الرئيسية » » دمعة لأرض تاجوج والمحلق !!

دمعة لأرض تاجوج والمحلق !!

Written By Amged Osman on الأربعاء، مارس 18، 2015 | 11:29 م

قصة تاجوج والمحلق

الحلقة الخامسة

ود الحليو ..

دمعة لأرض تاجوج والمحلق !!

ما تزال الرحلات تفصح عن فصولها في حكايات "المنسي" .. في سلسلة تحقيقات أملاً أن أكشف لكم فيها سوداناً آخر غير الصورة التي ترونها في وسائط الإعلام المختلفة وتلك التي تتداول في الأخبار.. فالسودان به الكثير المنسي الذي يتوارى خلف ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..)رحلة ما منظور مثيلا..(في تصاوير لمشاهد لم تحفل بها حتى الأفلام نقلتها بالكاميرا والقلم اللذين لاينفصلان عني.. فقبل قراءة التحقيق، أرجو منكم أن تتأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء والنعيم على ظهره محمول.

تحقيق وتصوير : عباس عزت
هل سمعتم بـ(تاجوج) رمز الجمال السوداني .. وقصتها المشهورة.. حينما جسدت العفة حتى أمام زوجها.. و منحت الجمال قيمة مضافة بالكبرياء ورفعة الروح..

ما رأيكم أن أذهب بكم هذه المرة إلى بلد (تاجوج).. ننظر للواقع ونغمسه في التاريخ لنتذوق الطعم المر للحقيقة.

هذه المرة المشهد يأتي من محلية ود الحليو.. مسقط رأس تاجوج والمحلق .. (قصة الريدة القديمة).. التي سيأتي ذكرها..

الحلقة الخامسة
كنت قد حدثتكم في الحلقات الماضية عن سبب زيارتي لمنطقة ودالحليو التي غمرت مياه سد (سيتيت) أجزاء واسعة منها وتسببت في تلوث مياه الشرب بملوحة تنذر بكارثة بيئية وشيكة.. وظهور العديد من أنواع الحشرات الزاحفة والأفاعي التي غزت بيوت الأهالي وسببت لهم الرعب في ظل انعدام الكوادر الطبية المؤهلة بمستشفى المدينة.. زرتها بناءً على عدة اتصالات هاتفية من العديد من قراء صحيفة (التيار)الذين ظلوا يهاتفونني في الآونة الأخيرة بصفة دائمة طالبين مني أن (أتأبط كاميراتي) لعكس حالهم البائس الذي عجزت آلاف الكلمات عن توصيله لجهات الاختصاص والرأي العام .

سوق المدينة!!
بعد أن أنهيت جولتي في المدينة الجديدة التي لم تكتمل حتى لحظة زيارتي للمنطقة في الأسبوع المنصرم، وبعد زيارة محطة تنقية المياه التي وجدتها في مرحلة وضع الأساس.. قررت العودة إلى سوق المدينة واستطلاع المزيد من الأهالي، ومقابلة الجهات الرسمية، بخصوص الكارثة الوشيكة بالمنطقة..

الأستاذ عثمان خالدعمارة، معتمد محلية ود الحليو قال لي إن ترحيل مدينة ود الحليو إلى القرية (10) في إبريل 2015 القادم حسب الموعد المحدد سوف يساعد في توفير شبكة كهرباء حديثة في المنطقة، وشبكة مياه نقية من محطة تنقية المياه الجديدة والتي شارف العمل فيها على الانتهاء، وسوف يكون هناك تغيير كبير في نمط الحياة بالنسبة لإنسان المنطقة، التي ستتحول إلى مدينة حديثة بمرافقها العامة.

وبالنسبة للحي الشرقي والسوق، فقد تم الحصر وفق معايير فنية وهندسية تابعة لإدارة السدود، وحسب الجهات المختصة، فإن الحي الشرقي والسوق اللذان يمثلان 20% من مساحة المدينة، سوف يظل الحال كما هو لأن المياه لن تغمر هذه المنطقة. وسوف يتم الانتهاء من الردمية التي تصدق لها قبل حلول فصل الخريف لربط المدينة الجديدة بالسوق والحي الشرقي، وكذلك شارع الإسفلت الرئيس الذي يربط المنطقة بالطريق القاري. وكل ذلك سوف يتم قبل هطول الأمطار، وأضاف المعتمد قائلاً (نحن في المحلية لدينا مشاريع جديدة في مجال التعليم والصحة والخدمات الأخرى، وسوف يساعد تجميع سكان المنطقة في مدينة واحدة على تقديم خدمات لم تكن موجودة أصلاً لسكان القرى البعيدة، كالتعليم والصحة والكهرباء ومياه الشرب النقية).

وقال لي المعتمد إن منشآت السد خففت عبئاً كبيراً بتوفير الخدمات التي كانت تقوم بها المحلية، فقد أصبحت السدود معابر ثابتة، وربطت المحلية بالفشقة والطريق القومي، وقد كنا نستخدم المراكب في فصل الخريف للخروج والدخول إلى المنطقة.

أما بخصوص الأمن في المنطقة باعتبارها منطقة حدودية، كانت قد شهدت في السابق توترات مع الجارتين إثيوبيا وإريتريا، يقول الأستاذ عمارة: عموماً المنطقة آمنة، وقد تمت السيطرة على الظواهر السالبة التي كانت تتم بالمنطقة، وهناك قوات مشتركة مكونة من منطقتي القضارف وكسلا العسكرية لحماية السدود والحدود الشرقية، وأيضاً هناك قوات حماية المحصول، وقال إن الشرطة وجهاز الأمن والجيش ساعدوا كثيراً في بسط الأمن واستقرار المنطقة.

وبخصوص الآثار السالبة للسد المتمثلة فى الأضرار البيئية وتلوث المياه، يقول السيد المعتمد: جلسنا مع إدارة السدود لدراسة الآثار البيئية المترتبة على قفل السدود، وتم تكوين غرفة لمراقبة زيادة المياه والتعامل معها وفق الحالة، وأيضاً طلبنا من وزير التخطيط بولاية كسلا إيفاد فريق لإعادة تأهيل الآبار المعطلة حالياً للحد من استهلاك مياه السد الملوثة، كما قمنا بتوفير أدوية الطوارئ تحسباً لأي أمراض ناتجة عن مياه السدود، وختم قائلاً: الحمد لله لم تظهر أي حالة مرضية لها علاقة بالمياه حتى الآن.

أما السيد حسين علي عوض عجيل، ابن العمدة (علي عوض عجيل مؤسس مدينة ود الحليو الحديثة) قال لي إن على إدارة السدود والدولة مراعاة إنسان المنطقة، فالقرى الجديدة لم تكتمل بعد، ومياه السد بدأت فى غمر المنطقة، وظهرت بوادر الكارثة البيئية فى تلوث مياه الشرب، وانتشار الثعابين والعقارب بصورة مخيفة داخل المنازل، وقال إن مدينة ود الحليو موعودة بكارثة بيئية بسبب عدم وجود كوادر طبية مؤهلة بالمستشفى.

وعن الوضع بالقرى الجديدة، يقول الأستاذ حسين: المنطقة طرقها وعرة ولا توجد حتى مجرد ردمية، وحتى ناس السدود يتوقف عملهم في الخريف، فما بالك بالمواطنين، وسوف يكون هناك موت جماعي نتيجة للإهمال واللامبالاة من قبل المسؤولين.

ويرى الأستاذ حسين أن الحل في فتح بوابات السد لتصريف مياه البحيرة لحين الانتهاء من تشييد القرية الجديدة، مع العلم بأن الخريف على الأبواب.

نبذة تاريخية عن (ود الحليو)
تقع مدينة (ود الحليو) على الضفة الشرقية لنهر سيتيت الذي ينبع من المرتفعات الأثيوبية.. و يفصل بين أثيوبيا وإريتريا ويجري داخل الأراضي السودانية إلى ملتقاه بنهر عطبرة بالقرب من مدينة الشوك الريفية.. وهي مقر قبيلة الحمران قبل قيام السلطنة الزرقاء..

وقبيلة الحمران هي إحدى القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة العربية قبل عدة قرون، وينتمي الحمران إلى قبيلة (مضر الحمراء) التي تفرعت منها كنانة وقريش، وجدهم محمد الأحمر بن مضر بن النزار، ينتسب إلى الحسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ومنه اشتقت تسمية (الحمران)، اختلط الحمران بالبجا بساحل البحر الأحمر وتزوجوا منهم وخلفوا (الارتيقا).. لم يطب لهم المقام هنالك نسبة لقلة الكلأ والمرعى، فاتجهوا شرقاً إلى نهر سيتيت..

عندما هاجر المك نمر إلى الشرق استضافته قبيلة الحمران بزعامة عوض بن عجيل بن النور الذي زوجه المك نمر من ابنته واستقر بجوارهم، وما زالت المصاهرة بينهم حتى الوقت الحاضر..

مازالت عمودية الحمران منذ التشكيل الذي تم عام 1937 تحت زعامة العمدة (علي عوض عجيل عوض عجيل) وهو أشهر الناس معرفة بالحدود السودانية الإثيوبية ، ولا يفوتني أن أذكُر بأنه عند حل الإدارة الأهلية في عهد مايو تم استثناء العمدة (علي عوض عجيل) لما سلف ذكره ولطبيعة المنطقة التي افتتحت بيد (الحمران) الذين يمتازون بالفروسية والكرم والشجاعة ..

كانوا يمارسون الرعي والآن تحولوا إلى الزراعة، ومن أشهر مناطقهم الزراعية في ود الحليو، القرقف والفشق .

وعن حدود العمودية الحالية، قال لي الأستاذ حسين هي علي امتداد نهر ستيت داخل الأراضي السودانية، شرقه وغربه ،والضفة الشرقية لنهر عطبرة إلى ملتقى خور القرقف بنهر عطبرة وكذلك الضفة الشرقية والغربية لنهر باسلام عند جبل أبو طيور وقلع اللبان .. فهذه العمودية تحدها دولتان هما أثيوبيا وإريتريا وهذا الوضع الجغرافي يميزها عن بقية العموديات في بقية السودان أجمع ..

وقبيلة الحمران هي القبيلة الوحيدة التي أمنت هذه الحدود منذ التركية السابقة ودافع عنها الحمران بأرواحهم وما زالت قبورهم خير شاهد على ذلك على امتداد الحدود الإثيوبية والإريترية وكذلك زرعوا الخط الحدودي ووضعوا المعالم لذلك، التي ما زالت إلى يومنا هذا المرجع الوحيد للخارطة الحدودية الدولية لهذا الجزء من شرق السودان.

أحفاد المك نمر..!!
وعن تركيبة مجتمع ود الحليو السكاني – القبائل والنشاطات، يقول الأستاذ حسين :

السكان الأصليون هم الحمران، و زعيمهم عوض بن عجيل بن النور الذي تزوج بنت المك (نمر) ملك الجعليين حينما أتى مهاجرًا إلى الشرق ومنذ ذلك الحين توالت المصاهرة بين الحمران والجعليين ويوجد بالمنطقة الآن أحفاد المك (نمر) وكثير من فروع الجعليين المختلفة، وهم درع متين لهذه المنطقة.

كما حظيت المنطقة بقبائل نشطة في مجال الزراعة والرعي والتجارة واستجلبتهم خيرات المنطقة – مثل كنانة (وهم فروع من الحمران) – البني عامر – اللحويين – الفلاته – الهوسا – البرنو – البرقو – التعايشة – الفور – الظبرنا – البلالة – الرشايدة – الكواهلة – الشرفة البوادرة – الأحامدة – الهدندوة – النابتاب – الشكرية وغيرهم ..

ثم دفع لي بمجموعة من الأوراق القديمة، قائلاً: سوف تجد في هذه الأوراق كل شيء عن قبيلة الحمران وود الحليو والمك نمر.. وسوف تجد أيضاً أحلام الوالد رحمه الله قبل عقدين من الزمان في أن تفتح لنا مدارس ثانوية عليا للبنين والبنات ومستشفيات وأن تربط المنطقة بشبكة الكهرباء وأن يتم توصيل الكهرباء للمنازل وأن يتم توصيل شبكة للمياه وتعبد الطرق وتشيد الكباري وأن يكون بالمنطقة بنك للثروة الحيوانية وآخر للزراعة وجهاز كامل للمطافئ ومن الأشياء الأكثر أهمية والتي كان العمدة يتمنى أن تنظر إليها الدولة بجدية وأن تعجل في تنفيذها هي إقامة خزان ستيت والذي كان يسميه بـ(شريان الشرق) عند ملتقى النهرين (عطبرة وستيت) لأهميته الكبيرة بالنسبة للمنطقة..

تفحصت الأوراق ووجدت فيها كنزاً من المعلومات عن تاريخ المنطقة وقبيلة الحمران وعلاقتهم بالمك نمر..

ويقول العمدة علي عوض عجيل في مذكراته التي كتبها قبل أكثر من عقدين من الزمان عن أهم الأحداث التي مرت به إبان توليه عمودية ود الحليو:

العمدة يرفض الإجلاء..
أذكر إنه حدث في فترة الحرب العالمية الثانية أن طلب مني الإنجليز أن أخلي المنطقة واتجه غرب نهر عطبرة حفاظاً على سلامة الأرواح والممتلكات من خطر الإيطاليين الزاحفين من الأراضي الأثيوبية فرفضت ذلك وأخبرتهم بأن الحمران لن يتزحزحوا شبرًا واحدًا عن موطن أجدادهم وسيدافعون عن أرضهم أو يسقطوا دونها وبحمد الله كفى الله المؤمنين القتال ، وانحسر زحف الجيش الإيطالي عن الأراضي الأثيوبية.

و عن أهم أعماله خلال توليه العمودية يقول :
أذكر بأن المستعمر رأى أن تكون المناطق الحدودية مناطق مقفولة للمرعى ولكن رغم ذلك شجعت المواطنين على زراعتها بعد استصلاحها لكي تثبت ملكيتها للسودان، وحتى الأثيوبيين الذين كانت لهم زراعة على الشريط الحدودي كنت أفرض عليهم عوائد على الأرض لكي تكون حجة لنا بالملكية إن دعا الداعي وكنت مهتماً كثيرًا بترميم وإعادة المعالم الحدودية التي كثيرًا ما كان يتغول عليها الأثيوبيون وقتذاك ..

ومن الشخصيات التي علقت بذاكرته يقول العمدة علي :
1. أذكر الميجور الانجليزي(صموئيل توماس) الذي كان مندهشاً جدًا بالثروة الهائلة من الحيوانات البرية الغير أليفة مثل الفيلة والأسود والنمور والزراف والغزلان وغيرها – وكان منذهلاً حقا من شجاعة (الحمران) لاصطيادهم الفيلة والنمور بالسيف، وكانواً لايصطادونها من أجل الانتفاع بها فحسب ولكنه ضرب من ضروب الفروسية كانوا يمارسونه في فترة هدنة الحرب مع الأحباش على النزاع الحدودي، فلفت نظري للحفاظ علي هذه الثروة خوفاً من انقراضها وذهب معي إلى الحدود وكان برفقتنا قافلة من المساحين واستغرقت الرحلة قرابة الشهر وكنت أشير إليهم على النقاط الحدودية وكان جلها عبارة عن حجارة وضعت على قبور (الحمران)فنصبنا عليها أعمدة من الخرسانة المسلحة وبعضاً من هذه المعالم على الجبال مثل :

- اللقدي – قلح الزراف - قلع النحل – قلع اللبان – جنبرت على الحدود الأثيوبية

- جبل نوار – الكرتيب – قلعة دنباي – ومديسيس – وكل هذه على الحدود الإريترية. (وهي الآن نقاط للتحكيم كلما نشب نزاع بين الجارتين أثيوبيا وإرتريا) .

2. أيضاً أذكر أخي سيد أحمد حسين – حكمدار شرطة القضارف الرجل الذي له غيرة شديدة على الحدود وكان يناقش معي باستمرار الطريقة المثلى لوقف التعدي الإثيوبي السابق على أراضينا فاتفقنا على وضع نقاط للشرطة على طول الحدود وقد كان ذلك وإلى اليوم عين ساهرة تحرس في سبيل الله.

3. كما لا يفوتني أن أذكر أخي اللواء توفيق صالح أبو كدوك قائد فرقة خشم القربة العسكرية كان قائداص محنكاً وشجاعاً كل همه الحفاظ على كل شبر من تراب أرضنا من دنس الأحباش كان دائماً يحضر بطرفي ونطوف معاً متفقدين ومسلحين قاهرين كل من تسول له نفسه انتهاك حرمة أراضينا وكذلك نعيد كل معلم من معالم الحدود دثرته العوامل الطبيعية .

فعليكم يا شباب الوطن صون أوطانكم ففيها معزتكم والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين..

ومن الشخصيات التي زارت المنطقة خلال فترة عموديته يذكر:

السيد/ الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق

السيد/ عبد الرحمن نقد الله وزير الداخلية السابق

السيد/ محمد الباقر أحمد النائب الأول للرئيس نميري

السيد/ د. طـــــــه باعشر وزير الصحة الأسبق

السيد/ اللواء.م. توفيق صالح أبو كدوك قائد الفرقة خشم القربة سابقاً

السيد/ د. عوض أبو الجاز وزير شؤون الرئاسة الحالي

السيد/ الشريف أحمد عمر بدر والي ولاية القضارف

السيد/ د. إبراهيم عبيد الله وزير التجارة السابق

أعضاء حكومة ولاية (القضارف)

ونواصل غداً بإذن الله.. في قصة تاجوج والمحلق..!!
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger