الرئيسية » » قطاطي السكة حديد...مدن عمالية ابتلعتها العمارات والأبراج!!

قطاطي السكة حديد...مدن عمالية ابتلعتها العمارات والأبراج!!

Written By sudaconTube on الجمعة، فبراير 01، 2013 | 11:16 ص

عماد الحلاوى

تعد هيئة سكك حديد السودان من أطول الشبكات الحديدية بإفريقيا إذ يبلغ طول خطوطها (5800) كيلو متر، منها حوالى (4578) كيلومترًا خطوط رئيسية.

بدأ إنشاء الخطوط في عام (1897م) مع بداية حملة الاحتلال الإنجليزي المصري للسودان واكتمل معظمها قبل العام (1930).
ويمتد الخط من مدينة وادي حلفا في شمال السودان إلى الخرطوم جنوبًا، مروراً بمدينة عطبرة التي تمثل عاصمة للسكة الحديد، ويتفرع منها الخط إلى مدينة بورتسودان. ويشكل خط (بورتسودان ــ الخرطوم) الممر الرئيس لحركة النقل بالسودان لارتباطه المباشر بحركة الصادرات والواردات بالبلاد.

ويوجد خط إستراتيجي مناوب يربط ميناء بورتسودان بالعاصمة الخرطوم عن طريق مدينتي كسلا وسنار في شرق وأواسط البلاد.
تتمدد الشبكة نحو الشمال بخطوط فرعية تربط بين كريمة ووادي حلفا.

وفي اتجاه الغرب وصلت الخطوط مدينة الأبيض من تقاطع مدينة الرهد التي امتدت منها غربًا إلى تقاطع مدينة بابنوسة، ومنها اتجهت إلى مدينة نيالا في العام (1959م).

ومن تقاطع بابنوسة اتجهت حتى مدينة واو في جنوب البلاد في العام (1962م).

أما آخر الامتدادات الحديثة للشبكة فقد ربطت في العام (1995م) بين المجلد وأبو جابرة بطول (52) كيلو مترًا لخدمة نقل خام البترول السوداني.

كما شيد في عام (1996م) خط ربط بين مصفاة بترول الأبيض بجبل أبو حراز ومحطة الأبيض بطول (10) كيلومترات.
وفي ذات العام تم إنشاء خط لنقل الحاويات من محطة سوبا إلى مستودعات الجمارك.
وفي العام (2000م) تم إنشاء خط مصفاة الخرطوم والذي يبلغ طوله (12) كيلومترًا إلى الجنوب من محطة الرويان.
وفي العام (2002م) اكتمل إنشاء خط لربط سد مروي بمحطة البان بطول (16) كيلومترًا.
هذا الامتداد الكبير للسكة حديد استدعى قيام محطات عديدة، حيث أُنشئت في هذه المحطات مكاتب ومنازل للعمال والمهندسين والإدارييين، فكانت بيوت السكة حديد رمزًا بارزًا وعمرانًا مميزًا، قامت على أكتافه بعض المدن الصغيرة في السودان.
التحقيق أدناه يقف عند ماضي السكة حديد عبر ملمح بيوت السكة حديد ومحطاتها الخلوية...

في الخرطوم
بيوت السكة الحديد بالخرطوم تلك البيوت الواقعة في منطقة إستراتيجية غالية الثمن مما جعلها عرضة للبيع والاستثمار، يحدها من الشمال شارع القصر ومستشفى الخرطوم ومن الشرق شارع كاترينا وجامع شروني وكوبري المسلمية، أما من الغرب فيحدها شارع الحرية والكوبري ومن الجنوب حي الخرطوم (3). هذه البيوت التي يبكي على أطلالها الكثيرون تتحول الآن إلى موقف للمواصلات أُطلق عليه (موقف شروني).

وتقول ريم سر الختم (طبيبة): في الخرطوم بيت عشت فيه كل طفولتي حتى دخولي إلى كلية الطب يقع أمام الورشة، كثيرًا ما كان يسوقني الحنين إليه، وفى المرة الأخيرة سابقت آلات الهدم لأُلقي النظرة الأخيرة عليه ولكن الآلة كانت أسرع، فقد هُدمت خلوة شيخ محمد وطُمس معلم محل الجزارة والخضار (لصاحبيهما صالح ود علي أفندي الجزار من أهالي كبوشية، ومحمد الخضرجي من الجريف).

ويقول العم عبد الرحيم نقد (معاشي) إن القطاطي في السكة حديد كانت نوعين: قطية (على شكل مخروط) مفردة، وكانت تعطى لصغار العمال، وقطيتان متجاورتان (مجوز كما يطلق عليها العمال) ومعهما حوش صغير و (منافع) للعمال الكبار. أما المهندسون فتقدم لهم منازل جميلة.

حي السكة حديد بكوستي
وصل خط السكة الحديد إلى مدينة كوستى في عام (1909م) وجعل منها نقطة تلاقٍ ومنفذاً رئيسياً يربط بين العاصمة ووسط السودان بأجزائه الجنوبية والغربية ويمتد منها إلى مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور وإلى واو في دولة جنوب السودان. ويعتبر حي (السكة حديد) بمدينة كوستي من الأحياء القديمة والتي أنشأها المستعمر لسكن عمال السكة حديد وأسرهم، وهو مبني من الحجارة، مما جعل مباني السكة حديد ومنازل حي السكة حديد القباب (القطاطي) تحفة معمارية رائعة المعالم وقتها. من أشهر أبناء حي السكة حديد بكوستي الأديب والمثقف نصر الدين شلقامي الذي ألف كتابًا بعنوان (كوستي القصة والتاريخ) الذي يعتبر مرجعًا أساسيًا في تاريخ المدينة ومنهم الأديب خالد المبارك ولاعب الكرة الشهير الزاكي المسمى بـ ( زيكو) وغيرهم.

عطبرة:
تقسم السكة حديد مدينة عطبرة إلى شطرين: شرقي وغربي. ففي الشطر الشرقي حيث الكثافة السكانية الكبيرة توجد المراكز التجارية والبنايات ذات الطابقين أو أكثر. وفي الشطر الغربي الذي يبعد عن مجرى نهر النيل بحوالى كيلو متر واحد حيث كان يسكن البريطانيون ونشأ حي ظليل الشوارع تنتشر فيه منازل البنجلو Bungalow وراء الأسوار والحدائق.
وبالقرب من خط السكك الحديدية بنى البريطانيون منازل مخروطية السقف (قطاطي) لعمال السكك الحديدية من المصريين. ويبعد نهر عطبرة عن وسط المدينة بحوالى (2) كيلو متر، وهناك يوجد جسر صغير يربط بين ضفتي النهر.

الكيلو (228)
وبالقرب من جبل أم علي كانت هناك محطة على خط السكة حديد تعرف بالكيلو (228) وكان بها مكتب بريد يخدم كل القرى المحيطة شرقاً وغرباً قبل أن يتضاءل دور السكة حديد في السودان، إضافة إلى قطاطي العاملين بالسكة حديد.
وتقع قرية جبل (أم علي) على الضفة الشرقية لنهر النيل على بعد (225) كيلومتر شمال العاصمة الخرطوم. وتتبع إدارياً لولاية نهر النيل - محافظة شندي.
واختلفت الروايات في سبب تسميتها بهذا الاسم (أم علي) حيث تقول رواية إن أم علي هذه امرأة كان ابنها براً بها لدرجة أن قرر دفنها على رأس جبل في أطراف القرية وعرف المسافرون هذا الجبل باسم جبل أم علي. وللبروفيسور عون الشريف قاسم رواية أخرى وهي أن الاسم محرَّف من كلمة (أوملي) النوبية التي تعني (جبل). وساعد موقعها على أن يكون بها محطة تقوية لخط أنابيب البترول ونقطة تفتيش.
وأفراد المحطـة في الكيلو (228) هم ناظر المحطـة، المحولجـي، التلغرافـجـي و(3) عمال دريـسة. والمبانـي بهذه المحطة هي مكتب المحطة ويتكون من غرفة الناظر وغرفة التلغراف. وبيـت الناظر، وبيـت التلغرافجي  - بيت المحولجي، منازل فـي شـكل قـطاطي لعمال الدريـسـة.

وكانت لا توجد كهرباء إلا من فوانيـس السكة الحديد الكبيرة المشـهورة؛ ولا مواسير ماء ولا ماء إلا من فنـطاس كبيـر بالقرب من قضيـب السكة حديد. يـعبـأ بالمـاء كـل أسـبـوع من فناطيـس كبيرة مضافة فـي قـطر للبضاعة أو قـطر محلـي لتنفيـذ هذه المهـمة (السـقايـة).. ويحكي العم ساتي محمدعلي في حسرة بعد إشارته إلى أنه عاش في أكبر بيوت السكة حديد في عطبرة والخرطوم وكوستي، وإن الإهمال هو ما عجل بضياع معالم تلك المساكن التاريخية، فبعد أن كانت تُصان كل سنة أصبحت لا تُصان، مما جعلها تندثر في المحطات الخلوية. كما أن العمران طالها في الخرطوم فبيعت أراضيها.

وأشار إلى أنه في إنجلترا مثل هذه البيوت التاريخية (لو سكنها نقابي أو أي شخص معروف تقوم الدولة بحمايتها وترميمها ووضع اللافتة الزرقاء وجُعِل مثل هذه البيوت مزارات! (وبفخر يكتبون.. هنا عاش فلان الفلاني الكاتب أو النقابي من عام كذا.. لكذا..)
وقال إن السكة الحديد كان لها شأن كبير في زمن الإنجليز وما تلاه، عندما كان يغيب الحاكم العام للسودان لأي سبب رسمي أو شخصي، كان مدير عام السكة الحديد ينوب عنه رسمياً في حكم السودان!
كـما أشار العم (ساتي) إلى أن أي إصـلاحات أو بناء في القـصـر الجـمـهـوري كـانت تـقـوم بـها السـكة حـديـد.

و أن كبري بـحري يتبـع للسـكة حديـد ويقال إن المهنـدس الذي صـممه هـو ذات المهندس الذي صمم (بـرج إيـفل) بباريـس إضافة إلـى كوبـري كوستـي القديـم ويـمكن لأي زائر لمكاتـب السـكة حديـد بكوسـتي أن يـرى مفتاح الكوبـري الإسبيـر بمكتـب ناظــر الأقســام، هذا الكبري ينفتـح إلـى قسـميـن لمـرور السفن القادمة والذاهبـة إلـى الجنـوب.. كما أن كبري عـطبـرة القديـم ملـك السـكة الحديـد..
ولأهمية السكة حديد في السودان وعائدها المادي طلبت الحكومة البريطانية استئجار السكة حديد لمدة خمسين عامًا نظير دفعها مبلغ أربعة ملايين جنيه إسترليني وذلك مقابل قرض لتمويل قيام مشروع الجزيرة وقوبل ذلك الطلب برفض مدير عام مصلحة السكة حديد الذي قال وقتها: (من يمتلك السكة حديد يمتلك البلاد بأسرها) وكان ردًا بليغًا، وذلك لأهمية السكة حديد الإستراتيجية. وهي مصدر هام ولا يمكن الاستغناء عنها.

صحيفة الإنتباهة
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger