الرئيسية » » مستشفى دنقلا التخصصي.. عندما تذوق عيون الكادحين الهزيمة !! ... تحقيق عباس عزت

مستشفى دنقلا التخصصي.. عندما تذوق عيون الكادحين الهزيمة !! ... تحقيق عباس عزت

Written By Amged Osman on الأحد، مارس 20، 2016 | 10:44 ص

تحقيق وتصوير: عباس عزت

في بلادنا الكثير من المنشآت الحيوية والمرافق الخدمية، منها ما أنشيء في عهد الاستعمار، ومنها ما أنشيء بعد الاستقلال، بعضها في عهد الحكومات السابقة والبعض الآخر في عهد الإنقاذ، وكادت تلك المنشآت أن تكون طوق نجاة من حالة البؤس والحرمان التي عانى منها المواطن السوداني على مدى عقود، لو لم تطلها أيادي العبث ونوايا السوء والإهمال، فلم تجد أي اهتمام أو رعاية ورقابة من حكومتنا الرشيدة، ومستشفى دنقلا التخصصي بالولاية الشمالية إحدى هذه المنشآت التي شيِّدت مؤخراً، وبعد فترة وجيزة من تأريخ افتتاحه، بدأت تظهر الشروخ في جدران المبنى والتصدعات في الأرضيات والأسقف، ما أدى لحدوث أضرار جسيمة طالت معظم مرافقه، الأمر الذي جعل وزارة الصحة تقوم بحملة شاملة لإعادة ترميمه.

(1)

مبنى جميل يربض في قلب المدينة الحالمة، ويضفي عليها شكلاً هندسياً متميزاً يتكوَّن من عدة طوابق، يحيط به سور يحتضن حوشاً واسعاً يشبه إلى حدٍّ ما، مقبرة لأكوام من الأبواب والشبابيك الحديدية الخربة، ومياه الصرف الصحي الطافحة في بعض جنباته، ويطلق عليه (مستشفى دنقلا التخصصي)، لكنه لا يداوي أحداً إنما يساعد المرضى على الوفاة ببطء مؤلم لمرافقيهم، فرغم إنشائه منذ 5 سنوات فقط إلا أن جدرانه قد تصدعت وتساقطت أسقفه في فضيحة تكشف مدى الإهمال والفوضى الذي وصلت إليه الأجهزة المعنية. 



ويقول مرافقي الأستاذ الباقر عكاشة (الكاتب الصحفي المهتم بقضايا دنقلا): المستشفى تم افتتاحه بدافع سياسي قبل اكتماله دون أي إهتمام بعواقب الافتتاح الذي كان خصماً على مسيرة المستشفى وذلك لأجل مكاسب شخصية وسياسية إبان زيارة رئيس الجمهورية للولاية فتجرع إنسان الولاية من وراء ذلك المرارة والهوان والإرهاق، وهم يبحثون عن مستوى صحي أفضل، بعد أن تم تحويل خدمات مستشفى دنقلا العريق الذي كان يقدم خدماته لأبناء الولاية دون ملل من إدارته لوجود البيئة الصالحة من نظافة وتهوية تتفق مع المعايير العالمية في وقت كانت الولاية الحالية عبارة عن محافظة يديرها محافظ ومدير تنفيذي ومساعد محافظ للشؤون الصحية قبل أن يصبح وزارة تضج بها إدارات وأقسام ومكاتب على مستوى المحليات دون أي فائدة أو طموحات جناها المواطن من هذا الجيش الجرار الذي عجز تماماً في تسيير تشغيل غرفة العناية المكثفة للمستشفى لارتفاع التكلفة رغم حاجة المنطقة الماسة لها لارتفاع حالات مرض السكري الذي يتطلب وجود غرفة تعمل بجاهزية كبيرة لاستقبال الحالات الحرجة وحالات ما بعد العمليات.

يذكر أن الولاية لم تستلم المستشفى حتى الآن من الجهات المنفذة و الدار الاستشارية لعدم مطابقته للمواصفات، رغم أن المستشفى بدأ العمل منذ أكثر من أربع سنوات و يثير هذا الأمر تساؤلاً لدى العديد من أهالي دنقلا، وهو من المسؤول عن استلام مباني المستشفى قبل الاكتمال ولماذا؟.

(2)

بمجرد وصولك المستشفى تلاحظ إحاطة المبنى من جميع الاتجاهات بـ(السقايل) وأكوام من الأبواب والنوافذ الحديدية المهترئة ملقاة بإهمال على المدخل الرئيس للمستشفى، وبالقرب من الأسوار المتصدعة تجد قسم الاستقبال والطواريء تحت الترميم بالإضافة إلى حالة الغرف السيئة والأثاثات المتهالكة التي يمكث عليها المرضى، وعندما تتجول داخل المستشفى تجد المرضى يجلسون على الأرض منذ الصباح الباكر في انتظار وصول الأطباء حتى العاشرة صباحاً ومن المفترض أن تراعي حالة المرضى ويوفر لهم الرعاية الصحية والنفسية المتكاملة، كما أن هيئة المرضى تدل على أنهم في أشد الحاجة إلى الرعاية النفسية قبل الصحية.

وعند دخولك صالة الاستقبال تجد المرضى وذويهم جالسين على الأرض، وإذا أردت أن تصعد لبقية الأقسام فعليك أن تسلك المزلقان المخصص لدفع (نقالات) المرضى أو صعود السلالم، لأن المصاعد الأربعة لا تعمل.



ويقول مواطن التقيته بردهة الاستقبال: لا توجد خدمات صحية على الإطلاق ويعاني المستشفى من نقص الأجهزة العامة والأشعة المقطعية وتعاني جميع الأقسام بالمستشفى من إهمال جسيم وتدنٍ في مستوى الخدمات المقدمة للمرضى، الأمر الذي يدفع بذوي المرضى لنقلهم بواسطة الإسعاف إلى الخرطوم لتلقي العلاج، وفي ذلك تكاليف باهظة وفوق طاقة معظم أهالي المنطقة، ويضيف قائلاً: على سبيل المثال، قسم الحوادث بأي مستشفى في العالم يكون من أكثر الأقسام التي تحتاج لعناية فائقة، ولكن في دنقلا التخصصي عبارة عن صالة صغيرة مكتظة بالمرضى نساءً ورجالاً وغالباً ما يكون خالياً من أبسط مواد الإسعاف مثل: الشاش والقطن والمواد المعقمة وأدوات الجراحة، أما الأجهزة الطبية في قسم الإسعاف فإنها تكاد تكون شبه منعدمة، وأصبحت المستشفى في منأى عن تقديم الخدمات الطبية اللائقة بالمرضى، بل أصبح المثل ينطبق عليها (الخارج مولود والداخل مفقود)..

وتقول مرافقة لمريض (فضَّلت حجب اسمها): مضى على وجودنا بقسم الحوادث أكثر من 10 أيام لحاجة مريضنا للأوكسجين الذي لا يتوفر إلا بقسم الحوادث، نسبة لخلو عنابر المستشفى من الأثاثات بسبب أعمال الصيانة التي بدأت منذ فترة طويلة، لذلك تجد قسم الحوادث يكتظ بالمرضى والمرافقين في جو خانق لتوقف أجهزة التكييف عن العمل، وعندما نطلب الطبيب الاختصاصي لا نعثر عليه وربما يموت المريض قبل حضور الطبيب.

(3)

الأمر لم يختلف كثيراً داخل قسم العمليات، بل يزداد سوءاً، حسب شكاوى ذوي المرضى الذين يحتاجون إلى عملية جراحية، ويقول ممرض بقسم العمليات فضَّل حجب اسمه: إن سبب تأخير إجراء العمليات الجراحية للمرضى يعود إلى مجموعة من الأسباب منها تكرر إغلاق أقسام الأشعة، أما نتيجة لعدم توفر أفلام الأشعة أو المحاليل إضافة للأعطال المتكررة في أجهزة أقسام الأشعة والتي أصبحت غالبيتها معطلة بسبب سوء الاستخدام وغياب الصيانة الدورية، إضافة لعدم وجود اختصاصي تخدير بالمستشفى.



وكان المشهد أكثر صعوبة داخل قسم العناية المكثفة أو كما يسميه أهالي دنقلا عنبر الموت، فالمرضى لا يجدون الرعاية اللازمة ، حيث يتكوَّن القسم من غرفة واحدة تضم ثلاثة أسرِّة أحدها محطم تماماً، وثلاثة مرضى يواجهون شبح الموت بسبب انعدام الكادر المتخصص في مجال العناية المركزة من تمريض وأطباء واختصاصيين، بالإضافة إلى انعدام الأجهزة الطبية الخاصة بقسم العناية وإهمال الموجود من هذه الأجهزة.

ويقول مرافق لمريضة بقسم العناية المكثفة: يعانى المرضى من كافة الإهمال وعدم متابعة الدكتور للمرضى وكأن حياتهم لا قيمة لها ولا يوجد بالقسم سوى بعض الممرضات اللاتي يقمن بعمل الدكتور الذي تفرغ لعيادته الخاصة متناسياً بأن مهنته من أسمى المهن الإنسانية، ولكن بعد موت الضمير لا تسأل عن أي شئ فقد ماتت ضمائرهم.

(4)

وما أن تخطو قدماك داخل قسم جراحة السكر تجد المرضى ومرافقيهم يفترشون الأرض والطرقات، وتقول مرافقة: لا توجد أماكن لانتظار المرافقين لمرضاهم، فيلجأون للجلوس على السلالم وبين الطرقات، كما أن هناك إهمالاً للمرضى من عدم المرور عليهم ومتابعة حالتهم من الأطباء، وكذا من هيئة التمريض الذين لا يعرفون شيئاً عن المرضى، أما العاملات فحدث ولا حرج، حيث لا يتم تغيير للفرش والملايات مما يساعد على نقل الأمراض بين المرضى،هناك إهمال شديد داخل المستشفى من عدم الاهتمام بالنظافة، بالإضافة إلى أن العديد من غرف المرضى لا توجد بها الاستعدادات اللازمة لاستقبال المرضى، كما أن بعض الأسرِّة بدون فرش، وحتى المراتب الموجودة ملطخة بالدماء، ودورة المياه الوحيدة العاملة بالعنبر تحتاج إلى صيانة عاجلة، نسبة للروائح الكريهة التي تنبعث منها مسببة الأذى للمرضى، ثم أضافت قائلة: عنبر جراحة السكر في الطابق الثالث، والأسانسير لا يعمل، ولو جاتك حالة طارئة واحتجت لمخدر أو جونتات للممرضين أو سرنجات عليك أن تشتريها من السوق.



وتقول مواطنة: إن مستشفى دنقلا مثال صارخ للفساد وإهدار المال العام، فقد تم إنفاق ملايين الجنيهات على المستشفى ليستفيد منه المواطنون الكادحون والفقراء الذين يمثلون غالبية الشعب، ولذلك يجب محاسبة المسؤولين عن تصدع هذا المبنى الجديد الذي لم يمر على إنشائه 5 سنوات، وطالبت بالضرب بيد من حديد على الفاسدين، لأننا نتطلع إلى عهد تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والنهضة (على حد قولها).

ويقول طبيب (فضَّل حجب اسمه) التقيته أثناء جولتي بردهات المستشفى: التكدس باستقبال المستشفى مؤشر جيد، ويدل على ثقة المواطنين بالمستشفى، وعدم ذهابهم للخرطوم أيضاً يعد مؤشر جيد لارتفاع مستوى خدمات المستشفى، ولكنه عاد وطالب وزارة الصحة الاتحادية بالتزامها بتوفير التخصصات النادرة التي تتمثل في (اختصاصي أشعة – اختصاصي تخدير - اختصاصي عناية مكثفة و اختصاصي علم أمراض)، ثم ختم حديثه قائلاً: المستشفى لا يوجد بها مشرحة، ويلزمها اختصاصي تشريح جنائي، مشيراً إلى زيادة عدد الموتى بمناطق التعدين ولا يوجد مكان بالمستشفى لحفظ الجثث، وقال إنهم حالياً يقومون بتشريح الجثث تحت ظلال أشجار المستشفى.

ويقول د. محمد همد محمد اختصاصي النساء والولادة: المستشفى بوضعه الحالي يفتقر لكل شيء، لا مفارش ولا ملايات والحمامات مغلقة والإنارة ونظام التكييف يعمل بنظام مركزي، وفي هذا إهدار لموارد المستشفى، وجميع الأسانسيرات لا تعمل إلا عند زيارة كبار المسؤولين للمستشفى، وختم قائلاً: عموماً المستشفى يحتاج لمجلس إدارة متخصص.
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger