الرئيسية » , » تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في ظل جائحة كورونا ..... د.م.م. مالك دنقلا

تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في ظل جائحة كورونا ..... د.م.م. مالك دنقلا

Written By Amged Osman on الخميس، سبتمبر 23، 2021 | 8:20 م

 تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في ظل جائحة كورونا

دكتور مهندس مستشار/ مالك علي محمد دنقلا



توطئة:

كان من دواعي سروري أن دعيت للمشاركة في سمنار هيئات المستشارين والمقاولين في دول منظمة التعاون الإسلامي، على هامش اجتماع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والذي انتظم في العاصمة الأوزبكية (طشقند) في مطلع هذا الشهر سبتمبر 2021م، قدمت من خلال هذا السمنار عدة أوراق من قبل خبراء وقادة قطاع الاستشارات والمقاولات الهندسية.

أما مساهمتي في هذه المناسبة المهمة فقد جاءت لتلفت النظر إلى موضوع حيوي وآني واستراتيجي في الوقت نفسه، فقد أحببت أن أتناول من واقع التجربة والممارسة سبل تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى ذلك أرفدت ورقتي بما تتطلبه من الإحصائيات ونتائج الدراسات الميدانية حول الموضوع الذي تزداد أهميته لتعلقه بحدث لم يزل يلقي بظلاله على القطاع، ألا وهو جائحة كورونا.

ومن خلال هذه التوطئة أشكر القائمين على مجموعة البنك الإسلامي للتنمية هذه الدعوة الكريمة للإفادة والاستفادة، راجياً لهم دوام التوفيق والازدهار.

تمهيد:

في أبريل 2017م قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحديد يوم 27 يونيو ليكون يوماً عالمياً للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك من أجل زيادة الوعي بمساهمة هذه الشركات في التنمية المستدامة، ولتشجيع الدول على الإجراءات الرامية لدعمها، وإزالة كافة العواقب التي تواجهها سواء عن طريق سَنِّ التشريعات، أو إطلاق مبادرات لتوفير الدعم المالي، أو عن طريق تقديم الخدمات التسويقية واللوجستية والتكنولوجية، وتوفير التدريب لتأهيل الكوادر البشرية.

فمما لا شك فيه أن الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في كافة المجالات، تعد اللبنة الأولى للمشروعات الكبيرة والاستراتيجية التي تقوم عليها اقتصاديات الدول، لذا أصبحت هذه الشركات تحتل أولوية متقدمة على أجندة اقتصادات الدول المتقدمة والدول النامية، وبالأخص البلدان العربية والإسلامية، ذلك لأنها تمثل حلاً ضرورياً للإسهام في تخفيف مشاكل البطالة والفقر، التي تعاني منهما دول كثيرة في العالم العربي والإسلامي. ففيما يتعلق بالمنطقة العربية نجد أن غالبية مؤسسات الأعمال هي شركات صغيرة أو متوسطة، ويقدر عددها ما بين 19 إلى 23 مليون مؤسسة (رسمية وغير رسمية)، وتشمل ما بين 80 إلى 90% من إجمالي الأعمال في معظم البلدان العربية، كما تشكل هذه الشركات أكثر من 98% من القطاع الخاص في العالم العربي والأفريقي، وتوفر نحو 60% من مجموع فرص العمل، وتساهم بنسبة 40% من الدخل القومي.

ورغم فاعلية هذه المنشآت ودورها الكبير في الاقتصاديات العربية والأفريقية، إلا أنها بحاجة إلى المساندة والدعم المتواصل، حيث أن ازدهارها واستقرارها ينعكس بالضرورة إيجاباً أو سلباً على الاقتصاد وعجلة الإنتاج، ففي حالة وجود بيئة مناسبة لإجراء الأعمال، ودعمٍ حكومي قوي؛ للشركات الصغيرة والمتوسطة، فإن الاقتصاد الوطني كله يزدهر.

أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة:

لا يخفى على أحد الأهمية الاستراتيجية للشركات الصغيرة والمتوسطة في أغلب اقتصاديات العالم، حيث تمثل أكثر من 90% من الأعمال الاقتصادية المسجلة في العالم، وتوفر أكثر من 50% من الوظائف، وتساهم بأكثر من 40% من الناتج الداخلي في البلدان النامية، وتكتسي أهمية أكبر، في دول العالم الإسلامي، يترجم ذلك بمعدل 53 شركة لكل ألف مواطن، وهو ما يمثل حوالي ضعف المعدل العالمي المقدر بـ 25 شركة لكل ألف مواطن.

كما تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة أحد أهم العناصر في عملية التنمية والتطوير الاقتصادي في معظم الدول، نظراً لدورها المحوري في دفع عجلة النمو الاقتصادي، وزيادة الناتج القومي، والإسهام في زيادة الدخل القومي، وسد احتياجات السوق المحلي، وتوفير فرص العمل، والتخفيف من وطأة الفقر، كما تسهم بشكل فعال في دعم مناخ المنافسة الذي يعد أساس التقدم، بالإضافة إلى تخفيض التكلفة الاستثمارية لخلق فرص جديدة للعمل، وخفض العجز في الميزان التجاري من خلال دعم الصادرات وإحلال الواردات، مما يحقق التوازن الإقليمي في التنمية، ومن ثم الاستقرار السياسي.

وتتضح كذلك أهميتها الاجتماعية من خلال دعم تنمية القدرات الذاتية للحرفيين، ومحاربة السلوك الاجتماعي السلبي، وزيادة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، كما تعمل على فكر الاعتماد على الذات، وتغيير فكر الخريجين من العمل في الوظائف المكتبية الحكومية إلى فكر العمل الاستثماري الحر.

خصائص الشركات الصغيرة والمتوسطة:

عَرَّفت منظمة العمل الدولية الشركات الصغيرة والمتوسطة بأنها (وحدات صغيرة الحجم تتألف من مستقلين يعملون لحسابهم الخاص، أو يعتمدون على العمل من داخل العائلة، والبعض الآخر يستأجر عمالاً أو حرفيين، ومعظمهم يعمل برأس مال ثابت صغير، وفي إطار ظروف تنافسية، وعادة ما تضم أقل من 250 موظفاً).

أما الأمم المتحدة فقد عرفت الشركات الصغيرة بأنها تلك التي بها من (20 إلى 100) عامل، والشركات المتوسطة تلك التي لديها من (100 إلى 500) عامل.

الشركات الصغيرة والمتوسطة أقل قدرة على الحصول على قروض مصرفية من الشركات الكبيرة؛ حيث تعتمد لبدء مشاريعها على الأموال الداخلية، أو الأموال النقدية من الأصدقاء والعائلة، وتقدر مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أن 40% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية لديها احتياجات تمويلية غير مستوفاة تبلغ 5.2 تريليون دولار كل عام.

ومن أهم خصائص تلك الشركات: أن مالك المنشأة هو مديرها، إذ يتولى العمليات الإدارية والفنية، وهذه الصفة غالبة على هذه المشروعات كونها ذات طابع أسري في أغلب الأحيان، والخاصية الثانية: انخفاض رأس المال اللازم لإنشاء المشروعات الصغيرة، وذلك في ظل تدني حجم المدخرات المستثمرين، وثالثها: الاعتماد على الموارد المحلية الأولية، إذ تعتمد على المواد الخام الأولية الموجودة في البيئة المحيطة، وذلك بسبب عدم قدرتها على الاستيراد، ورابعها: سهولة التأسيس، حيث إن تدني رأس المال يزيد من إقبال من يتصفون بتدني مدخراتهم على مثل هذه المشروعات، نظراً لانخفاض كلفتها، وخامسها: تميزها بغير الرسمية (Informalization)، إذ يغلب على أنشطة الأعمال الصغيرة الصبغة غير الرسمية، وذلك بسبب قلة عدد العمال وصغر حجم المشروع، وكذلك بسبب قرب العاملين من بعضهم ومعرفتهم لبعضهم؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن 69% من الشركات الصغيرة، يعمل بها أقرباء لأصحاب تلك المشروعات، وسادسها: المركزية، إذ تتسم الصغيرة بالمركزية في أعمالها، حيث يقوم مالك الشركة نفسه أو بمساعدة بعض المساعدين بتأدية النشاطات المختلفة في المشروع، وسابعها: عدم الاهتمام الكبير بجوانب البحث والتطوير، حيث إن هذه الشركات في الغالب لا تستخدم تقنيات معقدة، وذلك لأن البحث والتطوير يحتاجان إلى أموال وخبرات للقيام به، وثامنها: الارتقاء بمستويات الادخار والاستثمار على اعتبار أنها مصدر جيد للادخارات الخاصة، وتعبئة رؤوس الأموال، وتاسعها: المرونة والمقدرة على الانتشار، نظراً لقدرتها على التكيف مع مختلف الظروف، مما يساعد على توزيع عادل للدخل والثروة وتحقيق التوازن الجغرافي والإقليمي للتنمية، وعاشرها: خلق صناعات تابعة ومكملة (Subcontractors)، ولقد برزت هذه الميزة حديثاً، خاصة بعد سيادة العولمة والمنظمات العابرة للقارات، حيث تتميز الشركات الصغيرة بمساندتها للشركات الكبيرة، وكذلك فإنها مغذية لها لدرجة أنها أصبحت لا تستطيع الاستغناء عنها، وذلك لما تمتاز به من قدرة على التكيف مع الظروف والأوضاع الطارئة، وكذلك قدرتها على تلبية احتياجات مختلفة ومتباينة للمستهلكين، سواءً على صعيد المنتجات أو الخدمات.

ويلاحظ مما تقدم، أن خصائص الشركات الصغيرة والمتوسطة، منها ما هو سلبي، ومنها ما هو إيجابي، غير أن الجوانب السلبية في هذه الشركات لا ترجع إليها مباشرة، بل هي مرتبطة بالمشكلات التي تواجهها.

إسهام الصغيرة والمتوسطة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة:

تكتسي الشركات الصغيرة والمتوسطة أهمية حيوية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما في تعزيز الابتكار والإبداع، وتوفير العمل اللائق للجميع، حيث ذكر آخر تقرير للأمم المتحدة أن زيادة الاستثمارات السنوية في الشركات الصغيرة والمتوسطة بمقدار تريليون دولار ستؤدي إلى التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، موضحاً أنه في الأسواق الناشئة، يتم إنشاء معظم الوظائف الرسمية من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تخلق 7 من أصل 10 وظائف، وأنه ستكون هناك حاجة إلى 600 مليون وظيفة بحلول عام 2030م لاستيعاب القوى العاملة المتنامية، مما يجعل لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة أولوية عالية للعديد من الحكومات حول العالم.

الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال المقاولات:

لا شك أن قطاع المقاولات يعد واحداً من أهم القطاعات الاقتصادية لدول العالم، سواء من حيث قيمته المادية الضخمة، أو من حيث إمكانياته البشرية الهائلة واستيعابه 30ـ% من الأيدي العاملة، أو من حيث اتساع أسواقه واستحواذه على 70% من حجم الاستثمارات، علاوة على تأثيراته البالغة على النواتج الإجمالية للدول، وعلى النمو والاستثمار، والدخل القومي، وتشغيل باقي القطاعات الاقتصادية، فضلاً عن ارتباطه بمتطلبات المجتمع في المسكن والمدرسة والطرق والمستشفي والكهرباء والمياه.

وتمثل شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة العصب الرئيسي والنسبة الأكبر من الشركات العاملة في مجال المقاولات، حيث تبلغ نسبتها حوالي 85% من شركات المقاولات، لذا تعتبر هذه الشركات الأداة التنفيذية الفعالة والأساسية في جميع دول العالم لتلبية الاحتياجات المُلِحَّة للتنمية، وكذلك تعتبر محركاً أساسياً لحركة النمو الاقتصادي، ولخلق المزيد من الوظائف؛ بالإضافة إلى مساهمتها الكبيرة في الناتج القومي.

التحديات العامة التي تواجه شركات المقاولات:

تعد صناعة المقاولات بطبيعتها صناعة محفوفة بمخاطر لا يمكن تجنبها ولا يمكن التنبؤ بها أو بتأثيرها، حيث أن عقد المقاولة هو العقد الوحيد الذي يتم فيه تحديد سعر المنتج النهائي قبل أن تبدأ عملية الإنتاج، كما تواجه شركات المقاولات تحديات متنوعة، فهناك التحديات التشريعية: كالعلاقات التعاقدية والتشريعات المرتبطة بالقطاع؛ وأبرزها قوانين الضرائب، والتأمينات، والعمل، ونماذج العقود، وهناك التحديات التمويلية: وتتعلق بارتفاع الفوائد البنكية، والتحفظ الشديد للمصارف في الإقراض والتمويل، واستخراج خطابات الضمان، وهناك التحديات الفنية: وتتعلق بعدم توافر العمالة الفنية المدربة والكوادر التي تمتلك المهارات اللازمة لأسواق العمل، وهو ما يؤثر في جودة تنفيذ المشروعات، وهناك تحديات الظروف الطارئة: مثل الزلازل والبراكين، وتقلبات الطقس، والحروب، والأوبئة كفيروس كورونا الذي ما زال العالم كله يعاني من تداعياته، بالإضافة إلى التحديات الأخرى التي تواجه المقاول والمتعلقة بضعف اعتمادات المشاريع، وعدم سداد المستحقات المالية، والروتين الحكومي، وتغير أسعار الصرف، وارتفاع أسعار مواد البناء، وغرامات التأخير، وتحديات التعثر في المشاريع.

التحديات التي تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة:

أولاً: تحديات عملية التصنيف:

رغم أن التحديات السابق ذكرها تواجه جميع شركات المقاولات باختلاف أحجامها كبيرة أو صغيرة أو متوسطة، إلا أنه هناك تحديات إضافية تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في الدول العربية والإفريقية، يأتي في مقدمتها ما يتعلق بمنظومة التصنيف ومتطلباته الفنية والمالية والإدارية والقانونية، التي تؤثر بشكل واضح على أداء هذه الشركات، حيث تقف زيادة وتعقد اشتراطات التصنيف أمام حصولها على العطاءات الكبرى وإعدادها وتقديرها، مما يعوق تطورها ونموهم واكتسابها لخبرات تنفيذ المشروعات الضخمة التي تؤهلها للتصنيف إلى درجة أعلى، وذلك بسبب اضطرارها للعمل كمقاول باطن تحت مظلة الشركات الكبرى المصنفة، والتي تحتكر المشروعات الهامة.

ولأن التصنيف عملية معقدة تتطلب شروطاً صارمة، يتبين لنا مدى الصعوبات الشديدة التي تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، سواء من حيث توفير البيانات المالية، أو اعتماد الكوادر المؤهلة وإثبات سنوات خبراتها، أو إثبات ملكيات الآلات والمعدات، وإعداد الميزانيات العمومية المدققة بشكل يتوافق ومتطلبات التصنيف، هذا بالإضافة إلى مواجهة مشاكل استخراج شهادات الخبرة للمشاريع، خاصة إذا اكتنفت مرحلة تنفيذ المشروع بعض المنازعات التي لا تخلو منها أي عملية.

ثانياً: تحديات التدريب ورفع الكفاءة:

تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة تحديات المنافسة الشرسة، والتغيرات التكنولوجية المتسارعة، بجانب عدم قدرتها على جذب العمالة الماهرة والموظفين المؤهلين تأهيلاً عالياً، مقارنة بنظيراتها الأكبر حجماً، بسبب عوامل تتعلق بنقص الإمكانيات والموارد، ما ينتج عنه ضعف الأداء وعدم القدرة على المنافسة في السوق.

فبينما تعتمد المنشآت الكبيرة على الخبرات والقدرات الكفؤة في جميع التخصصات الهندسية والإدارية والمحاسبية، نجد ندرة في هذه الكوادر داخل الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ بسبب تفضيل العمالة الماهرة العمل في الشركات الكبرى، حيث الأجور الأعلى والمزايا الأفضل، واضطرار الشركات الصغيرة إلى توظيف عمالة غير ماهرة ما يخفض من جودة الخدمات المقدمة، وبينما تعتمد المنشآت الكبيرة على إدارات منظمة لتدريب وتطوير الموارد البشرية، فإن الشركات الصغيرة لا تتحمل التكاليف المنفقة على هذا المجال، وهذا ما يساهم في سرعة انهيارها وخروجها من المنافسة والسوق.

هذا بالإضافة إلى أن المستوى التكنولوجي المستخدم في الشركات الصغيرة والمتوسطة أقل تطوراً بكثير من المستخدم في الشركات الكبيرة، وذلك نظراً لعدم توافر رؤوس الأموال الكافية لعمليات التحديث ونقل التكنولوجيا، لذا غالباً ما تعتمد هذه الشركات على الإمكانيات البسيطة المتاحة، الأمر الذي يحرمها من الفوز بالمشاريع الهامة، كما أن معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة غير منتجة؛ فهي لا تمتلك ورش عمل متكاملة، وليس لديها مصانع أو معدات تشغيل، وتعتمد بشكل أساسي على شركات أخرى مما يرفع من تكلفة الخدمات المقدمة.

ثالثاً: تحديات سوء التخطيط:

يعد غياب مقومات التخطيط الفعال للمدى البعيد من أهم المشاكل التي تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، حيث تفتقر هذه الشركات للخبرات المتخصصة في التعرف على المتغيرات الطارئة والمستجدة، والعمل على تلاشي آثارها السلبية على أداء وعمل الشركة، وذلك نظراً لعدم توافر الموارد اللازمة للقيام بالتخطيط، مقارنة بالشركات الكبيرة، كما تعاني أيضاً من نقص شديد في المعلومات والبيانات عن سوق العمل، وهي ضرورة حتمية لكل الشركات كي تتمكن من اتخاذ القرارات على أسس اقتصادية رشيدة؛ واكتشاف نقاط القوة وانتهازها كفرص، وتحديد نقاط الضعف وتداركها لتقليص حجم التهديدات والمخاطر، مما يترتب عليه عدم إدراك صاحب الشركة الصغيرة للفرص المتاحة، أو جدوى التوسع وتنويع النشاط، ما يجعل من الصعوبة تحديد السياسات التي تمكنه من تدعيم قدراته التنافسية، وتحديد الأهداف القابلة للقياس، وتأخر كادر الشركة في اتخاذ القرارات الحاسمة خلال التنفيذ، وبالتالي هدر المزيد من موارد ووقت التنفيذ.

رابعاً: تحديات الأمن والسلامة المهنية:

تعاني الشركات الشركات الصغيرة والمتوسطة من كثرة حوادث العمل، بسبب عدم القدرة على توفير النفقات اللازمة لمتطلبات الأمن والسلامة في مواقع العمل من المعدات وأدوات الحماية الشخصية، وعدم الإلمام الكافي للعمالة الرخيصة بكيفية أداء وظائفهم بأمان، حيث هم في الغالب أميون، ويفتقرون إلى فهم قوانين الصحة والسلامة المهنية، هذا بالإضافة إلى هيمنة الشركات الكبيرة على المشروعات الهامة والتي بدورها تقوم بتجزئة عمليات المشروع على الشركات الصغيرة، وتؤدي التجزئة إلى زيادة مخاطر الصحة والسلامة أثناء إنشاء المشاريع وتشغيلها.

ولأن هشاشة الأوضاع المالية وعدم الاستقرار المالي يعيق اعتماد ممارسات الصحة والسلامة الجيدة؛ فمن الطبيعي ألا يدير صغار المقاولين مخاطر الصحة والسلامة بنفس فعالية المقاولين الكبار، وبالتالي يعانون من مخاطر حوادث مهنية أعلى من الشركات الكبيرة، فنتيجة صغر حجم رأس مال هؤلاء المقاولين؛ فإن الموارد والمرافق اللازمة لتمكين البناء الآمن غير متوفرة بسهولة، حيث يُنظر إلى مسألة التكلفة، من شراء معدات الحماية الشخصية، وتوظيف ضباط السلامة كتكاليف إضافية، في حين أن كبار المقاولين يظهرون أداءً جيداً للسلامة؛ لأن لديهم الموارد لتطوير وتنفيذ أنظمة قوية لإدارة السلامة.

خامساً: تحديات النفاذ إلى التمويل:

يمثل النفاذ إلى التمويل، التحدي الأكبر بين كل التحديات التي تواجه شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في الدول العربية والإفريقية، سواء لعدم توافر الضمانات الكافية أو لفقدان الجدارة الائتمانية، أو وجود عدد من هذه الشركات خارج المنظومة الرسمية، أو عدم توافر تاريخ ائتماني موثق، حيث تعد مواردها الذاتية غير كافية للوفاء بمتطلبات عمليات التشغيل الجاري والإحلال والتجديد، الأمر الذي يجعلها تعمل في حدود الإمكانيات المالية المحدودة، مما يحد من قدرتها على التطور والتوسع.

فمن وجهة نظر البنوك يعتبر منح التمويلات للشركات الكبيرة أقل مجازفة لأنها أكثر استقراراً وأقل عرضة للمخاطرة، ولها سجلات متاحة ومعلومات منظمة، وهي أكثر ربحية، عكس الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر أقل استقراراً، وأكثر عرضة للمخاطرة، وسجلاتها غير متاحة، وليس لديهم معلومات محاسبية واضحة، إلى جانب مشاكل أخرى، من قبيل ضعف الإدارة، ونقص الوثائق التجارية، وضعف قدرتها على تدبير نسبة موارد ذاتية مقبولة لدى مؤسسات التمويل.

وكانت النتيجة الطبيعية لكل ذلك أن 90% من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تتعامل مع البنوك، فبناءً على التقديرات لا تتعدى نسبة الإقراض البنكي للشركات الصغيرة والمتوسطة في معظم الدول 2% فقط من إجمالي قروض القطاع المصرفي، وبالإضافة إلى ذلك يتم رفض طلبات الحصول على القروض لما يتراوح ما بين 50% إلى 70% من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويختلف حجم الفجوة بشكل كبير من منطقة إلى أخرى، فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على وجه الخصوص لديها أعلى نسبة من فجوة التمويل، وما يقرب من نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية ليس لديها إمكانية الوصول إلى الائتمان الرسمي، وتكون فجوة التمويل أكبر عندما تؤخذ الشركات الصغيرة وغير الرسمية في الاعتبار.

من هنا تواجه هذه الشركات صعوبات كثيرة عند شراء الآلات والمعدات والمواد الخام وغيرها من مستلزمات الإنتاج، وبالتالي فإن عراقيل البنوك في التعامل مع شركات الإنشاءات الصغيرة والمتوسطة تؤدي إلى خروج تلك الشركات من سوق المقاولات وإفلاسها وعدم دخولها في المشروعات المطروحة، أو حتى مشروعات الخطط العامة للدولة، كما تتضاعف قيود التمويل بالنسبة للشركات الصغيرة غير الرسمية، على الرغم من أنها في كثير من الأحيان تسهم إسهاماً كبيراً في النشاط الاقتصادي وجذب العمالة.

تأثير كورونا على شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة:

على الرغم من أن التحديات التي سبق ذكرها هي مشاكل تعاني منها شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة منذ زمن كبير، إلا أن أزمة انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) فاقمت من تأثيرها السلبي، وأبرزت الحاجة الملحة لوضع حلول فعالة، حيث نعلم جميعاً أن كافة القطاعات الاقتصادية في العالم تعرضت لخسائر فادحة وهزات كبرى؛ نتيجة لانتشار فيروس كورونا في أواخر عام 2019م، ما أدى إلى تدهور الاقتصاد العالمي، وتباطؤ النمو، وإعاقة التبادل التجاري بين الدول، وانخفاض المعروض من السلع والخدمات، بالإضافة إلى توقف العديد من المصانع والشركات وتعطل سلاسل الإمدادات، لذا تعتبر جائحة كورونا هي الأزمة الأشد التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي منذ أزمة الكساد الكبير عام 1929م.

وبالطبع عصفت أزمة جائحة كورونا بقطاع المقاولات بأكمله، بسبب الإجراءات الاحترازية التي أجبرت دول العالم على الإغلاق التام، وتقييد الحركة والتنقلات، وإجراءات حظر التجول، وتوقف إمدادات المواد الخام، وإغلاق المطارات والمواني والحدود بين الدول، ما تسبب في تقليص أعمال البناء والتشييد نتيجة توقف العمل لفترات كبيرة فى جميع المشروعات والمواقع الإنشائية، بسبب تدابير الاحتواء والعزل، وترتب على هذا عدم تسليم المشاريع في مواعيدها، ونقص شديد في السيولة المالية، بالإضافة إلى عدم توقيع عقود جديدة، الأمر الذي أسفر عن إغلاق وإفلاس العديد من شركات المقاولات نتيجة تفاقم الخسائر والمديونيات.

وعليه؛ أصبحت معظم شركات المقاولات تواجه تحديات كبيرة تتعلق بمدى إمكانية الاستمرار في تنفيذ العقود المبرمة، في ظل ظروف طارئة أو قهرية تجعل من تنفيذ الالتزامات أمراً صعباً، أو مستحيلاً، وكان لوباء كورونا تأثير سلبي أكبر على الشركات الصغيرة والمتوسطة، مقارنة بشركات المقاولات الكبيرة، حيث أنها رغم تقلص نشاطها ومشكلات نقص السيولة وعدم سداد مستحقاتها، أصبحت مطالبة بتوفير الموارد لتغطية مصاريفها التشغيلية الثابتة والمتغيرة من أجور وإيجارات ومصاريف متنوعة، بالإضافة إلى ضرورة إيفائها بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية المقرضة، ودفع ما عليها من الضرائب، فأفلس معظمها مع ازدياد ديونها وعدم قدرتها على مواجهة تحديات تأمين رواتب موظفيها، واضطر بعضها إلى تسريح عدد من موظفيها، ما تسبب في ارتفاعات صارخة لمعدلات البطالة.

ولأن شركات المقاولات المتوسطة والصغيرة لا تمتلك خططاً مستقبلية لاستمرارية الأعمال في حالة الكوارث، والظروف المتغيرة، أو تفشي الأمراض المعدية، مثلما حدث جراء انتشار فيروس كورونا، فإن حالة من عدم التيقن بشأن المستقبل، تسببت في ضرر أقسي، وخسائر أكبر بالنسبة لهذه الشركات، ما أجبر معظمها على الإغلاق.

 

مقترحات النهوض بشركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة:

بداية ينبغي مراجعة وتعديل كافة القوانين التي لا توفر بيئة مناسبة أو عادلة لسير أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة، كقوانين العمل، والتأمينات الاجتماعية، وتبني إعداد عقود إنشاءات متوازنة كالنموذج العالمي (الفيديك)، هذا بالإضافة إلي العمل على سرعة صرف سداد مستحقاتهم خاصة، فتوفير السيولة ينعكس إيجاباً على المقاولين الصغار (مقاولي الباطن)، ويعطي دفعة قوية لتحريك المشاريع المتعثرة، كما يجب الحرص على توفير مواد البناء بأسعار مناسبة، أو صرف التعويض العادل في حالة ارتفاع الأسعار بدرجة تخل بتوازن العقود، بالإضافة إلى تسهيل الاجراءات الجمركية أمامهم لاستيراد المعدات الحديثة.

ولمواجهة تحديات التخطيط داخل هذه الشركات فيكون من خلال إدراك صاحب الشركة لأهمية وجدوي إنفاق مبالغ كافية لاستخدام الطرق العلمية في الإدارة، ودعم تطور المهارات الخاصة بالمديرين، وتعيين مديري مشاريع أكفاء حاصلين على شهادات، ولديهم إلمام بالتقنية الحديثة وخبرات ومهارات عالية، وتبني استيراتيجية للتخطيط وترشيد استخدام الموارد، والاستغلال الأمثل لإمكانيات الشركة، الأمر الذي سوف يساهم في النهاية في تحسين الإنتاجية، وخفض كلفة تنفيذ المشاريع، وتحديد المشاكل مسبقاً، وعدم التوقف حتى في الظروف القاهرة، والمحافظة على رضا العملاء، وعلى أموال الشركة، وتجنب التخطيط الارتجالي من قرارات تؤثر على سير عمل المشروع.

وبالنسبة لمواجهة تحديات التدريب والتطوير ورفع القدرات التنافسية لشركات المقاولات الصغرى والمتوسطة، يجب تضافر جهود الحكومات مع أصحاب هذه الشركات في هذا الشأن، وذلك عن طريق زيادة الاستثمارات في برامج التعليم والتدريب وربطها بالسوق، وأيضاً دعم وتشجيع عملية التطوير والابتكار للشركات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الامتيازات المقدمة لهم، وتيسير وضع وتنمية السياسات الاقتصادية التي تشجعهم على النمو، ومساعدتهم على حل المشكلات التكنولوجية، وتوفير خدمات التدريب والاستشارات والبحث عن المعرفة، وتوفير البيئات المواتية وتعزيز فرص الحصول على المهارات اللازمة في جميع مراحل دورة حياة المشروع، لبناء القدرات الخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة ودعمها وتطويرها، وإلزام المؤسسات الكبرى بتخصيص نسبة من ميزانيتها لدعم التطوير للشركات الصغيرة والمتوسطة.

ويجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة محاولة الاستفادة من خبرات الشركات الكبيرة، من خلال العمل لديهم من الباطن، خاصة المجالات التقنية والتكنولوجية، والاستفادة من طريقة استخدام المعدات الحديثة والمتخصصة التي تتمتع بها الشركات الكبرى، وأيضاً يجب الاستفادة من تراكم خبرات الشركات الكبرى، فصناعة التشييد تقوم أساسا على تراكم الخبرات.

وبالنسبة لمواجهة مشاكل الأمن والسلامة فيجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة أن تسعى لتوفير كافة وسائل الحماية المتعلقة بظروف العمل والصحة والسلامة المهنية لعمال البناء، وعلى الحكومات إعداد سياسات لتطوير إمكانياتهم وتأهيلهم لاتباع إجراءات الأمن والسلامة العامة، جنباً إلى جنب مع توفير الأدوات والمعدات اللازمة للوقاية تجنباً للحوادث الكثيرة في مواقع العمل.

أما مشاكل التصنيف فيجب تيسير متطلباته وضوابطه وتقليص الإجراءات الروتينية، وعدم الغلو في الاشتراطات اللازمة للترقي إلى درجات أعلى، حتى لا يتم حرمان الشركات الصغرى والمتوسطة من تنفيذ المشروعات الكبرى، ويجب أيضاً اعتماد منظومة للربط الإلكتروني المباشر مع الجهات ذات العلاقة بتوفير متطلبات وشهادات تصنيف المقاولين؛ حتى تتم عملية التصنيف دون الحاجة إلى أوراق ومستندات كثيرة.

ونظراً لأن مشاكل الحصول على التمويلات اللازمة يعد من أكبر التحديات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة خاصة العاملة في مجال المقاولات بسبب عدم مقدرتهم على توفير الضمانات التقليدية الكافية التي تشترطها البنوك، فيمكن مواجهة تلك المشكلة عن طريق تطبيق مجموعة واسعة من الحلول منها؛ حشد برامج تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة منخفضة، فضلاً عن ضمانات للقروض الممنوحة، وتسهيل وتيسير إجراءات ومتطلبات التمويل، وتوفير طرق السداد المرنة لفترات أطول مما هو متاح بشكل عام في السوق، ودعم ومشاركة منصات تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار فيها، والعمل على إيجاد صيغة تشريعية لممارسة أعمالها، وإطلاق نظامٍ بديلٍ لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز قدرات مكاتب الإقراض الائتماني، وتطبيق حصص إقراضٍ محددةٍ للشركات الصغيرة في البنوك مدعومة من مخططات الضمان، وتخفيف شروط الإبلاغ المالي.

كما يجب تشجيع الاعتماد على سجل الضمانات المنقولة لتيسير الحصول على التمويل وتخفيض تكلفة التمويل، والتركيز على الممارسات التي تهدف إلى خفض كلفة مخاطر الائتمان الموجه إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء مؤسسة ضمان ائتمان، تهدف إلى دعم شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة خاصة تلك التي لا تمتلك ضمانات أو سجل متابعة للحصول على تسهيلات ائتمانية من المؤسسات المالية بتقديم ضمانات لتغطية تلك التسهيلات.

تعزيز دور دور البنك الإسلامي للتنمية في تمويل شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة:

من الأهمية أن تعمل المصارف ومؤسسات التمويل الإسلامية على تطوير صيغ التمويل المتوفرة، وابتكار صيغ مبتكرة للتمويل تتلائم مع شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة نظراً للدور التنموي الفعال لهذه الشركات في البلدان العربية والإسلامية، ودورها الهام في توفير فرص العمل، وتنفيذ المشروعات الخدمية والقومية ومتطلبات التنمية المستدامة والتخفيف من حدة الفقر.

ولأن البنك الإسلامي للتنمية له دور رائد وفاعل لا ينكر في عمليات التنمية بالدول الإسلامية، ونظراً لتعدد صيغ التمويل الإسلامي بالبنك، والتي يمكن أن تناسب هذه الشركات، نري أن البنك الإسلامي هو المؤهل لكي يلعب دوراً محورياً في دعم شركات المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمساهمة في تطورها ونموها، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، ويكون ذلك من خلال إطلاق مبادرة خاصة تستهدف توفير سبل الدعم المادي للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتيسير حصولها على التمويل اللازم لتطويرها وتوسعها، وتخفيض الشروط والجهات الضامنة والكافلة لها، وتوجيههم بكيفية تحضير الملفات الضرورية للاستفادة من هذه المبادرة، وتوفير المعلومات حول كيفية الحصول على تمويل بواسطة الصيغ الإسلامية، وأوجه الشروط اللازمة، والجهات الضامنة والكافلة لها، وتوجيههم على كيفية إنشاء الشركات، وتحضير الملفات الضرورية للاستفادة من هذه الصيغ، وتقديم الدعم لها.

كذلك يمكن للبنك الإسلامي للتنمية زيادة دوره التنموي والتمويلي والتكاملي، وعدم الاقتصار على مسألة تمويل هذه الشركات، بل المساهمة في عمليات الدعم الفني، وزيادة فاعلية القوى البشرية العاملة بها، من خلال اتخاذ مبادرات تساهم في دعم برامج تدريبية متطورة لرفع كفاءة للعاملين بالشركات الصغيرة والمتوسطة.

وهناك الكثير في هذا الصدد، خاصة وأنه قد سبق وأن استجابت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية لطرح مبادرات تستهدف التخفيف من تداعيات جائحة كورونا، وأعدت حزمة متكاملة تقدر بــ 2 مليار دولار، جعلت فيها نصيباً مقدراً لدعم وتمكين قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، قصد الحفاظ على الوظائف المباشرة والغير مباشرة، وإنعاش النشاط الاقتصادي، والمساعدة على استعادة وتيرة النمو للتغلب على وطأة الأزمة الحالية وتبعاتها المحتملة في المستقبل.

وسائل تطوير شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في ظل جائحة كورونا:

رغم أهمية استغلال الإجراءات الاستثنائية التي تقدمها الحكومات في الوقت الحالي لدعم شركات المقاولات والتخفيف من من آثار جائحة كورونا، إلا أنها ليست كافية، حيث من الأهم وضع خطط مستقبلية للشركات المتوسطة والصغيرة للتكيف مع مرحلة ما بعد الجائحة، أو الاستعداد بشكل أفضل لمزيد من موجات الوباء، أو تفشي الأمراض المعدية الأخرى في المستقبل، ويكون ذلك من خلال ضخ المزيد من الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة لتنفيذ الأعمال، وتبنى تقنيات وحلول تمكن من إنجاز المزيد من المهام، كالعمل عن بعد، والبناء خارج الموقع، هذا بالاضافة إلى العمل على توفير متطلبات التشغيل الآمن، ومعدات الحماية الشخصية، والالتزام بالضوابط المتعلقة بتعزيز السلامة والصحة المهنية في بيئة العمل.

كما يجب أن تتضمن جميع عقود المقاولات بنوداً تنص على أن هذا الوباء أو غيره من الأوبئة المستقبلية تندرج ضمن شروط القوة القاهرة، وعلى الشركات التأكد من أن العقود الموقعة مع جهات الإسناد تتضمن هذه البنود والتي تهدف إلى إعفاء المقاولين من التزامات معينة أثناء الأحداث غير المتوقعة والمؤثرة، أو يجب حل هذه المشكلات بطريقة ودية بين المالكين والمقاولين، لتجنب أخطاء الماضي، حيث أن جائحة كورونا تسببت في خسائر غير متوقعة لمعظم هذه الشركات.

ويجب على أصحاب الشركات الصغرى والمتوسطة مراقبة اتجاهات السوق وتعديل استراتيجياتهم، حيث يتعين على الشركات المتخصصة في نوع واحد أو نوعين من المباني أن توسع تفضيلاتها لاقتناص الفرص الجديدة التي نشأت لمواجهة تداعيات الجائحة مثل المشاريع التكنولوجية والاتصالات، كما يجب الانتباه إلى أن طرح مشروعات ذات نوعية جديدة يترتب عليه أن يكونوا أكثر كفاءة في أعمالهم، وفي عملية تقديم العطاءات، ودقة عمليات التقديرات حتى يتمكنوا من التركيز على متابعة المشاريع المربحة، وبالتالي تطوير أنفسهم، والاعتماد على أساليب حديثة في إدارة المشاريع.

ومن المهم أيضاً البحث عن حلول بديلة لتقليل فترات العمل والكثافة داخل المشروعات، وتطوير أنظمة العمل المرن، والعمل عن بُعد في بعض وظائف التشغيل، وضبط آليات العمل بالمواقع الإنشائية، بما يتماشى مع تقليل العمالة، من خلال الاستعانة بالوسائل سابقة التجهيز، خاصة الخرسانة والمعدات الخشبية والمعدنية، ويجب الموازنة بين تخفيض النفقات والتكاليف الإضافية الناجمة من تكثيف ممارسات الأمان والوقاية في أماكن العمل، وبين الحفاظ على الثروة البشرية من العاملين بالشركات، وأخيراً يجب وضع اشتراطات محددة وصارمة؛ لضمان تسديد مستحقات المقاول في الوقت المحدد، تبعاً لسير تنفيذ الأعمال، على أن ينص على ذلك في كتابة العقود، وذلك تجنباً للمشاكل التي تنشأ نتيجة تأخر صرف هذه المستحقات، وتحديد آليات لتسوية المنازعات مع صاحب العمل.

التوصيات:

مما لا شك فيه أن دعم وتعزيز دور شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة يعد من أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للدول العربية والأفريقية، حيث تعد هذه الشركات العمود الفقري لتطور الاقتصاديات الوطنية، وتنفيذ كافة المشروعات القومية والتنموية ومشروعات البنى الأساسية، فضلاً عن قدرتها على امتصاص البطالة، وتوليد فرص العمل، وزيادة معدلات التشغيل، ورفع مستويات الدخل القومي والمستوى المعيشي، والحد من الفقر، وتحقيق الأهداف الإنمائية الأساسية.

ولأن شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة لمخاطر الأزمات مقارنة بالشركات الكبيرة، يصبح من الضروري وضع الخطط والسياسات الاستيراتيجية لمساعدتها على التوسع في نشاطها، وزيادة رأسمالها، وتحسين وصولها إلى التمويل الميسر والمستقر، والوقوف على احتياجاتها، ودراسة الفرص والتحديات التي تواجهها، والعمل على صياغة الحلول وتهيئة المناخ المناسب لتأدية دورها التنموي وتطويرها ويكون ذلك من خلال:

- مراعاة توجيه حصص من الإنفاق الحكومي والمنح المالية لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تغطية جزء من نفقاتها التشغيلية، ودعم ميزانيتها العمومية وإعادة هيكلة سياساتها، بما يساعدها على استمرارية أعمالها، والحفاظ على الوظائف المباشرة والغير مباشرة وإنعاش النشاط الاقتصادي، واستعادة وتيرة النمو، للتغلب على وطأة الأزمة الحالية وتبعاتها المحتملة في المستقبل.

- تخفيض تكاليف البحوث والتطوير، وتشجيع البرامج والخطط القومية التي تهدف إلى ترقية نشر التكنولوجيا بين الشركات الصغيرة والمتوسطة وتنمية قدراتها، وتحسين كفاءة استخدام الموارد والطاقة الأنظف والعمارة الخضراء، مما يساهم في تخفيض تكاليف التشغيل والحد من التكاليف البيئية للشركات الصغيرة والمتوسطة.

- إنشاء هيئات حكومية متخصصة؛ لتقييم القدرة التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة، من أجل تحديد التدابير اللازمة لتطوير قدراتها ومواردها البشرية، ودعم عملية تدريب الموظفين وتنمية المهارات وصقلها، ليكونوا أكثر تجهيزاً بالمعرفة والمهارات في التعامل مع الأعمال الحديثة في المشاريع الانشائية.

- تبني دراسة أسلوب عمل شراكات وتحالفات بين الشركات الصغيرة كوسيلة من وسائل تبادل الخبرات والممارسات الناجحة، وبما يسمح لها بالتمتع بمزايا اقتصاديات الشركات الكبيرة.

- تيسير متطلبات وضوابط التصنيف للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتقليص الإجراءات الروتينية، والعمل على إتمامها في أيام قليلة، كما يجب بحث عدم الغلو في الاشتراطات اللازمة للترقي إلى درجات أعلى، حتى لا يتم حرمان هذه الشركات من تنفيذ المشروعات الكبرى، واكتسابها للخبرات والتجارب العملية التي تساهم في تطور أعمالها، ويجب أيضاً اعتماد منظومة للربط الإلكتروني المباشر مع الجهات ذات العلاقة بتوفير متطلبات وشهادات تصنيف المقاولين.

- تيسير حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على كافة المعلومات والبيانات اللازمة عن سوق العمل، ومخططات المشروعات المطروحة مستقبلياً والجاري طرحها وتكلفتها، وأنواع المعدات والأجهزة المطلوبة لتنفيذ المشروع، والمواصفات العامة والخاصة كي تتمكن من التعرف على المتغيرات الطارئة والمستجدة، واتخاذ القرارات على أسس اقتصادية رشيدة.

- توفير أطر وطنية لإدارة الصحة والسلامة، أو تأسيس هيئات لديها سلطة صياغة وإنفاذ قواعد السلوك في الصحة والسلامة، ومراعاة أن يكون هناك تدابير أمنية مناسبة للمواقع، وإجراءات مطبقة لتجنب أية مخاطر على الصحة والسلامة، كما يجب مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على توفير شروط الأمن والسلامة داخل مواقع البناء، ودعم عمليات شراء واستيراد معدات ومستلزمات الوقاية الشخصية والممارسات الصحية والإجراءات الاحترازية، وذلك بهدف ضمان قواعد السلامة والأمان داخل الموقع.

- تعديل القوانين والقرارات والتشريعات التي تعيق نمو شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والإسراع في صياغة قوانين جديدة لحمايتها، وتطويرها، حيث أن البنية التشريعية تعد أساساً قويا لقطاع مقاولات قوي وقادر.

- تدعيم قدرات شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة في تبني عمليات التخطيط الهندسي، بكل الوسائل الحديثة، والمساهمة في نفقات تعيين كوادر مدربة ومحترفة في مجال التخطيط، وإدارة المخاطر، لتتمكن من تقدير تكلفة مشاريعها بدقة عالية، الأمر الذي سيجنبها الوقوع في الأزمات المالية، وبالتالي يتم القضاء على ظاهرة تعثر المشاريع.

- إطلاق مبادرات حكومية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر منحها استثناءات أو تخفيضات كبرى في تكاليف استقدام وتشغيل العمالة، وتأجيل دفع رسوم الخدمات الحكومية والرسوم الجمركية على المعدات والمهمات المستوردة من الخارج، التى تشكل مكوناً رئيسياً فى بعض المشروعات.

- منح شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة مدداً زمنية إضافية على عقود المشروعات التي توقفت بسبب تفشي فيروس كورونا، وذلك لإنقاذها من غرامات للتأخير، كما يجب العمل على ضخ اعتمادات إضافية لتنفيذ مشروعات جديدة.

- تطوير المفهوم الريادي لمثل هذه الشركات، والعمل على إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية والتقييم المالي، وتوفير عمليات الضمان لها، أو إعادة تنظيمها حتى تصبح أكثر ريادية، والقيام بالإجراءات اللازمة بخصوص تقديم الضمانات لتغطية مخاطر القروض الممنوحة من قبل المؤسسات والبنوك المشاركة في تغطيتها الجزئية أو الكلية.

- وضع استراتيجية طموحة لتعافي شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة من تداعيات كورونا، لزيادة قدرتها على الصمود خلال فترة الأزمة، وللفترة ما بعد جائحة كورونا، بحيث تتضمن إعفاءات أو تأجيل للضرائب، وخفض أسعار الطاقة وستلزمات التشغيل، ودعم مرتبات العاملين، وبرامج لتمويل الإقراض الميسر، وإتاحة سداد مستحقات الشركات المتأخرة لدى الجهات المالكة، لتوفير سيولة سريعة تحافظ بها على استمراريتها والوفاء بالتزاماتها.

- أهمية تقديم الدعم الفني، لشركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتوظيف التقنيات الرقمية، ودعم الابتكار، لضمان قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الانضمام إلى الثورة الرقمية وتجاوز الأزمة.

.- توفير استيراتيجية قومية متكاملة للتدريب والتطوير، تساهم في رفع كفاءة هذه الشركات، والمساعدة في تطوير المعدات والآلات، وتوفير العمالة المدربة اللازمة لأسواق العمل، والتكيف مع بيئة الأعمال المتغيرة، كي تكون قادرة على المنافسة الشرسة في ظل التطور الكبير والهائل للتكنولوجيا.

- إطلاق حزم تمويلية مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة تقدم من خلال البنوك التجارية، وتأسيس صناديق استثمارية تؤسسها الحكومة مع شركات القطاع الخاص وكبار رجال الأعمال، على أن يوجه عائد هذه الصناديق لتمويل أصحاب هذه الشركات في صورة قروض ميسرة من دون فوائد لسد الثغرات التمويلية.

- دعم ومشاركة منصات تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار فيها والعمل على إيجاد صيغة تشريعية لممارسة أعمالها، وحشد برامج تمويل لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة بأسعار فائدة منخفضة فضلاً عن ضمانات للقروض الممنوحة، وتسهيل وتيسير إجراءات ومتطلبات التمويل، وتوفير طريقة السداد المرنة لفترات أطول.

- تأسيس وحدات بنكية مخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير مهارات موظفي البنوك لدراسة وتقييم معدل المجازفة لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل أكبر، واستيعاب المشاكل والعقبات التي تواجههم وكيفية معالجتها، وتقديم خدمات استشارية لدعم هذه الشركات في جميع المراحل.

- إنشاء مؤسسة ضمان ائتمان، تهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة التي لا تمتلك ضمانات أو سجل متابعة للحصول على تسهيلات ائتمانية من المؤسسات المالية بتقديم ضمانات لتغطية تلك التسهيلات.

- التركيز على آليات دمج الشركات الصغيرة والمتوسطة في إطار الاقتصاد الرسمي بهدف تيسير فرص نفاذ هذه الشركات للائتمان، مع توفير بيانات وتقارير عن الشركات الصغيرة والمتوسطة للمساعدة على تقييم الجدارة الائتمانية من خلال تجميع المعلومات الأساسية عن أداء الشركة وتاريخ مدفوعاتها.

- الاستفادة من مبادرات البنك الإسلامي للتنمية، ومن تميز موقع الدول العربية وصدارتها لنشاط البنك؛ لتغطية جانب من فجوة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما في ضوء الطلب الكبير من قبل هذه الشركات على منتجات البنك.

- تعظيم الاستفادة من صيغ تمويل المصارف الإسلامية في تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدرتها التنافسية، وتبني استراتيجية طويلة الأجل لتنميتها، والعمل على الإصلاح المالي وإزالة المعوقات الناتجة من اختلالات السوق، وتخفيض كلفة أداء الأعمال، وتسهيل الإجراءات واستكمال الأطر التشريعية والتنظيمية والإجرائية، وتوفير الحوافز وتفعيل التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحسين المناخ الاستثماري الذي تتطلبه الشركات الصغيرة والمتوسطة لبناء قدراتها.

- تشجيع إقامة مؤسسات إسلامية عامة أو خاصة تعنى بضمان مخاطر التمويل بالصيغ الإسلامية لشركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني في كثير من الأحيان من صعوبات في الحصول على قروض من المصارف التجارية دون توفير كفالة شخصية.

- أخيراً يجب على الحكومات المساهمة في نمو وتطوير هذه الشركات من خلال الحوافز الضريبية، وهذا ما يحدث في العديد من الاقتصادات بالعالم، فعلى سبيل المثال قدمت حكومة كوريا واحدة من أكثر حوافز الدعم لهذه الشركات، وتعطي اليابان معاملة أكثر سخاءً للشركات الصغيرة والمتوسطة مقارنةً بالشركات الكبيرة، ولقد كانت لنا تجربة ناجحة بالسودان من خلال التواصل المستمر بالبنك المركزي نتج عنه إصدار منشور من البنك المركزي لتقليل قيمة المقابل للضمان العقاري لشركات المقاولات إلى 100% بدلاً من 135%، مع تخفيض الضمان النقدي إلى 5% بدلاً من 25%، وحققت هذه التجربة نجاحاً استفادت منه العديد من شركات المقاولات المتوسطة والصغيرة، وكانت هذه السياسة سبباً في تطورها ونجاحها، الأمر الذي يبين لنا أن عملية تمويل شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة هي أمر متاح لكن يحتاج إلى مجهود وتعاون من الحكومات مع اتحادات المقاولين بالدول العربية لإيجاد صيغ تمويلية مبتكرة تساعد في نمو وتطور هذه الشركات.

شارك هذا المقال :

هناك تعليق واحد:

  1. LOAN OFFER TO SERIOUS PEOPLE
    Do you need a quick loan?
    Have you been denied a bank loan?
    Do you need a loan during this pandemic?
    interest rate of 2% no matter your location
    Do you need a loan to solve your financial problems?
    If so, then you are in luck because my company lends for a short time and the interest rate is low. If you are interested, Kindly reply to us at (Whats App) number:+919394133968 patialalegitimate515@gmail.com Mr Jeffery.

    ردحذف

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger