تقرير/ أمل عبد الحميد (سونا)
خلافا للرأي السائد بتبرئة السد العالي وسد النهضة من كارثة الفيضانات الراهنة وازدياد معدل هطول الامطار حاليا ،اكد خبراء هيدرولوجيا ومياه ان احد الاسباب الرئيسة لازدياد معدل الامطاروبالتالي السيول والفيضانات غير المسبوقة هو وجود السودان ولاول مرة في "كماشة" بين سطحيين مائيين جديدين في المنطقة: سد مروي- ومن قبله السد العالي قديما- وسد النهضة الان، ثم امتلاء بحيرة فكتوريا بصورة لم تحدث منذ مئة عام وكانت ثالثة الاثافي بناء الأبنية التي سدت الطرقات امام المجرى الطبيعي للمياه
تتالى الفيضانات واندلاق المياه بعد امتلاء مجرى النيل ومجاري الأنهار المفاجئ والسيول غير المتوقعة ادى الى أزمة إنسانية وكارثة لم تشهدها البلاد منذ العام 1946 ، دعت الناس الى البحث عن تعليل لما حدث وهو امر يقع كلما ازالت الطبيعة القناع عن ثوبها العنيف حيثما واينما تجرأ الانسان وعبث بالبيئة واحدث تغييرات جذرية في المناخ.
في السودان،الاحصاءات الراهنة تشيرالى وفاة أكثر من مائة شخص وتهدم أكثر من مائة ألف منزل كليا أو جزئيا في 16 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان وتضرر ما يفوق نصف مليون شخص بإلاضافة إلى نفوق أكثر من ست ألف رأس من الماشية وتلف مساحات زراعية واسعة، وفقا لتقارير رسمية أعقبها قرار لمجلس الأمن والدفاع، اعتبار السودان منطقة كوارث طبيعية، كما أعلنت حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد لمدة 3 أشهر بالإضافة إلى تشكيل لجنة عليا لدرء ومعالجة آثار الخريف. في كارثة مثل هذه يسعى الناس الى التمسك باي سبب يكون معقولا و يستوعبه العقل.
لذلك اطلق المتابعون بمواقع التواصل الاجتماعي أراء وفرضيات عديدة عن الأسباب التي أدت لكارثة السيول والفيضانات بالبلاد، ربط بعضها بين إنشاء سد النهضة والفيضانات المفاجئة وأخرى روجت لإغلاق بوابات السد العالي، فيما أشارت أصابع الاتهام إلى فتح بوابات السدود المحلية قبل الآوان و أخرى قالت إن الفيضانات متوقعة لارتفاع معدل الأمطار التي هطلت بالهضبة الأثيوبية.
تضارب الأراء حول الأسباب الحقيقية للفيضانات دفع وزير الري والموارد المائية ياسر عباس إلى الى القول بان السد العالي في مصر وسد النهضة في اثيوبيا ربما ليسا هم المتسببان في الفيضانات القياسية التي شهدتها البلاد.ذلك من واقع المسافة والبعد بالنسبة للسد العالي و منطق التاسيس بالنسبة لسد النهضة والذي كان سبب وجوده Raison d’etre هو الامساك بالمياه بكميات كبيرة ابان الفصول الممطرة لاستخدامها عند الفصول غير الممطرة و بالتالي فهي تمنع تدفق مياه الفيضان.
اذ قال بروفيسور ياسر عباس أن تشغيل سد النهضة سيحمي السودان من الفيضانات، كما أن بحيرة السد العالي تنتهي بنحو 150 كيلومترا جنوبي وادي حلفا وبإمتداد لمسافة كبيرة للبحيرة شمال دنقلا، مما يشير إلى عدم تأثيره في فيضان النيل في الخرطوم ومنطقتي مقاشي وحزيمة بالولاية الشمالية، لكن خبير درء الكوارث ومخاطر فيضانات الأنهار والأودية والتنبؤ بها والأستاذ بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ، بروفيسور عباس الطيب بابكر مصطفى، يعزو الفيضانات التي يشهدها السودان ضمن مناطق عديدة في كل انحاء العالم حالياً إلى التغيرات الطبيعية والمناخية، و صنف ما يحدث بالبلاد ضمن "فيضانات الكوارث الإستثنائية والتي تؤدي إلى تدمير بالغ ومردود كارثي كبير في الأرواح والممتلكات والمنشآت يعجز الإنسان من تداركها."
وأكد أن فيضان النيل ومجاري السيول الحالية نتج من الزيادة الطبيعية لكميات المياه لارتفاع معدل هطول الأمطار وتدفق مياه الأودية الموسمية في حوض النيل بالإضافة إلى العامل البشري المتمثل في عدم كفاءة صناع القرار في إدارة الموارد المائية في السودان لبعض الجوانب ولقلة المام بعض المواطنين في المناطق المعرضة لخطر السيول والفيضانات بالتوعية اللازمة بهذا الشأن.
وأشار إلى أن أهم الأسباب التي أدت الى حدوث الأزمة الحالية تكمن في "انعدام الفهم العلمي لطبيعية فيضان أنهار حوض النيل الأزرق، الأبيض ،النيل الرئيسي ، الروافد داخل السودان ، الأودية التي تصب في النيل وهي عديدة مبيناً حاجة الدولة إلى وجود مركز لدراسات حوض النيل يضم خبراء من التخصصات ذات الصلة لدعم صناع القرار في وضع الخطط الإستراتيجية التي تسهم في التنمية المستدامة بجميع فروعها.
وأكد ضرورة مراجعة آليات إدارة السدود في السودان بالتنسيق مع دول الحوض وتفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بمنع السكن في مجاري السيول وضفاف الأنهار ووضع الخطط الإستراتيجية لاستخدام الأرض في ضفاف الأنهار ومجاري السيول باستخدام التقنيات الحديثة وهي متوفرة.
اما الدكتور أحمد آدم حسن الباحث في مجال كيمياء الأصماغ وتطبيقاتها البيولوجية والأستاذ بكلية هندسة التقانه الحيوية، الجامعة العالمية بماليزيا، فقال إن تفسير ظاهرة الفيضانات غير المسبوقة فى السودان، يكمن في ارتفاع الرطوبة على مستوى السودان النيلي ولوصول الفاصل المدراى إلى أقصى شمال السودان على غير عادته، بسبب عامل مستجد، هو الارتفاع غير المسبوق في الرطوبة والتي تعزى لعامل وافد يتمثل في سدى النهضة ومروى و الذي جعل الدور الهيدرولوجية أي "دورة تكوين المياه" مستمرة على مدار الساعة وخاصة بعد الظهيرة.
وأشار إلى أن وجود سدي مروي والنهضة بالمنطقة، نتج عنه تكوين أكبر بحيرتين صناعيتين، شكلا بدورهما تجمع وتبخر للمياه، وبالتالى أوقع السودان النيلي فى وضع "كماشة" و دوامة تبخر مستمر فى ساعات الصباح نتيجة لارتفاع درجات الحرارة نهارا وأعلى درجات الرطوبة في طبقات الجو.
ولفت إلى أن وصول الرطوبة الى نقطة اتزان معينة يعكس الجهد المائى بعد ساعات الظهيرة فى الأعلى، بما يؤدي لهطول الامطار الغزيرة والمستمرة وهذا ما يفسر حركة هطول معظم الأمطار فى السودان خلال فترة ما بعد الظهر غالباً، واستمرارها لمنتصف الليل.
وأكد ارتفاع مناسيب النيل فى الشمال اكثر منها في الجنوب، مما يعزز أكثر من فرضية زيادة كمية الهطول السنوى للأمطار فى السودان النيلي نتيجة لارتفاع الرطوبة من بحيرتى سدي مروى والنهضة معا، مشيرا إلى أن انخفاض المناسيب، وانحسار مياه الفيضان مرهونة بحركة الفاصل المدارى، منبها
إلى انعكاس آثار الفيضانات المستقبلية على طبيعة ونوعية محاصيل السودان الغذائية والنقدية، وخاصة التى تتأثر بتغير الحرارة والرطوبة (ليلا ونهارا) كالدخن والذرة، والسمسم والفول السودانى، وحب البطيخ والصمغ العربى، سهلة التلف اثناء فترة النمو والحصاد، وتأثير ذلك على أمتداد مناطق حزام الصمغ العربى للمتغيرات المناخية وتأثيره الحتمي على أمن السودان القومى والغذائي معا، مما يتطلب التحسب المبكر لها.
و أكد الدكتور عباس شراقي رئيس قسم الموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة أن الفيضانات كلها كانت متوقعة.
وقال إن بحيرة فيكتوريا وصلت إلى أعلى منسوب لها في التاريخ هذا العام في مايو الماضي، وأضاف: " توقعنا أن يكون موسم الفيضان والأمطار عاليا في إثيوبيا والسودان وحذرنا من ذلك في مايو الماضي من أنه سيكون هناك فيضان عالٍ هذه السنة وسيكون إيراد النيل أعلى من المتوسط، وهذا كان مؤشرا لنا لتوقع ذلك" أي توقع الأمطار والفيضانات التي تحدث حاليا.
القراءات والحلول المتعددة التي تناولها الخبراء تستدعي بذل المزيد من الجهود لاستغلال مياه الأمطار والفيضانات عبر حصاد المياه لزراعة المساحات الواسعة التي يتمتع بها السودان و ضمن الحلول التي تداولت بوسائط الإعلام الجديد، فكرة طرحها عدد من الأكاديميين السودانيين لتشييد بحيرات للاستفادة منها في زراعة المحاصيل النقدية ولخفض الضغط في موسم الأمطار والفيضانات على نهر النيل وذلك بإنشاء أربع قنوات تؤدي إلى تكوين أربع بحيرات في مناطق: حلايب و سواكن و دنقلا والأبيض، على أن يتم فتح هذه القنوات لملء البحيرات عند ارتفاع مستوى المياه في النيل لتجنب الفيضانات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق