الرئيسية » » من يحمي الناس من اللافتات المضيئة ؟ .... حسن محمد صالح

من يحمي الناس من اللافتات المضيئة ؟ .... حسن محمد صالح

Written By sudaconTube on الاثنين، يونيو 09، 2014 | 11:32 ص

صحيفة الإنتباهة

في ليلة بدأت هادئة لكنها مشحونة بما يصفه أهل الإرصاد الجوي بالأمطار والذوابع الرعدية ثم تعكر الصفو وانقلب الهدوء والسكون إلى عواصف ورياح ثم انقطع التيار الكهربائي وعم المكان (الظلام) وأصبح الناس في الحي يسمعون دوي كدوي المدافع يوم غزا المرتزقة العاصمة المثلثة (في السبعينيات) أو يوم الذراع الطويل وغزو خليل إبراهيم لأم درمان.

وتعالى الصراخ في الحي (الوديع) فاختلطت أصوات الأشياء بأصوات البشر ولم تعد كلاب الحي تنبح كما كانت في مثل هذه الأحوال ولكنها كانت تعوي فازداد الخوف والهلع من هذه الظاهرة الجديدة عليهم وعلى حيهم وعلى كلابهم عالية الصوت بالنبيح والتي كانت تمارس نباحها بالتناوب ((حتى صمت كلب نبح الكلب الآخر)) وأخذ الناس يتفقدون رؤسهم من شدة الرعب والهلع وجاءت الأخبار بأن السماء في ذلك اليوم قد أرسلت غضبها على الأرض وكانت السيوف تسقط على الرؤوس فتطيح بها وأحياناً تبتر الأيدي وليس كل سكان الحي بهذه الحالة فقطعاً من بينهم من ابتسم لهم الحظ قليلاً والذين لم تقع السيوف المرسلة عليهم مباشرة أو على أحد من أفراد أسرهم (والجاتك في مالك سامحتك) فإن وقع سيف العذاب على عرش منزلك فهدمه أو قده نقول جات سليمة أو على حمارك أو عنزك أو قطتك فقتلها نقول قدر أخف من قدر ولكن عند الحديث عن العذاب في شكله ومضمونه (من حيث هو)) ريح عاتية تدمر كل شيء وسيوف مرسلة لتقطع رقاب الناس،،

كان بعض مما يقوله الناس في تلك الليلة إذا نزل العذاب علينا لأننا قد عصينا الله في أمر من الأمور فما شأن الحيوانات الأليفة من قطط وكلاب ودجاج بمعصيتنا (( نحن بني البشر)) ونظر أهل الحي الوديع إلى معاصيهم فوجدوها لا تخرج عن عدة أمور لا تبلغ درجة فساد الأراضي والشركات ولا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وهي من شاكلة أن يضاعف أحدهم عدد أفراد أسرته المسجلين في كرت التموين فالذي له خمسة من الأولاد وثلاث من البنات يضاعف أعداد البنات لدرجة أن الذي يبحث عن عروسة في الحي يذهب إلى دكان التموين ليطلع على عدد البنات غير المتزوجات في كل بيت من البيوت... وكان الذين يضاعفون الأعداد يحلفون اليمين المغلظ وهذا ما زاد المخاوف وأشعل عقيرة القلق في البيوت والطرقات في تلك الليلة الدهماء.

راجعوا كل مواقفهم وفيما يشبه نقد الذات وتعنيفها كانوا يقولون كنا نفعل ما نستحق من عذاب فالذي له تصديق بنزين في واحدة من محطات الوقود يذهب به إلى أكثر من محطة وإذا إمتلأ خزان سيارته بالوقود جاء ببرميل كبير ووضعه في حمام المنزل خوفاً من أن يتسبب له في حريق ((يقضي على الأخضر واليابس)) وعندما يمتلئ البرميل بالوقود المهرب يقوم ببيعه في السوق السوداء لدرجة أن الناس صاروا لا يفرقون بين بيته وبين طلمبة البنزين وطلمبة الجازولين فقد أدخل الجازولين في برنامجه بعد أن قررت وزارة التجارة رفع أسعار كل المحروقات. أما السكر فقد كانوا يهربونه دون هوادة ويبيعونه في السوق السوداء دون خجل أو خشية من تخريب الاقتصاد الوطني والبيع يكون بأعلي الأسعار ولأقرب تاجر يمكن أن يصل إيه السكر المهرب أو ما يصطلحون عليه ((تسليم مخزن)) والتاجر صاحب المخزن يحرر الشيك بالقيمة وأتعاب التهريب وكانت الحسنة الوحيدة أنه لا توجد شيكات راجعة فإذا حرر أحدهم شيكا بأي فإن هذا الشيك مضمون ويتم صرفه ولا يعرف أهل الحي ما نعرفه نحن اليوم من سجناء الشيكات المرتدة أو المادة 79 من القانون الجنائي. 

ونظر أهل الحي لمنازل المتلاعبين في دقيق التموين والبنزين والجازولين فوجدوها سليمة ولم يسقط سيفا واحدا من سيوف العذاب المنزل ((كما يقول المتنبي)) على رؤسهم بل إن اللمين صاحب الفرن البلدي كان يجب أن يكون أول الهالكين والمعذبين لأنه لم يكن أميناً إلا باسمه فقد كذب على السلطات بأن له خلوة وطلاب علم بالمئات يقيمون في خلوته وهم قادمون من دارفور وكردفان بل منهم من أتي من مالي وتشاد وإفريقيا الوسطي وأمريكا وبريطانيا طالبا للعلم في خلوة اللمين وكانت السلطات تصدق للمين في كل يوم بما يعادل حمولة ثلاثة لواري من الدقيق والسكر والزيوت بأنواعها وكانت جميعها تأخذ طريقها إلى السوق السوداء ويضع اللمين قيمتها في جيبه وهذا اللمين (الخائن) هو أحق الناس بالعذاب في ذلك اليوم ولكنه كان نائماً في داره نوما هنئيا ولا علم له بأن سيوف العذاب قد وقعت على الناس ليلاً وكل ما يتذكره اللمين في تلك الليلة أنه بعد أن شعر بقوة الرياح أغلق نافذة غرفته ونام.

 وغير اللمين هناك ((عصار)) صاحب اللوري الذي كان يشحن لوريه من مخازن السكر على عينك يا تاجر ويخرج من العاصمة متجاوزا كردفان ليبيع السكر بأغلى الأثمان في دارفور لأنه يعلم أن دارفور لم يصلها سكر التموين على مدى سنين عددا...

وعصار هذا لاهم له غير تقديم الرشاوي لعساكر البوليس واللعب مع بنات الهوى على طول الطريق ولم يكن عصار هو اسمه الحقيقي ولكنه كان يعصر لكي يمشي أموره ويقول للناس التجارة دي من غير عصر ما بتنجح...

كان عصار في تلك الليلة ((عائدا للتو)) من أكبر عملية تهريب قام بها حيث حصل على تصديق بكل سكر الجنوب (قبل انفصاله) وبعد انفصاله والغريب أن عصارا يومها أحضر أكثر من عشرين شاحنة كبيرة بالإضافة لشاحنته ((الزيد واي)) ووسط دهشة الجميع كانت شاحنات عصار المستأجرة والمملوكة له تخرج مغادرة (سوق ليبيا)) فارغة من غير حمل لدرجة أن عصار لم يقدم رشوة في ذلك اليوم وهو اليوم الوحيد الذي استخدم فيه عصار التمويه بديلا للرشوة وربما كان ذلك هو السبب في نجاته من العذاب في تلك الليلة. 

وغادر عصار الخرطوم وبعد وصوله ربك في بحر أبيض بشاحناته وجد سكر الجنوب في انتظاره فدفع الرشوة هذه المرة لمسؤول حكومي جنوبي بدلاً من النظاميين والموظفين وأمر العتالين برفع سكر الجنوب وهو يقول: أنا عصار عضو بنبر الكلام العادل ما بخلي ذرة سكر تمشي من الشمال للجنوب الظالم للشمال منذ عهد الإنجليز وقد فسر بعضهم نجاة عصار من العذاب في تلك الليلة بأن الرشوة التي قدمها كانت لمسيحي وشاهد أهل الحي عصار وهو يضيف شاحنتين لأسطوله الخاص بعد أن باع سكر الجنوب ويضع مبالغ طائلة في حسابه البنكي المتضخم باستمرا ويقول الله يخلي لينا الريس ويخاطب الريس من على البعد: يا ريس المابغنى في زمنك تاني ما بغنا ولا بشوف الغنا.

وبينما كانت سيارات الإسعاف تحمل مصابي الليلة العاصفة إلى المصحات المتواضعة بالحي العريق نظر أحدهم إلى أعلى البناية تحت التشييد الوحيدة بالحي وكان المقاول المهمل والمهندس الغبي قد تركا قطع الزنك والفرم فوق سطح العمارة مفتوحة النوافذ فخرجت مع الرياح بكثافة ووقعت على بيوت الناس كما سقطت اللافتات المثبتة في أستاد الخرطوم على المواطنين وهم يشاهدون مباراة في كرة القدم والسبب في ذلك هو عدم مراعاة إجراءات السلامة ووضع لافتات الإعلانات بصورة التي تجعلها تتسبب في حوادث المرور في الطرقات وتربك السائقين بأضوائها وصورها المتحركة ومشكلة هذه اللافتات والتي من الخطأ وضعها على النحو كانت عليه في أستاد الخرطوم وهذا الوضع هو الذي جعل منها سيفا مسلطا على الرقاب. وكان بالفعل وضعا غريبا وشاذا أن توضع لافتات بهذا الحجم على ملعب لكرة القدم يؤمه جمهور من المشاهدين يقدرون بالآلاف من غير أبسط أنواع المراعاة والاعتبار لسلامتهم.







شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger