم)، .. وعدتُه أن أشير إلى إفادته، ضمن تحقيقي حول منطقة الزيداب..

في انتظار (المعدية!)
توجهت إلى حيث يتجمع العشرات من الرجال والنساء و الأطفال،وعدد من اللوارى والبكاسي والدفارات، فى انتظار (المعدية)، للعبور إلى الضفة الغربية، حيث مدينة الزيداب..

سألت أحدهم: هل هناك مناسبة كبيرة أومهرجان بالمنطقة؟.. أجابني قائلا: اليوم (سوق السبت) بالزيداب.. حيث يتجمع سكان جميع قرى المنطقة لغرض التسوق، من السوق الأسبوعي لشراء الاحتياجات التى لا تتوفر بقراهم، وأخبرني أن هذا السوق يفد إليه الناس من جميع أنحاء الولاية، بل ومن الخرطوم أيضاً، حيث يقوم فيه الأهالى بعرض منتجاتهم الموسمية من خضراوات وبقوليات وموالح ،بجانب لحوم الأبقار والجمال التى لا تتوفر إلا يوم السبت..(هذه هي الزيداب بطيبة إنسانها البسيط الذى لا ينشد أكثر من قوت يومه)..

طال انتظارى لقدوم البنطون من الضفة الغربية التي ظل قابعاً بها لمدة تزيد عن نصف الساعة.. بدت لى حيناً من الدهر، تحت لهيب الشمس.. اصطفت حشود الأهالى والذين كان من بينهم الكثير من النساء والاطفال على الضفة الغربية للنيل في انتظار البنطون الذي لن يتحرك قبل أن يكتظّ (باللواري والدفارات) المحملة بالفواكه والخضراوات، المتجهة إلى أسواق الخرطوم، كما علمت من أحد الأشخاص..

أخيراً وصلنا!!
بعد أن تيقنت بأن البنطون لن يأتي قريباً، توكلت على الله وقفزت على بطن مركب صغير بمحرك سريع، يقوده أحد أبناء المنطقة، بقيمة 2 جنيه للشخص.. جلست وسط الكثير من الناس.. تم توزيعنا بأعداد متساوية على جانبى المركب حتى يحتفظ بتوازنه،وكان المركب خفيفاً بشكل مخيف.. جلسنا فى أماكننا وكان الخوف يسيطر على بعض الركاب .. وأنا واحد منهم .. سار بنا المركب الصغير بسرعة وسط الامواج التى كانت تتلاعب به..وجوه كثيرة تراها للمرة الأولى وربما الأخيرة، ووجوه أخرى يخيل إليك أنك رأيتها من قبل ولا تذكر متى أو أين..وفي رأسك ألف فكرة تدور وألف مشكلة بحاجة لحل.. ورأسي يدور مع أفكاري..

تفاجأت بأعداد الناس التي تريد الخروج من المركب تدوس على أقدامى.. أخيراً وصلنا الشاطىء الغربى..

قهوة حاجة (جابر)!!
نزلت من المركب بصعوبة، وتسلقت حافة النيل المنحدر حتى بلغت راكوبة الحاجة (جابر بت عباس).. نعم اسمها جابر بت عباس .. دلفت إلى داخل الراكوبة لاحتساء كوب من الشاى وأخذ قليل من الراحة لحين وصول دليلى الذى سأواصل معه الجولة فى مدينة الزيداب.. تجاذبت أطراف الحديث مع مجموعة الناس الذين كانوا يجلسون مع بت عباس..

وأجمع عدد من الذين استطلعتهم بالراكوبة على أن المنطقة تعانى تدهوراً مريعاً فى خدمات إصحاح البيئة والماء والتعليم والكهرباء، وسط انعدام كامل للرعاية من قبل سلطات المحلية بالمنطقة، حيث كشفوا عن انتشار الملاريا وسط مواطني المنطقة وخاصة الأطفال في ظل انعدام الأدوية وتدني الخدمات العلاجية التي يقدمها مستشفى الزيداب الريفى، مما يجبر الأهالى للرجوع للعلاجات البلدية،

وأشاروا إلي أن ذوي المرضى يقطعون مسافات طويلة من أجل الوصول إلي مدينتى عطبرة والدامر لمقابلة الأطباء، إلا أنهم يشتكون من ارتفاع أسعار الأدوية وانعدام بعضها حتى بمدينة عطبرة..

إلى جانب ذلك كشفوا عن تردٍّ كبير في العملية التعليمية بالمنطقة بسبب قلة المدارس، وطالبوا جهات الإختصاص بالإسراع في توفير الخدمات الضرورية للأهالي وشددوا على أهمية المياه وذكروا أنهم يحصلون حاليا على مياه شرب ملوثة تسحبها الطلمبات من النيل مباشرة وبدون أية معالجات إلى الصهريج القديم الذي يضخّها الى المواطنين عبر شبكة اسبيستوس انتهى عمرها الافتراضى منذ زمن بعيد..

نواصل غداً في الحلقة الثانية..
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger