الرئيسية » , » المنازعات في عقود المقاولات ..... د. م. م. مالك دنقلا

المنازعات في عقود المقاولات ..... د. م. م. مالك دنقلا

Written By Amged Osman on الجمعة، سبتمبر 02، 2022 | 5:50 ص

  المنازعات في عقود المقاولات

د. مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا

تعد عقود المقاولات بطبيعتها أرضاً خصبة لنشوء المنازعات نظراً لعوامل متعددة، أبرزها طول الفترة الزمنية للعقد، والتي تصل إلى عدة سنوات تتغير فيها الظروف والأسعار والقوانين واللوائح والطبيعة المحيطة بالمشروع عن تلك التي تم إبرام العقد خلالها، هذا إلى جانب ضخامة رؤوس الأموال التي تنفق في إنشاء المشاريع، وتعقد بعض أنواعها وكثرة وثائقها، وتنوع آليات تنفيذها، وعدم إحاطة العقد بكل ما يتعلق بالمشروع وما يكتنفه من غموض أو تغيرات عميقة خارج إطار التصميم، أو إخلال أحد أطراف النزاع بالاشتراطات الفنية والمالية والقانونية للعقد، علاوة على ما يصاحب التنفيذ من خلافات تنشأ بين طرفي العقد تتعلق بالتأخير في التنفيذ، أو عدم الالتزام بالدفع في المواعيد المحددة، والاعتراضات التي تنشأ عند الاستلام النهائي، ما يعد سبباً مباشراً في إثارة المنازعات.

كما تعد المنازعات المتعلقة بعقود البناء من أكثر الخلافات وقوعاً، سواء كان في مقدار المال المتنازع عليه، أو طبيعة الخلاف، وبشكل يفوق العقود التجارية والإدارية؛ حيث أظهرت الدراسة التي تمت في أشهر المؤسسات التحكيمية في العالم -وهي محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس- أنه في التسعينيات وصلت النزاعات المعروضة عليها والتي تتعلق بعقود المقاولات إلى 28.7%، وهي أعلى نسبة من بين المنازعات التجارية الأخرى.

ولأن نزاعات عقود البناء تؤثر على تسليم المشروع في موعده، وعلى تحقيق أهدافه بطريقة فعالة واقتصادية وفي الوقت المناسب، وتوتر العلاقات بين الأطراف المتعاقدة، بالإضافة إلى تعطل تدفق العمل، مما يؤدي إلى تكاليف إضافية وتأخير، كما تؤدي بشكل عام إلى إعاقة التنمية، وانخفاض إنتاجية صناعة المقاولات، ونظراً للأهمية الكبيرة لصناعة التشييد، وكثرة الفئات التي تعمل بها، والأموال التي تنفق عليها والبعد الاقتصادي الهائل المستهدف منها، لذلك نري من الضروري فهم الأسباب الجذرية للنزاعات في صناعة البناء.

وسوف نتناول في هذا المقال أنواع النزاعات ومصادرها وأسبابها، ونسوق توصيات لتقليل احتمالية نشوء النزاعات في أعمال البناء، كما سنتناول في مقالات قادمة -إن شاء الله-أساليب وطرق تسوية النزاعات.

تعريف النزاع في المشاريع الهندسية:

يعرف النزاع بأنه عبارة عن خلاف ما بين طرفي العقد بخصوص عقد المشروع، أو إحدى وثائقه، وقد يعرف أيضاً بأنه (مطالبة) لم تحل، فإذا قام أي طرف بتقديم خطاب إلى الطرف الآخر ولم يتم الرد عليه، أو كان الرد سلبياً، أي عندما يقوم المقاول أو الطرف الآخر بتثبيت ذلك كتابياً. فيعد هذا نزاعاً بالمعنى الفني.

وعامة يُقصد بالمنازعات الهندسية تلك المنازعات التي تنشأ عن عقد مقاولات أعمال الهندسة المدنية الذي يبرم بين صاحب العمل ومقاول؛ حيث يرتب هذا العقد عدة التزامات قانونية على عاتق كل من طرفيه، بحيث يترتب على عدم وفاء أي منهما بالتزاماته أن يُطالبه الآخر بتنفيذها، وإلا لجأ إلى القضاء الوطني، أو إلى التحكيم التجاري الدولي، مُستنداً إلى نصوص العقد لإجباره على التنفيذ، أو طلب التعويض عن عدم التنفيذ.

أنواع النزاعات الهندسية:

يوجد عدة أنواع من النزاعات الهندسية، يمكن إيجازها كالتالي:

(1) النزاع العقدي: ينشأ هذا النزاع بسبب تفسير بنود العقد التي تكون إما غامضة أو متضاربة، وذلك بسبب سرعة إنجاز العقود التي تكون غالباً غير مستوفاة للشروط، وهذه النزاعات تحتاج إلى قانونيين لتفسيرها.

(2) النزاع العملي: ينشأ هذا النزاع أثناء تنفيذ الأعمال، وهذا النوع من النزاعات يبدأ فنياً، وغالباً ما يتعلق في نهايته بمطالبات مالية ناتجة عن أمور نشأت أثناء التنفيذ.

(3) النزاع المالي: ينشأ هذا النزاع بشأن التعويضات المالية، والذي يعتمد في الأساس على ارتكاب مخالفات عقدية من أحد الأطراف كالتعويضات المادية الناتجة عن توقف المشروع بسبب أحد الأطراف.

(4) النزاع بين أحد الأطراف والمحكم: لا يقصد به رد المحكم عن الحكم أو الخلاف في الرأي معه نتيجة اتخاذ قرار معين، ولكن يقصد به رد المحكم إذا توفرت الأسباب القوية والمقنعة المنصوص عليها في القوانين.

(5) النزاع المتعلق بسلامة حكم التحكيم: ويعني أن أحد الأطراف قد وجد ثغرة أو خطأ في الإجراءات التي اتبعها المحكم.

(6) النزاع بين صاحب العمل والمهندس الاستشاري: هناك مُنازعات ترتبط بعملية الإنشاء ولا تنشأ بالضرورة عن عقد الإنشاء ذاته، مثل تلك التي تنشأ بين صاحب العمل والمهندس الاستشاري، وهي مُنازعات تتصل بعقد الاستشارات الهندسية المُبرم بينهما.

مصادر النزاعات الهندسية:

من الضروري معرفة مصادر النزاعات حتى يمكن تجنبها، وحماية الأطراف من الدخول في نزاعات طويلة ومكلفة، فقد يكون أحد مصادر النزاع طرفاً من أطراف العقد نتيجة عدم الالتزام بالاشتراطات والواجبات المنصوص عليها بالعقد، أو عوامل خارجية ألحقت الضرر بأحد الأطراف.

وتندرج مصادر النزاعات في صناعة البناء تحت أي من الفئات التالية:

(1) ذات صلة بالمالك: يتضمن ذلك التغييرات التي بدأها المالك، وتغيير النطاق، والتأخر في منح الحيازة، والتوقعات غير الواقعية، وتأخيرات الدفع، وما إلى ذلك.

(2) ذات صلة بالمقاول: يمكن أن يتسبب التأخير في تقدم العمل، وإطالة الوقت، وجودة العمل وما إلى ذلك في حدوث نزاعات.

(3) ذات صلة بالتصميم: قد تكون النزاعات نتيجة لأخطاء التصميم، والمواصفات غير الكافية وغير الكاملة، وجودة التصميم، وتوافر المعلومات.

(4) ذات صلة بالعقد: تفسيرات مختلفة لأحكام العقد، ولتوزيع المخاطر والمشاكل التعاقدية الأخرى، وعدم صياغة عقود المقاولات بشكل جيد.

(5) متعلقة بالسلوك البشري: قلة التواصل وضعف روح الفريق.

(6) ذات الصلة بالمشروع: ظروف الموقع، التغيرات غير المتوقعة، الطقس، إلى آخره.

(7) عوامل خارجية: وهذا يشمل العوامل القانونية والاقتصادية الخارجية.

أسباب النزاعات الهندسية:

تعود أسباب زيادة نسبة النزاعات المتعلقة بالمقاولات إلى عدة عوامل منها:

(1) مدة العقد الطويلة: طول الفترة الزمنية التي يستمر خلالها العقد سارياً بين طرفيه، فأعمال المقاولات تمتد فترة تنفيذها لمدد طويلة تصل في بعض الأحيان عدة سنوات تظل خلالها أحكام العقد هي السارية حتي وإن كانت هناك متغيرات قد استجدت خلال مدة التنفيذ، حيث يمر المشروع المراد إنجازه في أعمال المقاولات بعدة مراحل تبدأ من التخطيط للمشروع، ثم التنفيذ، والاستلام المؤقت، وبعده مرحلة الاستلام النهائي والضمانات، وخلال هذه السنوات قد تتغير الظروف التي دفعت الأطراف للتعاقد، أو يستوجب الأمر بعض التعديلات أثناء تنفيذ العقد، وبالتالي تختلف عنها عند توقيع العقد.

(2) تعقيد المشروع: في مشاريع البناء المعقدة، تعتبر الحاجة إلى إجراء تقييم مناسب للمخاطر قبل إبرام العقد أمراً بالغ الأهمية، ومع ذلك لا يتم القيام بذلك في كثير من الأحيان. وبالتالي فالمشاريع التي تستغرق وقتاً أطول بكثير مما هو مخطط له؛ فيتطور التأخير والتكاليف الإضافية التي يتكبدها المقاول، وحق المالك في المطالبة بالتعويض عن التأخير إلى نزاعات.

(3) الجودة والاتقان: في عقود البناء غالباً ما تنشأ النزاعات حول ما إذا كان العمل المكتمل متوافقاً مع المواصفات أم لا، وقد تكون المواصفات غامضة بشأن موضوع النزاع المعني، وقد يكون لكل طرف في العقد وجهة نظر مختلفة حول الجودة والإتقان، خاصة جودة المواد المستخدمة وامتثالها للمعايير.

(4) ظروف الموقع: نزاعات لا مفر منها عندما تعيق ظروف الموقع أو الأرض المعاكسة تقدم العمل، أو تتطلب حلولاً هندسية أكثر تكلفة، أو إذا قدم صاحب العمل معلومات عن ظروف الموقع للمقاول وتم اكتشاف أن هذه المعلومات غير صحيحة واعتمد عليها المقاول وتصرف عليها بما يضر به، خاصة وأن أغلب الأعمال تتم في مكان بعيد وشروط العمل تختلف من مشروع إلى آخر، فالمشروع الذي يتم بناؤه بالصحراء له متطلبات مختلفة عن المشروع الذي يتم إنشاؤه في الجبال، وكذلك يختلف الأمر من دولة إلى أخرى، وهذا ما يؤثر على نظام تنفيذ المشروع ويغير من أنواع المخاطر.

(5) المناقصة: غالباً ما يكون الوقت المسموح به -لفحص وثائق العطاء، وإعداد برنامج مخطط ومنهجية، وإجراء تقييم للمخاطر، وحساب السعر- قصيراً بشكل مؤثر، وبالتالي قد يكون للأخطاء في هذه العملية تأثير سلبي على النتيجة التجارية المقاول أي عجز مالي نهائي ما يؤدي حتماً إلى النزاعات.

(6) المطالبات: تعد المطالبات (Claims) من الأسباب الرئيسية لنشوب النزاعات الهندسية بين أطراف العقد، حيث تنشأ المطالبة نتيجة خرق أحد الأطراف لشرط من شروط العقد المتفق عليها، وبالتالي حدوث ضرر للطرف الآخر.

(7) الاختلافات والتعديلات: تعد الاختلافات سبباً رئيسياً لنزاعات البناء، خاصةً عندما يكون هناك عدد كبير، أو تؤثر الاختلافات على العمل المكتمل جزئياً، أو يتم إصداره مع اقتراب العمل من الاكتمال، وقد يكون الضرر مادياً أو فنياً، ففي بعض الأحيان يرغب المالك أو الاستشاري بعمل تعديلات على المشروع، وغالباً ما يكون لها تأثير على خطة العمل بالنسبة للمقاول من ناحية الوقت والتكلفة، ونتيجة لعدم اتفاق المالك والمقاول على قيمة هذه التعديلات التي طرأت على المشروع تنشأ النزاعات.

(8) تعدد العقود: تعدد العقود اللاحقة في المقاولات نتيجة لتعدد مراحل التنفيذ، وتعدد الأشخاص، حيث تتطلب عقود المقاولات عدداً كبير من المتعاقدين وتتطلب اختصاصات مختلفة من الأعمال، غالباً ما يتم تقديمها بموجب عقود مختلفة مرتبطة ببعضها، فرغم أن عقد المقاولة يبرم بين طرفين فقط هما رب العمل و المقاول، إلا أنه في واقع الأمر هناك أطراف أخرى عديدة يكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على مجريات الأمور، منها على سبيل المثال: الجهات الإدارية المختصة بإصدار التراخيص، والموردون للمواد المستخدمة في المشروع، ومقاولو الباطن، ومهندسو التصميم والمهندسون المشرفون، كما أن عملية الإنشاء تقتضي إبرام سلسلة من العقود المُتعلقة بالتأمين وعقود العمل، وتأجير معدات وأدوات وغيرها، وتُثير كل هذه العقود مُنازعات عديدة تتطلب حلها، حيث غالباً ما تثار الأسئلة حول على من تقع المسؤولية في التأخر في تنفيذ المشروع على صاحب المشروع الذي تأخر في بعض التزاماته مثلاً، أو المقاول لم ينفذ في وقتها المحدد، أو المورد أو المتعهد الذي تأخر في التوريد، أو لم يورد حسب المواصفات المطلوبة.

(9) تعدد القوانين: هناك الكثير من الجهات والشركات التي تشارك في عملية البناء الواحدة، وبالتالي فسوف نجد أن هناك العديد من القوانين التي تشارك تلك العملية، مثل قانون العمل، وقانون التأمينات، وقانون الضرائب، وقوانين السلامة والأمان، والقانون الدولي في حالة الشركات العابرة للحدود.

(10) ركاكة الصياغة: كثيراً من الخلافات قد تنشب بسبب الاستعانة بالمصطلحات المعقدة وغير الدقيقة، أو بعدم التطرق في بنود العقد إلى تحديد التزامات وحقوق كل طرف من أطراف التعاقد، مما قد يثير الخلاف بين طرفي التعاقد حول أحقية أحدهما في مطالبة ما أو التزامه بتأدية عمل معين.

(11) سداد المستحقات: طريقة وأساليب السداد مقابل إنجاز مراحل من المشروع غالباً ما تكون سبباً رئيسياً لنشوب الخلافات، فالدفعات التي قد يلزم أحد الطرفين بدفعها لإنجاز جزء من العمل قد يتأخر سدادها لسبب أو لآخر.

(12) تعقد الإجراءات: تتضمن صناعة البناء مجموعة معقدة من الإجراءات، غالباً ما تكون مصحوبة بنفقات مالية عالية؛ ما يجعل هذه الصناعة عرضة للنزاعات بشكل كبير، وقد تؤدي إلى تقويض الجدوى والفوائد الاقتصادية للمشروع، ما لم يتم حل النزاعات بسرعة وبطريقة فعالة.

(13) ضخامة القيمة المالية: العمل المطلوب إنجازه في صناعة المقاولات عادة ما تكون قيمته المالية كبيرة نسبياً، وتزداد هذه القيمة تبعاً لضخامة حجم المشروع المطلوب تنفيذه، ما يثير الكثير من النزاعات.

(14) غموض المشروع: غالباً ما يكون المشروع موضوع العقد غير محدد الصورة تماماً عند التعاقد، خصوصاً في المشروعات الكبيرة التي يصعب فيها تحديد التفاصيل الكاملة للمشروع في البداية؛ لذلك يلجأ الطرفان إلى التوقيع على العقد مع إرجاء بعض التفاصيل إلى حين وضوح الصورة، ومع تقدم العمل في المشروع تزداد احتمالات الخلاف بين الطرفين.

(15) تعدد البنود: يشتمل عقد المقاولة على بنود كثيرة تصل في بعض المشروعات لأكثر من مائة بند في مختلف التخصصات في مجال التشييد؛ ما يكون مجالاً خصباً للنزاعات نتيجة عدم وضوح متطلبات بعض البنود.

(16) نقص التوثيق: ربما يكون النقص الأكبر في توثيق العقد، وخاصة متطلبات صاحب العمل؛ ما يؤدي إلى مطالبات من قبل المقاول بتكاليف إضافية، والتي إذا لم يتم حلها، يمكن أن تؤدي بدورها إلى نزاعات مكلفة.

(17) ظروف استثنائية طارئة: صدور قوانين او قرارات إدارية لم تكن في حساب طرفي العقد أو أحدهما، أو ظهور ظروف استثنائية طارئة أو قوة قاهرة بسبب ظروف لا يد للأطراف المتعاقدة فيها، كحدوث ظرف طبيعي أدى إلى التوقف عن العمل لفترة، أو لتغير الظروف المحيطة التي لم تكن بالمتوقعة ونتج عنها نفقات أو مصاريف إضافية.

(18) نقص الخبرة: لضعف الخبرة في تسوية وتحليل النزاع دور في نشوء المنازعات والمطالبات.

(19) عملية التنفيذ: تثور معظم المنازعات المُتعلقة بعقود التشييد حول عملية التنفيذ ذاتها سواء بخصوص تأخير تنفيذ المشروع، أو نتيجة التنفيذ غير المطابق للمواصفات، أو التنفيذ بتكلفة عالية، وقد يطلب صاحب العمل من المقاول تنفيذ بند غير موجود أصلاً في عقد المقاولة المُتفق عليه بينهما، وقد يحدث خطأ من المهندس الاستشاري في الرسوم الهندسية للمشروع.

آليات حل المنازعات:

عند حدوث نزاعات، يجب على أطراف العقد أولاً محاولة حلها فيما بينهم، حيث من المحتمل أن يكون هذا هو الحل الأسرع والأقل تكلفة، مما يسمح للمشروع بالاستمرار دون انقطاع، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فقد يكون من الضروري البحث عن طرف ثالث لحل النزاع.

ولأن رفع المنازعات إلى المحاكم يمكن أن يكون مكلفاً ومعقداً ويستغرق وقتاً طويلاً لا يكون مناسباً في مشاريع البناء، فتكون هناك حاجة إلى حل سريع حتى يمكن المضي قدماً في الأعمال؛ فنتيجة لذلك عادة ما تتضمن عقود البناء أحكاماً لحل النزاعات من خلال إجراءات تسوية المنازعات البديلة المتفق عليها.

وحل المنازعات وتسويتها يتوقف إلى حد كبير على إرادة أطراف العقد المتنازعين، إضافة لنصوص العقد نفسه، حيث إن آلية حل المنازعات في المشروع يجب أن تكون واردة في أحد بنود العقد أو مواده، وأن يكون التوصيف لهذا الحل وآليته واضحاً ومحدداً أيضاً، وعادة يكون هناك مادة عقدية في العقد الأصلي توضح آلية الحل، وتبين بالتحديد كيفية تسوية الخلافات.

وعامة هناك أربع أساليب لفض النزاعات في العقود الهندسية:

1- مجلس فض النزاعات DAB.

2- التفاوض المباشر Negotiation.

3- الوساطة Mediation.

4- التحكيم Arbitration.

والأصل أن ينص عقد المقاولات عادة على تحديد الأسلوب الذي يتم به فض المُنازعات الناشئة عن تنفيذه وتفسيره، وقد يتفق الطرفان على اللجوء إلى التسوية الودية، أو قد يلجأ أحدهما إلى القضاء الوطني للدولة، ومن ثم فقد يلجأ الطرفان في العقد إلى محاولة التوفيق بينهما من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة، أو اللجوء إلى لجنة للتوفيق أو المصالحة تقوم بالوساطة بينهما.

ولهذا فقد أفرد عقد (الفيديك) آليات لحل النزاع بشكل ودي قبل أن يتطور إلى المراحل المتقدمة منه (كالقضاء)، والتي يصعب معها الحفاظ على التفاهم والتجانس بين أطراف التعاقد في تنفيذ بنود العقد، ومن أبرز تلك الآليات هو دور المهندس الاستشاري بالموقع، إذ يقوم بجانب دوره الأساسي (متابعة تنفيذ الأعمال) بالفصل في مطالبة كلا الطرفين، وكذلك مجلس فض المنازعات، وأخيراً اللجوء إلى التحكيم.

فوائد حل المنازعات الهندسية بالأساليب الودية:

(1) المحافظة على المدة الزمنية لتنفيذ المشروع، وتسليمه في الموعد المحدد قدر الامكان.

(2) للمحافظة على سرية النزاع.

(3) عدم توقف تنفيذ مراحل المشروع، إلا إذا كان ذلك لمصلحة المشروع بخصوص التغيير الذي سوف يتم الاتفاق عليه.

(4) المحافظة على العلاقة الودّية بين أطراف المشروع؛ حيث يكون من المهم أن تحافظ أطراف العقد على علاقة عمل جيدة؛ لما في ذلك من حافز لتثبيت علاقة الفريقين المستقبلية ضمن جو من التعاون والثقة.

(5) حل المسألة أو الخلاف بالطرق الودية هو الأفضل توفيراً للجهد والوقت.

(6) حل النزاع بالأساليب الودية دائماً ما يكون بتكلفة أقل بكثير من كلفة التقاضي في المحاكم، علاوة على أن حل النزاعات عن طريق القضاء يستغرق وقتاً طويلاً في معظم دول العالم.

(7) النزاعات التي تحل في وقت وجيز وبشكل فعال، ستؤدي حتماً إلى تطور وازدهار قطاع الإنشاءات، وما يرتبط به من صناعات، فضلاً عن عدم إضافة أي مصروفات مستترة أو أسعار مبالغ فيها، تحسباً للظروف غير المتوقعة، والغموض الذي يصاحب بعض النزاعات.

توصيات لتقليل احتمالية نشوء النزاعات:

(1) إعداد معلومات مشروع واضحة لا لبس فيها، ومتسقة مع جداول محددة لإصدار المعلومات.

(2) تقييم المخاطر بشكل صحيح.

(3) ضمان التمويل في مكانه الصحيح.

(4) اختيار طريق الشراء المناسب مع التوزيع المناسب للمخاطر.

(5) استخدام أشكال قياسية غير معدلة من العقود.

(6) التأكد من أن فريق المشروع لديه المهارات والموارد المناسبة.

(7) التقليل من التغييرات.

(8) الاتفاق على جداول زمنية واقعية مع أعباء عمل متسقة.

(9) تفعيل البرمجة بحيث لا يكون هناك تأخير غير ضروري.

(10) تبني ممارسات العمل التعاوني.

(11) الحفاظ على خطوط اتصال واضحة والاحتفاظ بسجلات جيدة.

(12) إصدار تحذيرات في حالة وجود مشاكل.

(13) سرعة معالجة النزاعات وحلها.

(14) اتخاذ إجراءات للتخفيف من حدة المشاكل.

(15) عدم المبالغة في الادعاءات.

(16) على المقاول عدم انشغاله بأعمال إنشائية أخرى في الوقت الذي يتم فيه تنفيذ المشروع حتى لا يعرقل سير العمل بالمشروع.

ولأن عقود المقاولات بطبيعتها هي مصدر للخلافات والمنازعات بين أطراف التعاقد، فإن البحث عن الوسيلة المناسبة لحسم هذه المنازعات يجب أن تكون واضحة وصريحة في شروط التعاقد؛ حيث يتوجب تنظيم عقد المقاولة بطريقة فنية اختصاصية احترافية شمولية وتفصيلية، بحيث يتضمن نقاط أساسية يجب ملاحظتها عند التعاقد:

1- يجب أن تكون بنود العقد مصاغة بأسلوب واضح وسهل وبسيط، وألا تحتمل العبارة أكثر من معنى، وأن يكون مبيناً فيه حقوق والتزامات كل طرف بلغة قانونية سهلة الفهم.

2- تحديد مسؤولية المالك عن تأمين بعض المتطلبات الخاصة بالمشروع مثل المعدات أو الأدوات أو تسليم المكان شاغراً.

3- عادة تكون عقود المقاولات طويلة وتحتوي بنود متعددة، ومن هنا يجب التأكد ألا يكون هناك تعارض في بنود العقد، وأن توافق بنود العقد قوانين البلد الذي سيقوم المشروع ضمن أراضيه.

4- يجب التوضيح بالتفصيل المواصفات المطلوبة والجودة المتفق عليها والأسعار وتوضيح كيفية التعامل المادي بين الطرفين والدفعات المالية المقدمة وكيفية تقديمها ومراحل التقديم.

5- وضع شروط خاصة مثل شرط التحكيم وفترة الصيانة وغرامة التأخير، وتحديد مقدار هذه الغرامة بدقة بحيث تحدد عن كل يوم أو كل شهر حسب طبيعة الاتفاق، وكيفية تحمل المخاطر التي قد تحدث.

6- وضع شروط خاصة بإمكانية استبدال بعض المواد الإنشائية بأخرى ذات مواصفات وجودة عالية لم تكن متوفرة أثناء التعاقد.

7- تحديد طريقة التنفيذ، وتحديد زمن المشروع النهائي، وإذا أمكن تحديد كل مرحلة حسب الأولية مثل تجهيز المعمل قبل تجهيز سكن العمال.

8- يجب أن تحتوي العقود على بعض الاشتراطات التي يمكن من خلالها تحديد الالتزامات والواجبات والمسؤوليات الواقعة على كل طرف، فكلما زادت الاشتراطات كلما قلت الخلافات والنزاعات.

كل هذه الأمور تدعو أطراف عقد المقاولة إلى الحرص الشديد في صياغة بنود هذا العقد، والسعي لجعلها معبره وشامله لمتطلبات واحتياجات ورغبات كل منهم.

وفي المقال القادم -بمشيئة الله- سنتناول بشيء من التفصيل وسائل حل المنازعات في عقود التشييد، وسنبدأ بمجلس فض المنازعات من حيث توضيح طبيعة وفلسفة المجلس، وتشكيله وقراراته، والمهام، والاختصاصات، والمزايا، والسلبيات.

 

 

 

شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger