شهدت منطقة البرقيق بالولاية الشمالية انهيار أكثر من (1000) منزل، منها (427) منزلاً انهياراً كلياً، و(700) منزل انهيارا جزئياً، بجانب ما تبقى من منازل أصبحت جميعها غير صالحة للسكن إضافة للخسائر فى الممتلكات .. ولم يكن الانهيار بعامل السيول والأمطار أو جراء فيضان النيل ولاعلاقة له بذلك،
وما شهدته منطقة البرقيق يختلف عما شهدته بقية مناطق السودان خلال خريف هذا العام، فالسبب هو (ظاهرة الطفح المائي) بمشروع البرقيق الزراعي بالولاية الشمالية، وتهدد الظاهرة المئات من المنازل الأخرى.. وشكا المواطنون من تفاقم الظاهرة التي تسببت في إتلاف محصولاتهم ونفوق عدد كبير من الماشية.. حاولنا في ( الرأي العام) استقصاء الحقائق حول هذه الظاهرة وفرص الحل ..معاً نقف على الحقائق...
منطقة البرقيق
تقع البرقيق بالولاية الشمالية شمال مدينة دنقلا، وجنوب كرمة البلد، وكرمة النزل، والدفوفة الأثرية،وشمال أرقو، وشرق آرتقاشة، إنشيء مشروعها الزراعي في عام 1943م بواسطة المستعمر الإنجليزي لزراعة القمح، وتطور المشروع تطوراً ملحوظاً وزادت مساحة أراضيها الزراعية الخصبة، وأصبح من كبريات المشروعات الزراعية بالشمالية بطول (15) كلم وعرض يزيد على (2.5) كلم يمتد من آرتقاشة وكرمة البلد والنزل وبدين وكبرنارتي والدفوفة ووادي خليل وأبو فاطمة حتى مشارف فريق المحس، ويتكون المشروع من أربعة قطاعات أي حارات بعدد يزيد عن (700) حواشة فى مساحة أكثر من (10) آلاف فدان، ومن اهم المحاصيل القمح والفول المصري والخضروات والفواكة والتمور، وظلت المنطقة آمنة الى ان قام مشروع الدفوفة فى مساحة (24) الف فدان، ومرت عليه حتى الآن ثلاث سنوات، وبعد ان كان نظام الري على السحب من الآبار الجوفية، وبعد تحويل الرى من (المترات) الى ترعة نيلية اصبحت المنطقة تعانى تدريجيا من تشبع التربة بالمياه، واخذ الطفح المائى يظهر تدريجيا حتى احدث أضراراً بالغة تهدد وجود الاهالى بهذه المنطقة حيث لم تصبح الارض صالحة للسكن ولا الزراعة بصورتها الحالية ان لم تجد المعالجات المطلوبة بعد ان يتم الغور والبحث فى اصل المشكلة ويكون الحل وفقاً للطرق العلمية حتى يكون حلاً جذرياً.
الطفح المدمر
ويؤكد هشام محمد صالح من مزارعي منطقة البرقيق ان الطفح المائي (النز) تسبب فى موت أشجار النخيل والموالح، ومعظم اشجار (النيم)، ودمر معظم المنازل، واضاف هشام فى حديثه لـ(الرأي العام) ان بداية الكارثة كانت قبل عام، وكانت فى شكل (نز) وطبقة ملح تظهر على الجدران وسطح الارض، واخيرا طفحت مياه مالحة تسببت فى سقوط المنازل وموت الأشجار (النخيل والموالح والنيم)، ولم تؤثر على الزراعة المحصولية، مبيناً ان المزارعين يحاربون الظاهرة فى مزارعهم بالرى المتواصل، واكد ان مياه الرى على السطح تطرد ما يسمى بـ(النز) الى باطن الارض، كما ان الاشجار التى توقف عنها الرى ماتت تماما نسبة لارتفاع حرارة المياه وارتفاع نسبة الملوحة، واضاف: هنالك خسائر فى الزراعة، اضافة الى أن المياه متجمعة في شكل ترع وسط الخيام التي يسكنها الأهالي بعد ان وزعتها المحلية للذين فقدوا منازلهم، وينتشر البعوض والذباب حول الترع، ولكن بحمد لله لم تظهر امراض بين المواطنين (بلطف لله) رغم وجودهم بالمنطقة التى ترتفع فيها درجة الرطوبة، ولكن الجميع فى انتظار تحديد أراضى سكنية من قبل السلطات وتخطيطها وتوزيعها على المواطنين، واضاف: تم تحديد منطقة سكنية فى اتجاه الشرق بالقرب من الموقع المنكوب، وعلى الرغم من انها مرتفعة طالها الطفح المائي مما يشير الى عدم صلاحيتها للسكن.
اجتهادات أهلية
وفى نفس السياق وصف د.عبد الفتاح عبد لله وزير الزراعة السابق بالولاية الشمالية وأحد ابناء المنطقة قضية الطفح المائي بالكبيرة جدا، وقال عبدالفتاح في حديثه لـ(الرأي العام) نحن بدورنا كأبناء منطقة وكمزارعين لم نقم بالجهد الذى يتناسب مع حجم المشكلة، ولم نحرك ساكنا، واعتمدنا فى تحليل الأمر على اجتهادات الأهالى، فهم تارة يرجعون السبب الى بحيرة سد مروي، ومرة أخرى يشيرون الى ترعة الدفوفة القائمة حديثا، في الوقت الذي تعج فيه البلاد بالمختصين في مجال المياه والرى، منهم أعداد كبيرة من ابناء الولاية والمنطقة، اضافة لذلك لم نسع لاستقطاب الدعم المركزي لحل القضية، ولم نستغل دورنا كأعضاء فى منظمات عالمية جل همها فى القضايا البيئية وقضايا الكوارث الطبيعية التى تهم الانسان، إضافة الى بعض دول الجوار التى لها خبرات وامكانيات فى معالجة مثل هذه الاشكالية، وأضاف: سوف يخسر المواطنون أكثر اذا لم تجد المشكلة البحث اللازم وتقدم الحلول الناجعة، وتساءل لماذا تأخرت نتائج الدراسة التى تمت لأكثر من ثلاثة اشهر، ولماذا لم تكشف نتائج التحقيق، فلماذا لانتبع الخطوات العلمية ونقفل باب الاجتهادات ونبعد الاتهامات بالاشياء التى تسببت فى الظاهرة، ويجب ان نجتهد حتى نصل الى الحقيقة، وأضاف: لايمكن ان تجد هذه القضية الاهتمام اللازم والدعم المطلوب إلا بالتصعيد الإعلامي.
معالجات إسعافية
من جهته اكد الأستاذ على حسن سيد أحمد بتيك وزير التخطيط العمرانى بالولاية الشمالية استلام التقرير الرسمى الذى أعدته اللجنة المكلفة بالتعاون مع بعض الخبراء والمختصين لدراسة الظاهرة، وقال بتيك لـ(الرأي العام): تم تسليم التقرير لمعتمد محلية البرقيق، واضاف: سوف نطلع بدورنا على هذا التقرير، ويتم على ضوء ذلك اجتماع للجنة المكلفة بجانب جهات الاختصاص لبحث أسباب المشكلة والنظر للمعالجات المطلوبة بصورة علمية حسب نتائج التقرير، وأشار الى ان إعداد التقرير استغرق اكثر من ثلاثة أشهر، وأوضح ان الجهة المسؤولة عن اعداد التقرير هى وزارة الكهرباء والسدود، وأضاف: اخيرا استطعنا تحريك الوزارة والحصول على نتائج التحقيق، كما ان الوقت الراهن لم نستطع تقديم شيء يذكر نسبة لحساسية الموقف، وما قمنا به عبارة عن أشياء إسعافية وزيارات لتقديم بعض المساعدات تمثلت فى المؤازرة والاهتمام للاسر المنكوبة، وأشار الى توقف جميع أعمال البناء والعمران فى المنطقة حتى الحديث منها ناهيك عن المنازل التى تضررت، حيث تم تحديد مواقع جديدة لتعويض المواطنين المتضررين وتم اعفاؤهم من الرسوم الخاصة بالأراضي والمساحة وغيرها، ولكن التخوف من تمدد الظاهرة الى المناطق الجديدة، وظل الجميع فى انتظار نتائج التحقق من أسباب الظاهرة وإيجاد المعالجات بصورة علمية وجذرية، كما ان الجميع يتخوف من انتشار هذه الظاهرة الى مواقع أخرى قريبة من منطقة البرقيق، واكد ان العمل الفعلي والعلاج سيبدأ عندما تتضح معالم الطريق حسب الدراسات والتوصيات التى يخرج بها التقرير.
توقف أكثر من (500) بئر
وفى السياق أكد محمد خضر مدير عام وزارة الزراعة بالولاية الشمالية وجود أكثر من (400) بئر جوفية فى المنطقة المتضررة، بجانب أكثر من (100) بئر أخرى فى منطقة الدفوفة، جميعها تستخدم في ري الأراضى الزراعية وتسحب كميات كبيرة من المياه الجوفية، واضاف: بتحسن الري وتحويله لري من النيل توقف سحب المياه من الآبار الجوفية وبالتالى ارتفع منسوب الحوض الجوفى وارتفت المياه السطحية، وقال: قبل فترة غارت المياه وأصبح السحب من أعماق بعيدة، ولكن عادت المياه وطفحت، واضاف: هنالك مياه مثل هذه فى حوض السليم ايضا، وأشار الى عدم وجود خسائر تذكر فى الزراعة، واكد ان الخسائر تمثلت فى المنازل، مبينا ان ترعة الدفوفة مرت عليها خمسة مواسم زراعية ودخلت الآن فى الموسم السادس والظاهرة لم تتجاوز العام من ظهورها، واستبعد ان يكون لما يحصل علاقة بسد مروى، واضاف: المياه التي تروى بها الزراعة اكبر من الشيء المطلوب، وقد تظهر نتائج الدراسات اسباب أخرى.
الدفوفة السبب
ويؤكد بابكر حاج إدريس رئيس اتحاد مزارعى الشمالية ان ترعة الدفوفة هى السبب الرئيس فيما يحدث، وأوضح ان الترعة عالية جدا وتخزن مياه لفترات طويلة وبالتالي تسرب المياه، واكد بابكر لـ(الرأي العام) بانه لاعلاقة لما يحدث بالبرقيق بخزان مروي ولا بالفيضان والأمطار والسيول، واضاف: الترعة هذا عامها الثالث، ولكن ظاهرة الطفح المائي بدأت منذ عام، وهنالك حالات مشابهة فى الجزء الجنوبى لحوض السليم حيث مدخل المياه، بينما يهدد الأجزاء الشمالية من السليم انحسار المياه الجوفية ، واشار الى زيارة بعض الخبراء للمنطقة بغرض عمل دراسات للظاهرة، وقال بابكر: ان المساكن تقع داخل الأراضى الزرعية (داخل المشروع)، وتابع: اذا استمرت الظاهرة فان أشجار النخيل ستموت لان (النز) عال وماءه ساخن.
الملازمين حالة شبه
وأوضح د.خالد مصطفى خير لله استاذ الجيولوجيا وعلم المياه والبيئة بجامعة النيلين ان مثل هذه الظاهرة كان أول ظهورلها بالسودان فى منطقة الملازمين ام درمان وصينية الأزهرى بام درمان حيث تتم صيانتها كل عام بعد ان تتصدع بعامل ظاهرة الطفح المائى، وأشار الى ان مسجد ام درمان الكبير يقف منذ زمن بعيد على بحيرة من المياه، واضاف: غالبا ما تتزامن هذه الظاهرة الطبيعية مع موسم الخريف، وهى عبارة عن ارتفاع منسوب المياه الجوفية، عندها يكون مستوى المياه الجوفية أعلى عن مستوى الأرض التبوغرافى وبالتالى تظهر المياه على السطح، وتابع: عندما يستوى منسوب الماء مع سطح الأرض يؤثر على بعض أنواع التربة الطينية غير النفاذة، ويؤدى الى (انتفاخها) وبالتالى يحدث التشقق وتطفو المياه نتيجة لتمدد التربة الطينية، أو تظهر طبقة على الحوائط، أو يكون هنالك نوع من الرطوبة على الجدران تمتد إلى داخل المنازل، وجميعها تؤثر على المباني وتؤدي إلى تصدعها وإسقاطها، وأضاف: اذا كانت المساحة المتأثرة محدودة يمكن معالجتها بحفر وردم المنطقة بالحجارة والتراب مع الأسمنت، ولكن فى حالة المساحات الكبيرة فإن حلها مكلف جدا حيث يتطلب الحفر بعمق لا يقل عن (6) أمتار وردمه، او تهجير الأهالي بعيدا عن الموقع ولهذا مردوده الاجتماعي والاقتصادي السالب، وأشار الى ان مشكلة البرقيق قد تكون أسبابها مردود بيئي سالب للمشروعات القائمة بالمنطقة، وبالتالى يجب محاسبة من قاموا بالدراسات مثل هذه المشروعات اذا تم اثبات انها السبب، وعليه يجب تعويض الأهالي المتضررين.
منطقة غير صالحة
وكشف الأستاذ مبارك شمت معتمد محلية البرقيق عن ان التقرير الذى أعده عدد من الخبراء بعد قيامهم بزيارة للمنطقة لم يأت بشيء جديد، وما خرج به التقرير اشار اليه من قبل بروفيسور سعد الدين إبراهيم مدير جامعة دنقلا، باعتباره من القلائل فى علم المياه بالبلاد، حيث أوضح ان منسوب المياه الجوفى ارتفع نتيجة لكميات المياه الزائدة عن حاجة الزراعة عبر ترعة مشروع البرقيق وجاءت عليها ترعة الدفوفة، وبلغ (6) أضعاف الحاجة الزراعية، وحدث تشبع كبير للتربة بالمياه، مع توقف أعداد كبيرة من الآبار عن العمل كانت تقوم بسحب المياه من باطن الأرض، وأوضح المعتمد ان المشكلة تصاعدت منذ بداية العام الجارى، وأكد ان المنطقة أصبحت غير صالحة للسكن، وبالتالى لابد من ترحيل المواطنين الى مواقع آمنة، واضاف: هذا يمثل التحدى الأكبر لحكومة الولاية، ولقد رتبنا جزءا من الأرض السكنية الجديدة لبعض المواطنين، ويجرى العمل للآخرين، وسنسعى لمساعدتهم فى بنيان منازلهم التى فقدوها، ونهييء لهم المنطقة الجديدة بكل الخدمات من كهرباء وماء نقي وطرق وغيره، بجانب بعض الحلول المقترحة والتي سيتم تنفيذها، والتي تتمثل في تبطين الترعة الرئيسة والترع الناقلة للمياه بطبقة اسمنتية عازلة لتسرب المياه، اضافة الى تقليل كميات المنقولة من النيل لتكون حسب حاجة الزراعة، او يتم توقف الري من النيل ويعود المزارعون للري من الآبار الجوفية على ان تقوم جهات الاختصاص بتوصيل الكهرباء لتخفيف تكاليف التشغيل نسبة لارتفاع أسعار الجازولين، حتى يحدث التوازن الذي كان في السابق بين السحب من الآبار الجوفية وكميات المياه بالمنطقة.
اها الموية طعت جاية من وين
ردحذف