عبد الله الشقليني
لا تأتي الأحزان فُرادى ، بل يجتمِعنَّ على اغتيال أفراحنا على بساطتها . في العاشر من سبتمبر 2014 ، انطوى عمر أستاذنا ومعلم الأجيال " بروفيسور عمر الأقرع " . انكفأ القِدر وسال حليب العُمر ، وتوقف القلب الكبير ، فما وسعتنا الدنيا على رحابتها . ننحني لأفضاله العظيمة علينا . ترك لنا أخلاقية المهنة وكرامة أهلها ، واحترام المجتمع الذي نعيش فيه ، لنعمل على تطويره . وأهم من ذلك أن تخضع كافة الفرضيات للنقد والحوار بشأنها ، والدراسة المقارنة.
*
عندما أسس البروفيسور أرِك بوتر هندسة العمارة بجامعة الخرطوم عام 1957 ، كان البروفيسور " عمر الأقرع " من الدفعات الأولى التي درست هندسة العمارة ، وكان نظامها تتبع لكلية الهندسة . ويتوجب على الطالب أن يدرس مادة الهندسة المدنية خلال أربع سنوات ، ليواكب اخضاع الخيال في التصميم أن يصبح واقعاً مُعاشاً .
*
جيل جديد من أساتيذ جامعة الخرطوم ، الذي كان يدرس برامج المشاريع وكيفية قياس البرنامج الحرج ، وكيفية التحكم في المشروع وتسريعه . يتمتع أول بروفيسور في هندسة العمارة في السودان في السبعينات من القرن الماضي ، بحس نقدي على درجة عالية من الإيجاز ، هو على نهج الجاحظ القديم في معمارية اللغة الموجزة . لم يُطنب في حياته . وعندما طلبت الجامعة منه في أوائل تسعينات القرن الماضي تجهيز مسح تفصيلي لأصول الجامعة ، استعان بلجنة من الأساتذة ومساعدي التدريس من ثمانية عشر فرداً ، انجزوا أربعة مجلدات ، أحصوا كل شاردة وواردة من أصول جامعة الخرطوم .
*
البروفيسور " عمر الأقرع " رياضي مطبوع ، وكان إلى وقت قريب يمارس لعبة التنس . لا ينام العصر . في حياته الخاصة التي لا يراها إلا أصدقاؤه الخاصين ، عازف عُودٍ حازق ومغنٍ بنبض الزمن الجميل الذي انسحب من حياتنا .
*
" عمر الأقرع " عندما خيبت الدولة ظنه في العلم ، والعلماء ، قدم استقالته من الجامعة في وثيقة تصلُح لمحاضرة عن النُظم ونهج العلماء عندما يحاول أصحاب السلطان انتهاك كرامتهم .
*
في أوقات نقد المشروعات التصميمية ، كان يسابق الجميع بتقديم أسس التقييم ، ومناهج المهندس المعماري كقائد لفريق التصميم ، ويتوخى في طلابه أن يكونوا مثلاً في قيادة العمل العام والخاص ، يطورون مجتمعاتهم وفق احتياجاتها الحقيقية .
*
تتلمذ على يديه أساطين المعماريين منذ بداية السبعينات . هدّته الصحة في سنواته الأخيرة . وما كُنا نظن أن ميعاد رحيله أقرب . هذا زمان نفتقد فيه العظام الذين لا يعرفون ضجيج الإعلام . لا يعرفهم أحد ، ولا يعرف المعماريين لغة الوفاء غير الأدمُع المالحة ، تُكحل عيون كثيرين من الذين عرفوا النبأ .
*
ألف سلام عليك سيدي ، ليجزيك مولاكَ بقدر ما أجزلت العطاء . فكم هم أممٌ على مقاعد الدرس انتبه قادتها أن معلماً علماً يشعُ وهجاً قد رحل .
عبد الله الشقليني
الحادي عشر من سبتمبر 2014
*
عندما أسس البروفيسور أرِك بوتر هندسة العمارة بجامعة الخرطوم عام 1957 ، كان البروفيسور " عمر الأقرع " من الدفعات الأولى التي درست هندسة العمارة ، وكان نظامها تتبع لكلية الهندسة . ويتوجب على الطالب أن يدرس مادة الهندسة المدنية خلال أربع سنوات ، ليواكب اخضاع الخيال في التصميم أن يصبح واقعاً مُعاشاً .
*
جيل جديد من أساتيذ جامعة الخرطوم ، الذي كان يدرس برامج المشاريع وكيفية قياس البرنامج الحرج ، وكيفية التحكم في المشروع وتسريعه . يتمتع أول بروفيسور في هندسة العمارة في السودان في السبعينات من القرن الماضي ، بحس نقدي على درجة عالية من الإيجاز ، هو على نهج الجاحظ القديم في معمارية اللغة الموجزة . لم يُطنب في حياته . وعندما طلبت الجامعة منه في أوائل تسعينات القرن الماضي تجهيز مسح تفصيلي لأصول الجامعة ، استعان بلجنة من الأساتذة ومساعدي التدريس من ثمانية عشر فرداً ، انجزوا أربعة مجلدات ، أحصوا كل شاردة وواردة من أصول جامعة الخرطوم .
*
البروفيسور " عمر الأقرع " رياضي مطبوع ، وكان إلى وقت قريب يمارس لعبة التنس . لا ينام العصر . في حياته الخاصة التي لا يراها إلا أصدقاؤه الخاصين ، عازف عُودٍ حازق ومغنٍ بنبض الزمن الجميل الذي انسحب من حياتنا .
*
" عمر الأقرع " عندما خيبت الدولة ظنه في العلم ، والعلماء ، قدم استقالته من الجامعة في وثيقة تصلُح لمحاضرة عن النُظم ونهج العلماء عندما يحاول أصحاب السلطان انتهاك كرامتهم .
*
في أوقات نقد المشروعات التصميمية ، كان يسابق الجميع بتقديم أسس التقييم ، ومناهج المهندس المعماري كقائد لفريق التصميم ، ويتوخى في طلابه أن يكونوا مثلاً في قيادة العمل العام والخاص ، يطورون مجتمعاتهم وفق احتياجاتها الحقيقية .
*
تتلمذ على يديه أساطين المعماريين منذ بداية السبعينات . هدّته الصحة في سنواته الأخيرة . وما كُنا نظن أن ميعاد رحيله أقرب . هذا زمان نفتقد فيه العظام الذين لا يعرفون ضجيج الإعلام . لا يعرفهم أحد ، ولا يعرف المعماريين لغة الوفاء غير الأدمُع المالحة ، تُكحل عيون كثيرين من الذين عرفوا النبأ .
*
ألف سلام عليك سيدي ، ليجزيك مولاكَ بقدر ما أجزلت العطاء . فكم هم أممٌ على مقاعد الدرس انتبه قادتها أن معلماً علماً يشعُ وهجاً قد رحل .
عبد الله الشقليني
الحادي عشر من سبتمبر 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق