الرئيسية » , » مقال توعوي عن المخاطر البيئية والصحية للنفايات البلاستيكية في السودان

مقال توعوي عن المخاطر البيئية والصحية للنفايات البلاستيكية في السودان

Written By Amged Osman on الاثنين، أكتوبر 10، 2016 | 9:35 م

م. خالد مختار إبراهيم

واحدة من اكثر الأشياء الملاحظة في احياء الخرطوم بمختلف مسمياتها وطبقاتها الاجتماعية هو وللأسف اكوام الاوساخ والنفايات التي صارت معلما بارزا من معالم تلك الاحياء. الاوساخ في كل مكان تقريبا قرب البيوت والمدارس والمطاعم والمستشقيات والشوارع وكأن من يسكن او يشغل هذه الأماكن لاينفرون اولا يشعرون بالضيق والاذي من هذه المناظر البائسة.

المقال التالي يتناول موضوع النفايات البلاستيكية علي وجه الخصوص ومن عدة نواحي تشمل الصحية والنفسية مع عرض تجارب من دول اخري واقتراح بعض الحلول التي يمكن ان تساهم في تخفيف قدر من هذا الواقع المؤلم.

بالنسبة للاثار الصحية لهذه الاوساخ يجب ان ننتبه الي شيء مهم للغاية وهو مكونات هذه النفايات فمن الملاحظ ان أكياس البلاستيك التي تستعمل في حمل معظم الاغراض اليومية والمواد البلاستيكية عموما تمثل اغلبية الاوساخ. والمشكلة في هذا الامر انها الأكثر ضررا علي الانسان والحيوان والبيئة. فالبنسبة للإنسان ولان الحل الأكثر شيوعا في معالجة مشكلة انتشار النفايات في الاحياء هو حرقها باعتبار انه اسهل الحلول التي يستيطع الجميع ممارستها وبالتالي وجب توضيح بعض الاضرار الصحية المثبتة علميا بسسب حرق المواد البلاستيكية.

فحرق هذه المواد يزيد من مخاطر الإصابة بامراض القلب وامراض الجهاز التنفسي كالربو وانتفاخ الرئة وتؤدي أيضا الي الطفح الجلدي والشعور بالغثيان والصداع وتؤثر علي الكبد والكلي والجهاز العصبي والشعور بالاضطراب.

وبما ان هذه النفايات تحتوي أيضا علي مادة (polystyrene polymers) وهي تستخدم في صناعة الصحون والاكواب أحادية الاستعمال (تستعمل في المناسبات) واطباق البيض وتستخدم في تعبئة وتغليف الالبان ومنتجاتها كالزبادي والمش والعصائر وغيرها. حيث يتنج عن حرقها غاز ستايرين (styrene) وهو غاز سهل الامتصاص بواسطة الجلد والرئتين ويؤثر بصورة مباشرة علي صحة العيون والاغشية المخاطية وتراكم كميات من هذا الغاز يؤدي علي المدي الطويل الي التأثير علي الجهاز العصبي فينتج عنه الصداع والشعور المستمر بالتعب والضعف وقد يصل حتي الإصابة بالاكتئاب وتدمير الصحة النفسية.

وللأسف ليس هذا الاسوأ فعند حرق المواد البلاسيكية المصنعة من PolyVinyl Chloride) (PVC وهو متعدد الاستخدامات , او المركبات الشبيهة من ناحية كيميائية ينبعث غاز الديوكسين (Dioxin emissions) وهو من اكثر الغازات ان لم يكن الأول سمية (من سم) للبشر وهو مادة مسرطنة وتسبب خللا في الهرمونات والأخطر ان هذه الانبعاثات تمتاز بالاستمرارية لفترات طويلة في الهواء وتتراكم في جسم الانسان ويمكن للام الحامل ان تنقل جزء من هذه المواد لطفلها مما يجعله مهددا بالامراض السابقة منذ نعومة اظافره وهذا مهدد كبير للأجيال القادمة. وحتي تلك الانبعاثات التي لا تدخل مباشرة الي اجسامنا تتراكم علي مصادر المياه كالانهار وعلي المحاصيل الزراعية لتعود الينا من جديد في اشكال مختلفة دون ان ندري.

اذن ما الذي يمكن ان نفعل علي المستوي الفردي

توجد عدة حلول يمكن تطبيقها فيجب الامتناع عن حرق النفايات في المقام الأول وتنبيه من يقومون بمثل هذا السلوك وتوضيح المخاطر. وان كان لابد ان يحرق فيجب فصل المواد البلاستيكية عنها و هذا يمكن ان يتم من داخل البيوت بالحرص علي تمييز النفايات بفصل المواد البلاسيكية عن غيرها. هذا حل جزئي لكن الحل الشامل للقضية هو من واجب الدولة وتقصير الحكومة في هذا واضح جدا ولا يتحتاج الي دليل اوبرهان.

وانتشار مجموعة من الامراض في الفترات الأخيرة في السودان مرده في الأساس الي تدهور الصحة العامة والبيئة والمعلوم انه كلما انفقت الحكومة عن معالجة اصل الخلل سيجنبها ويجنب المواطنين الصرف لاحقا علي العلاج وهذا سيخفض الضغط علي المستشفيات ويرفع الإنتاجية ويؤدي الي تحسين الأداء الاقتصادي بشكل او باخر.

وكمثال لما يمكن ان تفعله الحكومة ساستعرض هنا طريقة استخدمتها إنجلترا للتخفيف من استخدام الاكياس البلاسيكية علي الرغم من ان دافعهم الأساسي لم يكن الحرق العشوائي كما الحال هنا فعندهم تستخدم طرق اخري يمكن التحكم في مستوي انبعاثاتها. وقبل ان اذكر هذا المثال وجب ان انوه الي انني لا ادعو الي تطبيق هذا النموذج بحذافيره بل يجب عند التفكير في حلول كهذه الاخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للسودان وحتي مستوي الوعي العام وانتشار التعليم وتأثير وسائل الاعلام المختلفة علي الشارع يجب اخذها في الاعتبار حتي يكون الحل ممكنا وقابلا للتطبيق ويمكن التحقق من نتائجه وليس فقط تقليد لبلد متقدم.

التجربة الإنجليزية:

بحسب المعلومات من موقع الحكومة البريطانية فان محلات السوبر ماركت فقط في العام 2014 وفي انجلترا لوحدها (جزء من المملكة المتحدة والتي تشمل ايضا اسكتلندا,ويلز,ايرلندا الشمالية) استخدمت 7.6 مليار كيس بلاستيكي(احادي الاستخدام حيث يتم التخلص منه مباشرة في النفايات بعد استخدامه) وهي تعادل 61000 طن ويكمن اذا تم ربط هذه الكمية من الاكياس في شكل سلسلة ان تكفي للدوران حول الارض 75 مرة.

ولتقليل هذه العدد الكبير جدا تم فرض رسوم بسيطة تعادل 5 بنس( الجنيه الإسترليني يعادل 100 بنس) وقد تم تطبيق القانون في وقت سابق في بقية المملكة المتحدة.

وكانت الحكومة تتوقع منها الاتي خلال ال10 سنوات التالية للمشروع:

• 780 مليون جنيه استرليني عائد متوقع علي اقتصاد المملكة المتحدة.

• 730 مليون جنيه إسترليني سيتم جمعها من هذه الرسوم لدعم التعليم والصحة وحماية البيئة وللمنظمات غير الربحية والتي تهدف الي خدمة المجتمع.

• 60 مليون جنيه استرليني توفير في ميزانية النظافة.

• 13 مليون جنيه إسترليني توفير في تكلفة انبعاث الكربون ( اثناء الصناعة او بعد حرقها).

وبعد ان طبق القانون علي الواقع اتجه الناس مباشرة الي تجنب استخدام الاكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد ولجئوا الي استخدام طرق بديلة تدوم لفترات أطول (كالحقائب القماشية) . وعندما صدر اول تقرير بعد 6 اشهر عن جدوي هذا القانون كانت النتائج ممتازة فقد ذكرت صحيفة الغارديان في تحليلها للتقرير الصادر عن الحكومة البريطانية انه قد تم جمع 30 مليون جنيه إسترليني خلال هذه الفترة فقط من بداية تطبيق القانون الجديد. وان عدد الاكياس البلاستيكية المستخدمة انخفض من 7 مليار كيس الي نصف مليار فقط (خلال نص عام فقط) وهذا تحسن مذهل وسريع للغاية وفي فترة وجيزة جدا.

وكخطوة اكثر تقدما قررت الحكومة الفرنسية حديثا انه بحلول 2020 ستم تطبيق حظر كامل علي استخدام كل المنتجات البلاستيكية وكخطوة تمهيدية سيتم حظر الاكياس البلاستيكية ابتداء من بداية العام 2017 وفرنسا تستخدم حاليا 17 مليار كيس بلاستيك كل عام.

واستخدام الاكياس البلاستيكية في السودان بدا يتزايد في السنوات القليلة الماضية بصورة كبيرة تظهر جليا في النفابات واضافة الي اثاراها الصحية السيئة فهي قبيحة المنظر وتسبب تلوثا بصريا واشمئزازا وهي تنتشر في كل الأماكن.

في الماضي -وليس البعيد- كان الناس يستخدومون القفاف (جمع قفة) علي الأقل علي مستوي القري وقد كان خيارا موفقا للغاية وهي كما هو معلوم مصنوعة من سعف (جريد) النخيل مما يجعلها صديقة للصحة والبيئة وذات منظر جذاب وراقي وتعكس قدرا من هويتنا وتاريخنا وفوق كل هذه لا نحتاج الي حرقها فهي ذاتية التحلل ولا تسبب اضرار تذكر. قد لا يكون بالضرورة ان نعود الي القفة لكن ما عنيته ان البدائل موجودة وتكفي حوجتنا ومن داخل مجتمعنا ولا تحتاج قدر كبير من التكنولوجيا. مايجب ان ندركه هو اهمية ان نفكر في تصرفاتنا وان نتحمل المسئولية التي في حدود امكانياتنا والتقليل من استخدام هذه المواد الخطرة وان لانسعي فقط لراحتنا اللحظية علي حساب دمار صحتنا وبيئتنا. ولم يتناول المقال الاثار علي الحيوانات او علي عناصر البيئة الأخرى والسبب انه ان لم تكن صحتنا الذاتية تكفي ان تكون دافعا للتغيير فلا اظن ان شيء اخر يمكنه ذلك وتذكر ان الاذي والضرر سيكون شاملا اسأل الله العافية للجميع.

يوجد في المصادر روابط لمواقع بها استعراض لبعض المنتجات الطبيعية التي يمكن ان تساهم في حل المشكلة لتكون مصدرا لالهام منتجين محليين لها وليس الغرض الإعلان لها.

خالد مختار إبراهيم
09/أكتوبر/2016
الخرطوم .

* المقال لأغراض توعوية وفي حالة استخدامه لاغراض علمية/أكاديمية الرجاء التأكد واستخدام المعلومات من مصادرها مباشرة.

*المصادر:
قانون الحكومة البريطانية لفرض الرسوم علي أكياس البلاستيك
تقرير الحكومة البريطانية عن جدوي قانون الرسوم علي الاكياس 
Dangerous Health Effects of Home Burning of Plastics and Waste) Fact Sheet (
تحليل التقرير في صحيفة الغارديان
الحكومة الفرنسية تحظر المواد البلاستيكية صحيفة الواشنطن بوست
الحكومة الفرنسية تحظر الاكياس البلاستيكية من فرانس 24
بعض النماذج لمنتجات من سعف وأجزاء النخيل
بعض المنتجات البديلة لاكياس البلاستيك 

شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger