الرئيسية » » السكة حديد .. تهوين القواسي! .. بقلم: د. مرتضى الغالي

السكة حديد .. تهوين القواسي! .. بقلم: د. مرتضى الغالي

Written By Amged Osman on الجمعة، يناير 19، 2018 | 6:11 ص

سودانيل

كانت جلسة عامرة تلك التي استمعنا فيها إلى قصة سكك حديد السودان من (رجال ضامرين) وخط الشيب رؤوسهم؛ جاءوا وتحلّقوا حول الطاولة المستطيلة في منتدى (طيبة برس) والتف حولهم شباب الصحفيين وبعض المهتمين وهم يسمعون ما لم يروا من (مأثرة سكك حديد السودان) يوم أن كانت إحدى عجائب القارة الافريقية وعندما كانت تمثل بحق البيت الرؤوم للتلاقح السوداني قبل أن تطالها معاول الهدم وتتناوشها أيدى التخريب..!

وللحقيقة لم يكن الأمر إطلالة على الماضي الجميل أو وقوفاً على (أطلال خولة) إنما كان تناولاً علمياً انتهى بتقديم خطة علمية طازجة لاستعادة عافية السكة حديد سهر عليها صاحب الكتاب القيّم الباشمهندس هاشم محمد أحمد المدير الأسبق لهيئة السكك الحديد بعنوان (مستقبل سكك حديد السودان).. أنظروا الرجل يتحدث عن المستقبل وينظر للامام ويتغاضى عما حاق به وبرفقته أهل المعرفة والتأهيل ..مهندسين وإداريين ومحاسبيين وكماسرة وميكانيكية ومفتشين وفنيين وأشرجية وكهربائين ولحّامين وبرادين وسمكرجية وعشاق ورش وعمال دريسة..!

حكى لي من أثق بكلامه (بنسبة معقولة لا تقل عن 84%) عن حاله فلان (والاسم موجود بطرفي) قال إنه من زملاء المؤلف ومن قيادات السكة حديد جاءه الجماعة في (يوم أغبر) بقائمة فيها ثلاثة آلاف من العاملين بهيئة السكة حديد وقالوا له: هؤلاء يجب فصلهم لأنهم من ال...... والمخربين إلى آخر عباراتهم المعتادة.. فقال لهم: وكيف أعمل إذا تم فصل كل هؤلاء وهم من أعرف عن أدائهم ولا شأن لي بانتمآتهم.. ثم أخذ الرجل قلماً وكتب اسمه على رأس القائمة (وخرج ولم يعد).. وفي ما بعد خرج من الدنيا جميعها عليه الرحمة.. وهو من الأوفياء المجهولين الذين أرضوا ضميرهم وذهبوا من غير جلبة ولا ضوضاء..!

هذا الكتاب يُعدّ من الأسفار القيّمة التي تجمع بين التناول العلمي والمعرفة الإدارية والفكر الاستراتيجي والتقييم المنطقي والسخاء في المعارف النادرة في عوالم السكك الحديدية، وبيان التحديات الفنية وكيفية تجاوزها كما أن فيه تبسيط ذكي لمن يريد معرفة قضية السكة حديد من غير المتخصصين، وفيه أيضاً الإجابات الحاضرة عن كيفية صياغة أولوليات إحياء السكة حديد؛ مثل نماذج القوة الساحبة والتصنيع المحلي وسعة القضبان..الخ ويمكن أن يتلمس الشخص من بين السطور إنه كُتِب (بأنفاس وطنية) تحب السودان وتحب السكة حديد الى درجة الوجد والتولّه!

أمران لا بد من الوقوف عندهما: ولا تقولوا لنا لا تنظروا للوراء، نحن ننظر للوراء للندفع للإمام.. الأمر الأول ما ذهب من (عضم السكة حديد) يجب ارجاعه.. من باعه عليه ارجاعه ومن أخذه عليه ردّه.. وهو ليس بالأمر الهيّن: إنه ابحاث وورش وهناجر وطناجر وفناطز وسواحب وروافع ومنازل ومباني وهياكل وقضبان ومزارع ومحطات وآليات ومعدات وأوناش.. وحديد يجاوز برج إيفل! والأمر الثاني هو أنه (لا حياة للقارة السودانية بغير السكة حديد) ويكاد المرء يزعم بأن القطارات (لو تحرك حديدها) لما احتاج السودان لحكومة (ولا دوشه) ولقدلت محاصيل السودان من وإلي الغرب والشمال والجنوب والشرق، ولتفسحت الصادرات وتبرجّت الواردات وانتعشت التجارة والزراعة، ولتآنس أبناء الوطن وبناته في مقاصير القطارات بدرجاتها المختلفة.. ولما عرفت الجوع فرقان ولا العطش بادية!! اللهم أنصر السودان بأحد المخطوفيَن: السكة حديد أو مشروع الجزيرة!! ...أو بكلاهما!!

شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger