صحيفة اليوم التالي
تحقيق زواهر الصديق
المنطقة بدت كأنها هربت من جحيم التاريخ القديم لتُحبس في كبسولة المكان وزنزانة الزمان.. لتنفصل عن العاصمة بأبراجها والزمان بكل تطوره الرقي وكل علامات التقدم في الألفية الثالثة، والإنسان وصلت عذاباته النفسية وبسبب المعاناة درجة الحضيض منسحقا تحت كومة من الظروفة المعيشية والبيئية والصحية، المكان ليس في دارفور التي تصطلي بنار الحرب ولا في أقصي الشمال القاحل ولا في الشرق الذي يعاني أوجاعه الخاصة ولافي الجنوب المبتور.
منطقة العشرة أم درمان على مرمى حجر من العاصمة الخرطوم، وصيحة مناد تجلب إليك شخصا من قلب صرح جامعة أم درمان الإسلامية التعليمي، ما يحيق بالمنطقة من كوارث بيئية إنسانية يرمي بك في عمق الحيرة، منطقة العشرة أم درمان هي منطقة المتناقضات هي تتبع لمعتمدية أم درمان عاصمة الثقافة ولا تعرف ما هي الثقافة، يحتضنها النيل ويكاد ساكنوها ينفقون عطشا، حيث يبلغ سعر برميل الماء (20) جنيها لأسر كلها تعاني رقة الحال، يرزح أطفالها تحت نير الأمية وليس لديهم حلم بالجامعة وهم قرب أسوارها وقد تبرع آباؤهم بأراضيهم للجامعة، الحديث ليس عن أسرة واحدة بل آلاف الأسر التي تتعثر في أوضاع صحية متردية ومستنقعات الصرف الصحي، المطرودة من الجامعة الإسلامية؛ الجامعة بدل أن تكون منارة لرقي المنطقة، تدلق عليهم فيضانات الصرف الصحي، ليجري ماء قذر يسبح فيه الأطفال الأبرياء ويستنشق الأهالي هواء ملوثا، المنطقة بدل أن يكون فيها مستشفى تعليمي، يوجد بها مركز صحي أقل ما يوصف به أنه وصل حد البؤس، الأمر ببساطة لوحة تراجيدية بائسة تكاملت فيها عوامل الإهمال من قبل الدولة؛ غياب كامل للسلطات الأمنية والشرطية وآخر توقيع شهدته (اليوم التالي) بعد جولة استمرت خمس ساعات طافت خلالها مع المواطنات، حيث أشارت السيدات السودانيات المحترمات جدا، إلى ناحية شجرة في وسط الحي تجمع تحتها مجموعة من الشباب أتبعونا بنظرات ثاقبة وهم خففوا ملابسهم، همسن لي: هؤلاء الإخوان والندماء يشربون الشيشة والماريجوانا، في وضح النها ر وأذان الظهر يعانق السماء، وكشفن لي ممارسات غير أخلاقية ومنافية للآداب يقوم بها متوافدون للمنطقة ويروجون الحشيش والبنقو المنطقة أصبحت مستودعا لكل قاذورات المجتمع البيئية والأخلاقية، مع غياب تام للدولة، يدفع ثمنها المواطن الطيب والأطفال الأبرياء (اليوم التالى) في سياق هذا التحقيق الاستقصائي تقف على هذه الكارثة البيئية والإنسانية.
مدخل
تناهت لمسمعي أوضاع بائسة يعيشها مواطنون في منطقة بالخرطوم، والمفارقة العجيبة دفعتني لاقتحام المكان المجهول الذي يئن تحت الإهمال، فضلت الذهاب عن طريق المواصلات العامة حتى أعايش المعاناة خطوة بخطوة، مواصلات الشقلة من موقف كركر، المسافة للشقلة لا تتعدى عشرين دقيقة، وبالقرب من الجامعة، كانت تقف (هايسات) معطوبة، احترت كثيرا كيف توصلني إلى مكاني والذي يبدو أنه بعيد جدا من مظهر الركاب الذين يحملون برسيم وغذاء البهائم وهيئتهم البعيدة عن كل ما ينتمي حتى لرفاهية مواطني أطراف العاصمة، مضت العربة المتهالكة بنا وكان وتقاضى سائقها جنيها وخمسين قرشا ثمن التذكرة.. وشقت طريقها عبر الجامعة، بدت الرائحة المتعفنة المنتشرة تتسلل لأنفي الأمر الذي استجابت له بالرشح المتواصل، لتصطدم الرؤية بالمناظر المقززة من نفايات وخور المياه الصحي الذي فاض وتدفق واستقر حتى اخضر لونه نبتت به نباتات المستنقعات.
خمس دقائق فقط كانت كافية لأسافر عبر الزمن، مائة عام للوراء حيث ترقد العشرة في بؤسها، وفي جوار دكان كمال كما وصف لي، قابلت سيدة رحبت بمقدمي واختارت إحدى المنازل لتبث هي وساكنات الحي شكواهن عبر (اليوم التالي)، قلن لي إن مياه الصرف الصحي التي تنحدر من الجامعة، أشبه بالفيضانات وهي تتلوى بين منازل الحي. قلن لي إن رائحة العفن في لحظة واحدة دعتنا لنغادر مطابخنا (ونقفل حلل ملاحنا) ونذهب للجامعة نبحث عن حل مطالبات يإيقاف هذا العبث، ووجهن نقدا لاذعا للجامعة وانتقدن بشدة سلوك إدارة الجامعة إزاءهن قلن إنها طالبت بالشرطة بإخراجهن من الجامعة، قلن: "نحن لم نكسر ولم نهتف فقط طالبنا بحسن الجوار من جامعة تحمل اسم الجامعة الإسلامية ومكان علم"، أجمعن إنه في إحدى أمسيات هدير الصرف الصحي، قام بعض الأطفال الأبرياء بالسباحة في الخور.
(اليوم التالي) وقفت على خور الجامعة وخط سيره، حيث ينشر في طريقه ويرمي بكل ملوثاته ويقذف بها في هدوء الناس وسلامهم، حيث ينتشر الزكام والنزلات والحساسيات الجلدية والربو والالتهابات المعوية والإسهالات والحشرات ليلا تؤرق مضجعهم، ورائحة العفن تضيق عليهم المكان.. الأمر الذي يرغمهم على النوم داخل الغرف الساخنة، وأصبحت المنطقة في شكل مستنقعات بها العديد من مسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات التي تنقل الأمراض ما بين الإنسان والحيوان خاصة وأن المنطقة محاطة بحظائر الأبقار ومزارع الدواجن وكذلك تحتوي على مواد عضوية وتسبب الروائح الكريهة وتساعد على نمو وانتشار مسببات الأمراض ومياه الصرف الصحي ممزوجة بمواد تساعد على نمو الطحالب المعروف أنها تؤدي إلى انخفاض حاد في معدل الأكسجين.. ونمو هذه الطحالب يؤدي إلى تلف الكبد والتهاب الأمعاء وتهيج الجلد..
متى نشرب ماء النيل؟
لاحظت (اليوم التالي) تجوال عربات الكارو داخل الأحياء السكنية، وتساءلت عن الأمر فعلمنا أن المنطقة التي حفها النيل واحتواها، السلطات منعت عنها ماءه تذرعا واحتماء بإجراءات تعسفية، وقالت إحدى المواطنات: "نريد نصيبنا من مياه النيل متى نشرب من مياه النهر الذي نجاوره لأكثر من مائة عام؟"، قلن إن سعر برميل المياه وصل 20 جنيها، وأنهن يستخدمن برميلا يوميا وهو غير كاف لحاجتهن اليومية من الماء، كما تخوف المواطنون من الماء المنقول من الآبار وبأدوات تحمل ملوثات الأمراض، وقالوا: تقدمنا بطلب لمعتمد أم درمان لمساعدتنا بعد أن نقصت مصروفات إدخال المياه وتبقت لنا 22 ألفا فرفض المعتمد مقابلتنا ولم يستجب لطلبنا ولم يرجع لنا أوراقنا.
حلقة أخرى للمعاناة
في كل مرة ظللت أتنقل في للعشرة في سلسلة المعاناة التي تسلمني لحلقة أضيق من البؤس حيث ذكرت لي مرافقاتي أنه توجد فقط في المنطقة مدرستان أسأس إحداهما للبنات والأخرى للبنين، سعة الفصل تصل ما بين 80 و90 طالبا وطالبة وإن الاصطاف غير مؤهل والمدرسة تفرض الرسوم على الطلاب وفي حالة عدم السداد يطرد الطالب من المدرسة وإذا عاد يتعرض للجلد والضرب الأمر الذي جعل أبناءهم يتسربون من قاعات الدرس واشتكوا من الأمية وقالوا: تستشري في المنطقة حتى وسط الأطفال..
(اليوم التالي) وقفت بصحبة المواطنات على مدرسة العشرة التي تحمل اسم مدرسة (الرسالة المحمدية) وليست لها علاقة بالرسالة المحلية، المدرسة كانت مغلقة وإحدى الطالبات قامت بعملية بسيطة حتى تم فتح المدرسة وبدا لنا أن دخولها متاح لكل من هب ودب وبصحبة المواطنات دلفنا داخل المدرسة ووقفنا على بئر بداخل المدرسة قلن إن طالبة سقطت بداخلها قبل أن يتم إنقاذها وأضافت طالبة من ذات المدرسة صحبتنا: (طوالي البنات بقعو هنا). بالإضافة للحمامات الآيلة للسقوط، والتي تمثل خطرا ماثلا يتصيد التلميذات.. المدرسة فاتحة على مصراعيها وقال الأهالي إنه تتم فيها ممارسات غير جميلة من قبل بعض المنحرفين وتروج داخلها المخدرات.. المدرسة عبارة عن منطقة مهجورة حيث لا توجد أي حراسة عليها في الفترات المسائية..
تأجير الروضة الحكومية
الروضة الوحيدة الموجودة في القرية كانت حكومية وتم تأجيرها لمعلمة، وتحولت غلى روضة خاصة، ولا توجد في المنطقة مدرسة ثانوية الأمر الذي بسببه يذهب الطلاب لمدرسة بعيدة مما يزيد من نسبة الأمية.. وأضافت المواطنات بأن الأوضاع المعيشية للمواطنين لا تسمح بالتعليم الخاص وأصبحت الأسر ترسل طفل أو طفلين للمدارس بينما يبقي الآخرون بالمنازل، وقلن: بسبب اكتظاظ الفصول، يتم قبول الطلاب بعد سن 8 سنوات..
مركز صحي مجازا.. ومهدد بيئي حقيقي
الأزمات داخل العشر لم تنته، بل تتمدد مع تمدد تجوالي داخل المنطقة، كان يجب علينا المرور بالمركز الصحي الذي وضع حجر أساسه في زمن الإنجليز، بدا عبارة عن منزل مهجور وهو في حد ذاته مهدد بيئي وصحي، حفر أساس التشييد ظلت أنفاقا مفتوحة تتصيد المارة وأثناء تجوالنا سقطت داخلها امرأة أرادت أن تعبر النفق ولكنها تعثرت بثيابها وسقطت أرضا، المركز الصحي أرضيته عبارة عن تراب وسقفة أعواد حصير وأبوابه مخلعة وميزان الضغط الوحيد انقطع والكراسي مهترئة تماما والأوساخ والنفايات منتشرة في كل مكان، تلك المظاهر وثقتها (اليوم التالي) بالصور أحد الخيرين تبرع بالطوب والأسمنت إلا إن عمليات التشييد توفقت تماما..
تلوث وروث
الحظائر التابعة للجامعة يفصلها عن منازل المواطنين بضعة أمتار، مما أدى لإصابة المواطنين بالحمي المالطية، الأبقار شكلها ضئيلة والحليب يتم في ذات المكان الملوث والشخص الذي يقوم بعملية الحلب يبدو أنه ليس له أدني علاقة بالصحة الشخصية، طويل الأظافر، رث الملابس والأطفال أو الأسرة التي تقطن في ذات الحظيرة تعاني من الأمراض.. الأم وأطفالها ومرآهم لا يشي بأنهم يوما تناولوا حليبا صحيا، وذلك فضلا عن حظائر البهائم والحيوانات التي تنتشر وسط الحي في مخالفة صارخة لقوانين السكن الحضري وتشكل مخالفة بيئية كبيرة وتترك روثها ومخلفاتها وتوجد حظائر الإبل تحت الإنشاء في منتصف الحي وملاصقة للمباني..
تلوث أخلاقي وبيئي
عند النظر للمنطقة التي يحفها النيل ترى مساحات شاسعة استغلها مروجو المخدرات والبنقو، وفي المساحة القريبة جدا من النيل شاهدت (اليوم التالي) عمليات التفريغ تتم جهارا نهار، وقال الأهالي إنها هددت زراعتهم التي يقومون بها في جروف النيل..
باختصار المنطقة كلها آيلة للدمار الشامل ولاحظت (اليوم التالي) غياب مراكز بسط الأمن الشامل ولاحظت عدم وجود شرطي وشكا المواطنون من عمليات السرقات النهارية وكثيرا ما تشتبك المواطنات مع اللصوص وقالت إحداهن إنها اشتبكت مع أحد اللصوص وضربته، بـ(بالنعال) وشكت من عمليات اغتصاب تستهدف الأطفال الذكور.
حافلة المواصلات "بقت نار"
المنطقة (لا يوجد بها شيء عدل).. فقد شكا أهالي المنطقة من العربات المتهالكة التي تقلهم من المنطقة إلى محطة المواصلات وقالوا إنها غير مرخصة وكثيرا ما تتصاعد منها الأدخنة قالت إحدى السيدات إن عربة (بقّت نار) وسائقها لا يعرف إطفاءها فدلق عليها الماء مما زاد اشتعالها، والمسافة القصيرة تبلغ نعريفتها 150 قرشا ولا توجد تعريفة موحدة كل يعمل حسب هواه، وبعد الساعة العاشرة تتوقف الحركة تماما داخل العشرة وتنقطع المواصلات وإذا اضطرك ظروفك للمجيء بعد هذا الوقت فعليك أن تتدبر خروجك مبكرا..
استوعدتهم الله وقلت لهم: دلوني على مكان الخروج..
منطقة العشرة أم درمان على مرمى حجر من العاصمة الخرطوم، وصيحة مناد تجلب إليك شخصا من قلب صرح جامعة أم درمان الإسلامية التعليمي، ما يحيق بالمنطقة من كوارث بيئية إنسانية يرمي بك في عمق الحيرة، منطقة العشرة أم درمان هي منطقة المتناقضات هي تتبع لمعتمدية أم درمان عاصمة الثقافة ولا تعرف ما هي الثقافة، يحتضنها النيل ويكاد ساكنوها ينفقون عطشا، حيث يبلغ سعر برميل الماء (20) جنيها لأسر كلها تعاني رقة الحال، يرزح أطفالها تحت نير الأمية وليس لديهم حلم بالجامعة وهم قرب أسوارها وقد تبرع آباؤهم بأراضيهم للجامعة، الحديث ليس عن أسرة واحدة بل آلاف الأسر التي تتعثر في أوضاع صحية متردية ومستنقعات الصرف الصحي، المطرودة من الجامعة الإسلامية؛ الجامعة بدل أن تكون منارة لرقي المنطقة، تدلق عليهم فيضانات الصرف الصحي، ليجري ماء قذر يسبح فيه الأطفال الأبرياء ويستنشق الأهالي هواء ملوثا، المنطقة بدل أن يكون فيها مستشفى تعليمي، يوجد بها مركز صحي أقل ما يوصف به أنه وصل حد البؤس، الأمر ببساطة لوحة تراجيدية بائسة تكاملت فيها عوامل الإهمال من قبل الدولة؛ غياب كامل للسلطات الأمنية والشرطية وآخر توقيع شهدته (اليوم التالي) بعد جولة استمرت خمس ساعات طافت خلالها مع المواطنات، حيث أشارت السيدات السودانيات المحترمات جدا، إلى ناحية شجرة في وسط الحي تجمع تحتها مجموعة من الشباب أتبعونا بنظرات ثاقبة وهم خففوا ملابسهم، همسن لي: هؤلاء الإخوان والندماء يشربون الشيشة والماريجوانا، في وضح النها ر وأذان الظهر يعانق السماء، وكشفن لي ممارسات غير أخلاقية ومنافية للآداب يقوم بها متوافدون للمنطقة ويروجون الحشيش والبنقو المنطقة أصبحت مستودعا لكل قاذورات المجتمع البيئية والأخلاقية، مع غياب تام للدولة، يدفع ثمنها المواطن الطيب والأطفال الأبرياء (اليوم التالى) في سياق هذا التحقيق الاستقصائي تقف على هذه الكارثة البيئية والإنسانية.
مدخل
تناهت لمسمعي أوضاع بائسة يعيشها مواطنون في منطقة بالخرطوم، والمفارقة العجيبة دفعتني لاقتحام المكان المجهول الذي يئن تحت الإهمال، فضلت الذهاب عن طريق المواصلات العامة حتى أعايش المعاناة خطوة بخطوة، مواصلات الشقلة من موقف كركر، المسافة للشقلة لا تتعدى عشرين دقيقة، وبالقرب من الجامعة، كانت تقف (هايسات) معطوبة، احترت كثيرا كيف توصلني إلى مكاني والذي يبدو أنه بعيد جدا من مظهر الركاب الذين يحملون برسيم وغذاء البهائم وهيئتهم البعيدة عن كل ما ينتمي حتى لرفاهية مواطني أطراف العاصمة، مضت العربة المتهالكة بنا وكان وتقاضى سائقها جنيها وخمسين قرشا ثمن التذكرة.. وشقت طريقها عبر الجامعة، بدت الرائحة المتعفنة المنتشرة تتسلل لأنفي الأمر الذي استجابت له بالرشح المتواصل، لتصطدم الرؤية بالمناظر المقززة من نفايات وخور المياه الصحي الذي فاض وتدفق واستقر حتى اخضر لونه نبتت به نباتات المستنقعات.
خمس دقائق فقط كانت كافية لأسافر عبر الزمن، مائة عام للوراء حيث ترقد العشرة في بؤسها، وفي جوار دكان كمال كما وصف لي، قابلت سيدة رحبت بمقدمي واختارت إحدى المنازل لتبث هي وساكنات الحي شكواهن عبر (اليوم التالي)، قلن لي إن مياه الصرف الصحي التي تنحدر من الجامعة، أشبه بالفيضانات وهي تتلوى بين منازل الحي. قلن لي إن رائحة العفن في لحظة واحدة دعتنا لنغادر مطابخنا (ونقفل حلل ملاحنا) ونذهب للجامعة نبحث عن حل مطالبات يإيقاف هذا العبث، ووجهن نقدا لاذعا للجامعة وانتقدن بشدة سلوك إدارة الجامعة إزاءهن قلن إنها طالبت بالشرطة بإخراجهن من الجامعة، قلن: "نحن لم نكسر ولم نهتف فقط طالبنا بحسن الجوار من جامعة تحمل اسم الجامعة الإسلامية ومكان علم"، أجمعن إنه في إحدى أمسيات هدير الصرف الصحي، قام بعض الأطفال الأبرياء بالسباحة في الخور.
(اليوم التالي) وقفت على خور الجامعة وخط سيره، حيث ينشر في طريقه ويرمي بكل ملوثاته ويقذف بها في هدوء الناس وسلامهم، حيث ينتشر الزكام والنزلات والحساسيات الجلدية والربو والالتهابات المعوية والإسهالات والحشرات ليلا تؤرق مضجعهم، ورائحة العفن تضيق عليهم المكان.. الأمر الذي يرغمهم على النوم داخل الغرف الساخنة، وأصبحت المنطقة في شكل مستنقعات بها العديد من مسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات التي تنقل الأمراض ما بين الإنسان والحيوان خاصة وأن المنطقة محاطة بحظائر الأبقار ومزارع الدواجن وكذلك تحتوي على مواد عضوية وتسبب الروائح الكريهة وتساعد على نمو وانتشار مسببات الأمراض ومياه الصرف الصحي ممزوجة بمواد تساعد على نمو الطحالب المعروف أنها تؤدي إلى انخفاض حاد في معدل الأكسجين.. ونمو هذه الطحالب يؤدي إلى تلف الكبد والتهاب الأمعاء وتهيج الجلد..
متى نشرب ماء النيل؟
لاحظت (اليوم التالي) تجوال عربات الكارو داخل الأحياء السكنية، وتساءلت عن الأمر فعلمنا أن المنطقة التي حفها النيل واحتواها، السلطات منعت عنها ماءه تذرعا واحتماء بإجراءات تعسفية، وقالت إحدى المواطنات: "نريد نصيبنا من مياه النيل متى نشرب من مياه النهر الذي نجاوره لأكثر من مائة عام؟"، قلن إن سعر برميل المياه وصل 20 جنيها، وأنهن يستخدمن برميلا يوميا وهو غير كاف لحاجتهن اليومية من الماء، كما تخوف المواطنون من الماء المنقول من الآبار وبأدوات تحمل ملوثات الأمراض، وقالوا: تقدمنا بطلب لمعتمد أم درمان لمساعدتنا بعد أن نقصت مصروفات إدخال المياه وتبقت لنا 22 ألفا فرفض المعتمد مقابلتنا ولم يستجب لطلبنا ولم يرجع لنا أوراقنا.
حلقة أخرى للمعاناة
في كل مرة ظللت أتنقل في للعشرة في سلسلة المعاناة التي تسلمني لحلقة أضيق من البؤس حيث ذكرت لي مرافقاتي أنه توجد فقط في المنطقة مدرستان أسأس إحداهما للبنات والأخرى للبنين، سعة الفصل تصل ما بين 80 و90 طالبا وطالبة وإن الاصطاف غير مؤهل والمدرسة تفرض الرسوم على الطلاب وفي حالة عدم السداد يطرد الطالب من المدرسة وإذا عاد يتعرض للجلد والضرب الأمر الذي جعل أبناءهم يتسربون من قاعات الدرس واشتكوا من الأمية وقالوا: تستشري في المنطقة حتى وسط الأطفال..
(اليوم التالي) وقفت بصحبة المواطنات على مدرسة العشرة التي تحمل اسم مدرسة (الرسالة المحمدية) وليست لها علاقة بالرسالة المحلية، المدرسة كانت مغلقة وإحدى الطالبات قامت بعملية بسيطة حتى تم فتح المدرسة وبدا لنا أن دخولها متاح لكل من هب ودب وبصحبة المواطنات دلفنا داخل المدرسة ووقفنا على بئر بداخل المدرسة قلن إن طالبة سقطت بداخلها قبل أن يتم إنقاذها وأضافت طالبة من ذات المدرسة صحبتنا: (طوالي البنات بقعو هنا). بالإضافة للحمامات الآيلة للسقوط، والتي تمثل خطرا ماثلا يتصيد التلميذات.. المدرسة فاتحة على مصراعيها وقال الأهالي إنه تتم فيها ممارسات غير جميلة من قبل بعض المنحرفين وتروج داخلها المخدرات.. المدرسة عبارة عن منطقة مهجورة حيث لا توجد أي حراسة عليها في الفترات المسائية..
تأجير الروضة الحكومية
الروضة الوحيدة الموجودة في القرية كانت حكومية وتم تأجيرها لمعلمة، وتحولت غلى روضة خاصة، ولا توجد في المنطقة مدرسة ثانوية الأمر الذي بسببه يذهب الطلاب لمدرسة بعيدة مما يزيد من نسبة الأمية.. وأضافت المواطنات بأن الأوضاع المعيشية للمواطنين لا تسمح بالتعليم الخاص وأصبحت الأسر ترسل طفل أو طفلين للمدارس بينما يبقي الآخرون بالمنازل، وقلن: بسبب اكتظاظ الفصول، يتم قبول الطلاب بعد سن 8 سنوات..
مركز صحي مجازا.. ومهدد بيئي حقيقي
الأزمات داخل العشر لم تنته، بل تتمدد مع تمدد تجوالي داخل المنطقة، كان يجب علينا المرور بالمركز الصحي الذي وضع حجر أساسه في زمن الإنجليز، بدا عبارة عن منزل مهجور وهو في حد ذاته مهدد بيئي وصحي، حفر أساس التشييد ظلت أنفاقا مفتوحة تتصيد المارة وأثناء تجوالنا سقطت داخلها امرأة أرادت أن تعبر النفق ولكنها تعثرت بثيابها وسقطت أرضا، المركز الصحي أرضيته عبارة عن تراب وسقفة أعواد حصير وأبوابه مخلعة وميزان الضغط الوحيد انقطع والكراسي مهترئة تماما والأوساخ والنفايات منتشرة في كل مكان، تلك المظاهر وثقتها (اليوم التالي) بالصور أحد الخيرين تبرع بالطوب والأسمنت إلا إن عمليات التشييد توفقت تماما..
تلوث وروث
الحظائر التابعة للجامعة يفصلها عن منازل المواطنين بضعة أمتار، مما أدى لإصابة المواطنين بالحمي المالطية، الأبقار شكلها ضئيلة والحليب يتم في ذات المكان الملوث والشخص الذي يقوم بعملية الحلب يبدو أنه ليس له أدني علاقة بالصحة الشخصية، طويل الأظافر، رث الملابس والأطفال أو الأسرة التي تقطن في ذات الحظيرة تعاني من الأمراض.. الأم وأطفالها ومرآهم لا يشي بأنهم يوما تناولوا حليبا صحيا، وذلك فضلا عن حظائر البهائم والحيوانات التي تنتشر وسط الحي في مخالفة صارخة لقوانين السكن الحضري وتشكل مخالفة بيئية كبيرة وتترك روثها ومخلفاتها وتوجد حظائر الإبل تحت الإنشاء في منتصف الحي وملاصقة للمباني..
تلوث أخلاقي وبيئي
عند النظر للمنطقة التي يحفها النيل ترى مساحات شاسعة استغلها مروجو المخدرات والبنقو، وفي المساحة القريبة جدا من النيل شاهدت (اليوم التالي) عمليات التفريغ تتم جهارا نهار، وقال الأهالي إنها هددت زراعتهم التي يقومون بها في جروف النيل..
باختصار المنطقة كلها آيلة للدمار الشامل ولاحظت (اليوم التالي) غياب مراكز بسط الأمن الشامل ولاحظت عدم وجود شرطي وشكا المواطنون من عمليات السرقات النهارية وكثيرا ما تشتبك المواطنات مع اللصوص وقالت إحداهن إنها اشتبكت مع أحد اللصوص وضربته، بـ(بالنعال) وشكت من عمليات اغتصاب تستهدف الأطفال الذكور.
حافلة المواصلات "بقت نار"
المنطقة (لا يوجد بها شيء عدل).. فقد شكا أهالي المنطقة من العربات المتهالكة التي تقلهم من المنطقة إلى محطة المواصلات وقالوا إنها غير مرخصة وكثيرا ما تتصاعد منها الأدخنة قالت إحدى السيدات إن عربة (بقّت نار) وسائقها لا يعرف إطفاءها فدلق عليها الماء مما زاد اشتعالها، والمسافة القصيرة تبلغ نعريفتها 150 قرشا ولا توجد تعريفة موحدة كل يعمل حسب هواه، وبعد الساعة العاشرة تتوقف الحركة تماما داخل العشرة وتنقطع المواصلات وإذا اضطرك ظروفك للمجيء بعد هذا الوقت فعليك أن تتدبر خروجك مبكرا..
استوعدتهم الله وقلت لهم: دلوني على مكان الخروج..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق