الرئيسية » » أرض الحضارات.. تحقيق وتصوير: عباس عزت

أرض الحضارات.. تحقيق وتصوير: عباس عزت

Written By sudaconTube on الثلاثاء، يناير 06، 2015 | 8:18 م

أرض الحضارات.. الأخيرة 

تحقيق وتصوير: عباس عزت

كنت حدثتكم أمس عن واحة الغزالة السياحية، ومدى الإهمال الذي طالها من قبل الحكومات الوطنية، التي تعاقبت على حكم السودان بعد خروج المستعمر البريطاني، وفي طريق عودتنا من دير الغزالة الذي يبعد 11كلم من مروي, قاصدين جبل البركل بكريمة، توقفنا للاستراحة قليلا لتناول وجبة الفطور بأحدى الكافتريات، بالقرب من أرض فضاء، تحيط بها أسوار من الأسلاك، ظننتها للوهلة الأولى مدافن مدينة مروي، إلا أن مرافقي أبو زيد أحمد أخبرني أنها آثار مملكة نبتة القديمة.

أرض الملح..!!
هذه الآثار نهبت كنوزها ومقنياتها الأثرية من زمن بعيد، وقال: إن كلمة مروي كلمة نوبية وترجمتها (أرض الملح)، نسبة للملح الأحمر الذي كان يستخرج من أراضيها ويصدر إلى جميع أنحاء السودان منذ آلاف السنين وما زال حتى الآن، وفيها مقر الملكة (الكنداكة)، إحدى ملكات مملكة نبتة القديمة، وقد تم التعدي عليها من قبل الأهالي والحكومة بتوزيع أراضيها مخططات سكنية، وقد تبقى منها هذا الجزء القليل الذي تشاهده، وقد تم تسويره قبل أيام حفاظا على ما تبقى من آثار مدفونة تحت الأرض، وقال: إن المنطقة تحتاج إلى تنقيب وإعادة كتابة تأريخ ومعلومات ولوحات إرشادية، حتى يتمكن زائر المنطقة من الحصول على المعلومة، وهذا يدل على أن وزارة السياحة والثقافة لم تقم بواجبها تجاه هذه الأماكن التأريخية العظيمة التي تحتاج إلى توفير الكوادر المؤهلة لإدارة هذه المرافق، حتى نتمكن من الحصول على العائد المادي منها بقيام المهرجانات وتنظيم الرحلات السياحية لهذه الآثار التي تعد الأقدم في العالم، وذكر أن وزارة السياحة تفتقر للكوادرالمؤهلة التي تستطيع أن تمد الزائر بالمعلومات.

أين السياحة.. أين المرافق؟!!
وقال لي مرافقي أبو زيد: إن المنطقة تفتقر إلى عوامل الجذب بالنسبة للسياح الذين لا يستطيعون المكوث في المنطقة أكثر من ساعات؛ لعدم توفر المرافق الخدمية اللازمة، وقال: إن هذه الآثار إذا لم تجد الاهتمام من الدولة، فسوف تندثر وتفقد قيمتها التأريخية، ويجب على الدولة أن تخفف من قيود الاستثمار في مجال السياحة، وعليها تشجيع المستثمرين بتقديم الحوافز، وتوفير البنية التحتية.. نحن نملك هذا التأريخ، والإرث الضخم، ولكن لا نستفيد منه شيئاً، نخشى أن يطويه النسيان، كما طوى حضارات وحضارات..

جبل البركل!!
عبرنا الكبرى الجديد والوحيد في المنطقة باتجاه الشرق قاصدين جبل البركل في مدينة كريمة التي يفصل بينها ومروي نهر النيل، وعند عبورك نهر النيل فإن أول ما يلفت نظرك تلك الكتلة الصخرية الضخمة السوداء التي تتوسط الصحراء وتجد نفسك أمام طبيعة ساحرة لكنها مهملة، فقد عاش الإنسان في هذا المكان قبل أن يدون التأريخ- كما يقول مؤرخون وعلماء الآثار- إنه جبل البركل أو الباركول (وهي كلمة نوبية، تعني الجبل المقدس)، الموقع الأثري المهم الذي دخل أخيراً ضمن التراث العالمي الواجب حمايته دولياً..

ويعد جبل البركل واحداً من أشهر المواقع الأثرية التي يعود تأريخها إلى فترات مملكة نبتة القديمة، ويعتقد علماء الآثار أنه كان العاصمة الدينية للمملكة؛ إذ يشتمل على معابد متعددة وأهرامات تحاصرها الرمال من كل جانب، كما يوجد معبد الإله (آمون) بجزئه المنحوت في باطن الجبل، وعلى امتداد تأريخ كوش، كان البركل هو المركز الرئيس للتتويج الملكي والطقوس الملوكية، لقرون حضر كل ملك جديد لكوش إلى جبل البركل لتتويجه عن طريق الإله الذي يسكن داخل الجبل، ومن هذا المكان حكم الملوك السودانيون الأوائل (بعانخي، شباكا، شبتكو، طراهاقا) السودان ومصر، ومدوا نفوذهم لفترة وجيزة حتى حدود فلسطين.. ويقول مرافقي أبو زيد: إن الحقيقة التي تجهلها الشعوب وربما شعب وادي النيل- نفسه- هو أن ملوك النوبة في شمال السودان حكموا المصريين عدة قرون، وأن الحضارة النوبية هي أول حضارة قامت على وجه الأرض، وأعرق حضارة شهدها التأريخ..

ولكنها تواجه مشاكل عديدة لا حصر لها نتيجة الإهمال والسرقة التي طالتها في ظل غياب الأجهزة الرقابية، رغم ما تحويه من آثار نادرة منذ عصر الدولة الكوشية، ولا بد للحكومة أن تضع في أولويات أعمالها الحفاظ على آثارنا التي تم تهريب الكثير منها خارج البلاد بعد نهبها، ثم أضاف قائلا: إن المنطقة تحتاج إلى جيل جديد يعرف كيف يحافظ على الآثار وحمايتها وإدارتها.. وقال: إن الحكومات المتعاقبة لم تجمع حب الناس لهذه الحضارة، وأن الانتماء الضيق للقبيلة فرق قلوب الناس وصرفهم عن الانتماء التأريخي لها، وكل نظرة الناس أن هذه الآثار عبارة عن ذهب وكنوز، يجب نهبها، ونسوا القيمة التأريخية لها، وقال أبو زيد: إن على كلية الآثار في كريمة إقامة منتديات ثقافية تختص بالآثار، وإصدار مجلات، وصحف؛ لنشر الثقافة، وتعريف الناس بأهمية الآثار؛ لأن بعض الناس ما زالوا يعتقدون أن هذه الآثار ملك للإنجليز، وبالتالي هي غنائم لمن يعثر عليها.

(جبانة الكُرو)!!
وبعد أن وقفنا على حجم الإهمال، الذي طال جبل البركل، تحركنا إلى جبانة الكُرو (بضم الكاف)، والتي تبعد مسافة 15 كلم من جبل البركل، وموقع الكرو هو عبارة عن مدافن للملوك الذين حكموا مصر والسودان، وهو ما يعرف بالأسرة الـ 25، وهم سلسلة من الملوك، منهم بعانخي، وترهاقا، ودفنوا في مقابر محفورة في الصخر تحت الأرض، ويتم الدخول إليها بسلالم تصل 36 درجاً- وعادةً- الملك في حياته- كما أخبرنا حارس المقبرة الذي وجدته مشغولاً بالشرح لفوج سياحي أجنبي- يحفر السلم، ومقبرة عبارة عن غرفة، أو غرفتين، ويزينها بالرسومات الدينية، والمناظر، والكتابات الهيروغلوفية، وبعد وفاة الملك يقوم ولي العهد، بقفل باب الغرف الجنائزية، ودفن السلم، وتكون المقبرة غير مرئية للناس، خوفاً من سرقتها، وبعد ذلك يقوم ولي العهد بتشييد هرم أو مسطبة أمامها غرفة للتعبد، وتقديم القرابين، وقال متفائلا: الحال أفضل من الأول بكثير، والعرب والأجانب بدأوا يفدون على الكرو والأماكن الأثرية، داعياً الله أن يهدئ الحال في البلد حتى تستقر السياحة، وشكر بعثة المشروع القطري السوداني لتنمية آثار النوبة، التي تعمل في تأهيل المواقع الأثرية في المنطقة..


وختاماً أملنا كبير في وزارة السياحة والثقافة والآثار أن تقوم بدورها في تطوير هذه الآثار، بحيث نرى في القريب العاجل، لوحات تقول (منطقة آثار ترحب بزائريها الكرام)، أو (تعرف على أثار بلدك).
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger