بقلم : م. مجاهد بلال طه
mogahid_b@hotmail.com
كان مدهشاً أن يعلن الأمين العام للمجلس الهندسي السوداني المهندس المستشار نادية محمود الفكى في ندوة عامة محضورة بالإعلام والإعلاميين .. يعلن عن رقم مثير للجدل بوجود ( 5700 ) مخالفة بنسبة ( 44% ) من المواقع التي تم تفتيشها .. وإكتمال الدهشة عندما أعلن في ذات الندوة أن معالجة المشاكل ليست مسؤولية المجلس؟! وفي ذات الندوة ذكرت الأخبار بأن مدير الإدارة العامة للمباني بوزارة التخطيط العمراني قد حذر من التعامل مع المهندسين كأفراد!.
mogahid_b@hotmail.com
كان مدهشاً أن يعلن الأمين العام للمجلس الهندسي السوداني المهندس المستشار نادية محمود الفكى في ندوة عامة محضورة بالإعلام والإعلاميين .. يعلن عن رقم مثير للجدل بوجود ( 5700 ) مخالفة بنسبة ( 44% ) من المواقع التي تم تفتيشها .. وإكتمال الدهشة عندما أعلن في ذات الندوة أن معالجة المشاكل ليست مسؤولية المجلس؟! وفي ذات الندوة ذكرت الأخبار بأن مدير الإدارة العامة للمباني بوزارة التخطيط العمراني قد حذر من التعامل مع المهندسين كأفراد!.
حسناً .. من الواضح أولاً أن الأمر قد أحدث لبساً كبيراً لدي غير المختصين الذين لا يميزون بين مخالفة عدم وجود المستندات بالموقع لحظة مرور المفتش وبين مخالفة وجود خلل في عمود خرصانى أو أي عضو إنشائي آخر بالمبنى.. وكلاهما مخالفة تحصى ضمن الـ( 5700 ) مخالفة. وقد كان في الإعلان بهذه الصورة خطأ إجرائي للإسباب الأتية ..
أولاً: أن المجلس الهندسي ليس هو الجهة التي قامت بذلك الإحصاء .. فكان من الواجب أن تعلن الجهة صاحبة الشأن عن الأمر.
ثانياً : مايلي المجلس الهندسي من تلك المخالفات هو ما يرتبط منها بما أرتكبه المهندس من خطأ يستوجب المساءلة .. وما عدا ذلك فهو مشاركة في الإصلاح مع جهات كثيرة، وقد إعترف المجلس الهندسي كما سبق بأنه غير مسؤول عن المعالجات.
ثالثاً : منبر الإعلان عن الارقام لم يكن هو المكان المناسب .. إذ هرع الإعلام بعد الإعلان بالبحث عن تفسير لها بالسؤال ( هل هذه الأرقام صحيحة ). فكان من الأوجب أن يكون الأمر في إطار ورشة أو ندوة مهنية حتى يكون الوضع متفهماً والتفسير متاحاً.
رابعاً: من الواضح أن الأرقام لم تكن مقصودة في ذاتها .. بالرغم مما أحدثته من أثر سالب تصدر الأخبار والمواقع الإلكترونية .. بل كان المقصود بها ( علي الأرجح ) البحث عن تبريرات مقنعة لما أعلنه المجلس الهندسي من قرار وبيان سابق خاص بمنع تنفيذ الخرط للمباني إلا عبر مكاتب استشارية.
لكن .. ومهما يكن من أمر .. فإن هذا لا ينفي صحة الأرقام وواقعية وجودها .. ولو كان منها مائه فقط فيها خلل انشائي .. فهذا يعني أن مائة مبنى ( جديد ) غير صالح للإستعمال .. وذلك أمر لا يستهان به على كل حال ووجب البحث عن مخارج معقولة وحلول ممكنة. فكيف السبيل لها؟!.
من الأجدر بنا القول أن تملص المجلس الهندسى من المسؤولية بعد أن أعلنها باسمه غير لائق .. ولا سبيل إليه .. فقد شهد السودان جميعا بالإعتراف بالجرم .. فوجب حزم الأربطة وشد البطون وقيادة الحل في منظومته العامة .. وإدارة المباني بوزارة التخطيط العمراني وجب عليها كذلك مزيداً من التوضيحات حول الأمر إما ببيان او مؤتمر صحفي أو ندوة أخرى أكثر مهنية حتي يتم فرز الأرقام وتفصيل المشكلة ومعرفة حجمها. وفي هذا الإطار .. لا يسعني ( رغم علاقتي القريبة من الجميع ) إلا أن أساهم بهذه الكلمات .. ولا مانع من أي جهد لاحق .. فأقول..
أولاً:-
وجب أن نثبت ثقافة العمل الاستشاري في وسط الشعب السوداني .. ويتميز شعبنا بأن المسكن بالنسبة له ضريبة حياة .. فيفديه بماله أولاً .. ويحب أن يشارك بنفسه في المتابعه اللصيقة .. وتحت بند ضيق ذات اليد أو التشقف يتم اختيار حلول خاطئة مثل اللجوء الى صغار المهندسين من غير ذوي الخبرة في التصميم والإستعانة بصغار المقاولين غير المجودّين في التنفيذ. وبالرغم من أهمية كلاهما ولكل منهما شأن في المستقبل .. لكن المنطق يحتم أن تكون هناك جهة اعتبارية ذات خبرة تتحمل المسؤولية مقابل المبالغ الكبيرة التي يتم صرفها على المشروع.
وهذا الجانب ومعه تصنيف الاستشاريين وتقدير الأتعاب من الأوفق أن يطلع به مجلس تنظيم بيوت الخبره للخدمات الاستشارية ضمن منظومة الحل بالتعاون مع إتحاد المكاتب الاستشارية.
ثانياً:-
وجب القيام بعصف ذهني لكيفية التحكم في خيارات تنفيذ المباني .. فيمكن علي سبيل المثال أن يكون من ضمن المستندات الواجب وجودها بالموقع عقد مع مقاول مسجل بمجلس تتظيم مقاولى الأعمال الهندسية .. وهذا الأمر بالطبع يمكن تطبيقه عبر القانون الحالى الذي ينص علي ضرورة وجود لوحة الموقع التي توضح المقاول والاستشاري ورقم ترخيص البناء .. وههنا لا يمكن لمقاول أن يتلاعب بأسمه فيبيعه شمالاً ويميناً .. وإن فعل ذلك .. فإنه يكون المتهم الأول في حالة حدوث خلل في المباني .. وهذا الأمر بالطبع يكون من الأجدر أن يطلع به مجلس تنظيم مقاولى الأعمال الهندسية بالتنسيق مع اتحاد المقاوليسن السودانيين .. ويشمل الأمر تصنيف المقاولين ( وهو موجود ) وتحديد الحد الأدنى للأسعار في العمليات المختلفة.
ثالثاً:-
لغياب التدريب للمهندسين والفنيين والعمال المهرة ( بغض النظر عن الأسباب ) .. يكون المهندس في معظم الأوقات ممارساً للمهنة علي غير أصولها .. فتتداخل عنده التصورات .. فلا يعلم حينها أي تلك الممارسات هو أصول المهنة وأيها عرف وخطأ .. فتنمو عنده ممارسة المهنة وهي شائهة وبدون نور وبرهان
.. وعليه .. وجب أن يمر المهندس الخريج بدورة تدريبية حتمية مدتها 45 ساعة ( في إجمالها ) لا يتم منح المهندس درجة خريج في المجلس الهندسي إلا بعدها. 45 ساعة يتلقى فيها معارف اساسية يتعرف فيها علي كيفية كتابه السيرة الذاتية ومهارات إعداد وكتابه التقارير الهندسية وفنون إجتياز إمتحان القدرات والمعاينات الشخصية .. وحديث عن اخلاقيات المهنة وإكتساب المهارات الإدارية وتطوير الذات وتعريف بالمؤسسات المنظمة للمهنة وشرح لقوانين البناء وعلاقات العمل واى مواضيع مشابهة يراها المختصون.
.. ثم أداء قسم المهنة .. ومن بعد يحق للمهندس حينها ممارسة المهنة. 45 ساعة فقط تسبق الدخول الي ( السوق ) تساعد المهندس في أن يكون شيئاً بعد خمس سنوات وليكون رقماً ومستشاراً بعد 15 سنه. وبطبيعة الحال .. فإن الأمر ليس بتلك البساطة. فكان من الاجدر أن يتولي المجلس الهندسي هذه الجزئية بالتنسيق مع الجمعية الهندسية السودانية والإتحاد العام للمهندسين السودانيين.
رابعاً:-
القوانين واللوائح المنظمة للبناء تحتاج لمعالجة كثير من الثغرات التى تشجع علي مخالفتها .. فلا يمكن مثلاً أن أصف موقعاً ( تاني ناصية ) من شارع الستين وعلي بعد خطوات من الرياض بأنه درجة ثالثة ولا يسمح فيه بالبناء إلا لثلاثة طوابق لا غير.. درجات وتصنيفات ورثناها منذ عهد عبود .. فلم تعد الأماكن هى الأماكن .. ولم تعد الجريف حياً شعبياً درجة ثالثة. هذا المقال وغيره أوجب مراجعة دقيقة وحصيفة للقانون تمنع الشعور بالرغبة في المخالفة لمصلحة غائبة .. وهذا الجانب من المؤكد أن مسؤوليته تقع علي إدارة المباني بوزارة التخطيط العمراني ومن بعد جهاز حماية الأراضى وإزالة المخالفات بذات الوزارة.
تلك منظومة مصغرة لحل يمثل تفكير على ورق يحتاج لكثير جهد .. وعميق إيمان وإرادة .. وسعة صدر .. وتمام ذلك وجوهره خبرة ودرايه بشعاب المهنة.
الأخت المهندسة نادية محمود الفكي .. الأمين العام للمجلس الهندسي. الأخ المهندس عمر آدم .. مدير الإدارة العامة للمباني بوزارة التخطيط العمراني .. إن تلاوة الأرقام الكبيرة جعلكم في واجهة وساحة يصعب الإنسحاب منها لمربع الصمت من جديد .. فماذا أنتم فاعلون؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق