الرئيسية » » قضية الفساد والإفساد (1): الفساد البيئي" .. بقلم: حنان الأمين مدثر

قضية الفساد والإفساد (1): الفساد البيئي" .. بقلم: حنان الأمين مدثر

Written By Amged Osman on الخميس، يناير 22، 2015 | 11:41 ص

سودانيل

يقول الحق عز وجل في كتابه الكريم.... بسم الله الرحمن الرحيم "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون". صدق الله العظيم (الروم – 41)

يبدأ "الفساد والإفساد" مع النفس حين ينزع عنها الحياء من الإتيان بما هو منكر وتنكره النفس البشرية السوية من ضروب الأفعال القبيحة والمنكرة. يدخل في ذلك الفساد المالي والاقتصادي والاداري والسياسي والاجتماعي. منها المحسوبية، والرشوة، والإختلاس، والابتزاز، وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين والنظم السائدة، وأخذ مال الغير بدون حق. وقد أفضى ذلك إلى الفساد البيئي الإجتماعي وما يحيط بهذه البيئة الاجتماعية ويعتريها من عادات وثقافات وتقاليد أصبح يشوبها ما يشوبها من رداءة سؤ الخلق وعدم إبراء الذمم في الوظيفة الموكلة له/ لها والغش، والتلاعب في وقت العمل وإضاعة الوقت.. وصدق رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين قال: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

تعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه "استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة". أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه "إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص". ومحصلة الفساد تفضي بدورها الى زيادة التضخم والتردي الاقتصادي والمعيشي والفقر.

لقد جعلنا الله مستخلفين في هذه الارض لنعمرها وننهل من فيضها.. من فيض مواردها وثرواتها (غير المتجددة) وأنعامها وثمارها وزرعها وغرسها، لنشيد العمران ونصنع ما نحتاجه من لوازم للعيش، وتطوير لتقنيات العصر. ولكن.. يبقى السؤال هل كل ما هو مسخَّر لنا من نِعم لنفسد في بيئاتنا أم نحافظ عليها ونحميها، ونستغل ثرواتها الاستغلال الامثل؟. يقول تعالى.... بسم الله الرحمن الرحيم "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلك خير لكم إن كنتم مؤمنين". صدق الله العظيم (الاعراف – 85)

إن مبدأ الاستخلاف في الأرض وهو قلب هذه الموازين والنواميس الكونية التي وضعها الخالق عز وجل منذ أن خلق هذه المنظومة الكونية المتناسقة الرائعة، حريٌ بنا أن نراعِ فيه دراسة النظم الإيكولوجية والبيئية والإجتماعية جنباً إلى جنب مع العائد الاقتصادي للمشروعات للوصول لتنمية متوازنة ومستدامة. إذ أن العائد الاقتصادي والمربح لا يتأتى وسيصبح المشروع ليس ذا جدوى تنموية مستدامة إن لم يراعِ الأطر البيئية والاجتماعية معاً. فلابد أن نستصحب في مشروعاتنا التنموية والخدمية (عمران – طرق – صناعة – خدمات) دراسة جدوى الأثر البيئي والإقتصادي والإجتماعي(EIA) في آن واحد للمشروع المستهدف. بل وعدم التغول على حقوق الأجيال الحالية والقادمة بإهدار مواردها الطبيعية والإستغلال غير المرشد لإفسادها وعدم إتيانها والإستفادة منها مرة أخرى. إذ أن هذه الموارد "ناضبة" ولا تتجدد عبر الزمان.

وما أحسب قضية "الفساد البيئي" (Environmental Corruption) و"الإفساد في الأرض" إلا وجهان لعملة واحدة ... وليس قضية "الفساد البيئي" بأقل من ذلك حين يشرع مواطن أو موظف أو مسئول في العمل على إفساد البيئة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. وأخطرها حين يغض الطرف عن الإتيان بالحلول الناجعة والعملية الآنية والمستقبلية.. إذ من الأهمية بمكان الأخذ في الإعتبار أن حماية البيئة مسئولية مشتركة يشارك فيها المرأة والرجل، الصغير والكبير، المتعلم وغير المتعلم، الأجهزة الحكومية والتنفيذية وعامة المواطنين.

فمثلاً قضية النظافة وإصحاح البيئة في الشارع العام آلية تكاملية يشترك فيه المواطن والمسئول في آن واحد، فليس من المعقول والحكمة والمسئولية أن يلقي مرتاد الطريق (راكباً أو راجلاً) بالنفاية جُزافاً، بل عليه أن يلقي بها في الأماكن المخصص لها حتى وإن دعا الأمر أن يحتفظ بها حتى يجد المكان المخصص لها، لأن هنالك من عمال النظافة من يسعى جاهداً وينظف القمامة من على الطريق رغم الدخل المادي البسيط الذي يقتاته، ويأتي آخر غير مبال أو مكترث يقوم بإلقائها .. كما أنه ليس من الحكمة والمسئولية أن تترك النفايات مكشوفة في العراء ليالٍ وأياماً وسط الأحياء لتكون مرتعاً للذباب والحشرات والحيوانات (الفئران والقطط والكلاب)، والنباشين. فعلى آليات النظافة من محليات وغيرها من اجهزة تنفيذية وسياسية تحمل المسئولية ونقل هذه النفايات بصورة دورية راتبة وفرزها وطمرها في أماكن مخصصة لذلك وفق لوائح صحية وعلمية.

كما أنه يمنع التغول على "مصادر المياه" وعدم إهدارها (نهر النيل والحفائر والآبار) بدفق أي نوع من الملوثات بها (كدفق النفايات – الصرف الصحي والصناعي والزراعي– صرف مخلفات الاسمدة والكيماويات - غسيل العربات والشاحنات بها ..إلخ). فالموارد المائية نهانا رسولنا الكريم عن التبول والتبرز بها، بل وترشيدها وعدم الإسراف فيها – حين أرشد رسولنا الكريم سيدنا سعد وهو يتوضأ على "طست" حين قال (صلى الله عليه وسلم) "لا تسرف في الماء يا سعد" - وهل في الماء سرف يارسول الله - "نعم ولو كنت على نهرٍ جارٍ". ويتوجب علينا حماية هذه الموارد المائية لأن جُل أهلنا في السودان يشربون منها مباشرة، وبالحفاظ عليها نقي أنفسنا من الأمراض المزمنة والوبائيات وهي جميعها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بتلوث المياه والأطعمة وصحة البيئة (النزلات المعوية والاسهالات – الكوليرا – الايبولا - السرطانات – التهاب الكبد الوبائي - الملاريا – التايفويد –– الحميات). ليس هذا فحسب بل ما يخلفه تلوث مياه نهر النيل من ضياع للثروات السمكية والاحيائية. زد على ذلك إن رأى عطباً في ماسورة مياه أو طفح صرف صحي بالشارع عليه أن يخطر فوراً جهات الاختصاص ولا يتأنى في ذلك...

كذلك من مظاهر سؤ استغلال المصادر الطبيعية واتلافها ما يلي:

- اتلاف التربة الزراعية أو تدميرها.
- استزاف المصادر المائية وتلويثها.
- استنزاف المعادن (الاسراف في استغلالها).
- إبادة الغابات والأحزمة الشجرية والخضرية وقطعها حرقها وعدم إعادة استزراعها.
- التخطيط الحضري غير السليم (في مساقط السيول والفيضانات، أو المتكدس الذي لا يراعي وجود المتنفسات والمنتزهات العامة والحرم العمراني ..).
- التبول والتغوط في العراء.
- تلوث الهواء بمختلف الوسائل.
- التغول على المتنفسات (أماكن الترويح عن النفس).

إن الموارد الطبيعية موارد غير متجددة (عدا الشمس)، أي يعني باستنزافك لها يعني دمارها وإبادتها.. ونجد شاهداً على ذلك الترابط الوثيق بين إنتشار المجاعات و"استنزاف المصادر الطبيعية"، وبين التصحر والتغير المناخي و"إبادة الغابات والأحزمة الخضرية والشجرية". لذا يتطلب الأمر عدم استنزافها واستغلالها الاستغلال الامثل، وإعادة تجديد واستزراع الغابات والأحزمة الخضرية والشجرية. كذلك استخدام الطاقات النظيفة في جميع مناحي الحياة.

فلا يستصغر أي منا هذه الفعائل، إذ ان "معظم النار من مستصغر الشرر"، وهذا ما نعانيه اليوم من جراء الإفساد في البيئة والأمراض المزمنة والحميات (الحمى القلاعية أو النزفية – حمى الضنك – الحمى الصفراء - الكوليرا) التي تجتاح البلاد، وكل ذلك بدءاً ونتيجة للسلوكيات القبيحة والمنكرة وعدم التقيد بصحة البيئة.

فكيف إذاً تتأتى التنمية المستدامة أو قضية الإعمار التي ننشدها في ظل الافتقار إلى نظرة ثاقبة طويلة المدى للخطط والضوابط؟ إن ما نحتاجه هو نظرة ثاقبة وعميقة ومتأنية ومتأصلة لقضية البيئة تنبع من ديننا الحنيف، وأن نكرسها في جميع خططنا وبرامجنا الاستراتيجية قصيرة وطويلة المدى، بل وفي حياتنا اليومية لكرامة ورفاهية الانسان بما أتاحه له الشارع الكريم... كيف لا والحق عز وجل يقول في محكم تنزيله... بسم الله الرحمن الرحيم "ولقد كرمنا بني آدم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". صدق الله العظيم (الإسراء – 70)

فلنشمر السواعد ونشحذ الهمم طاعة لله لننعم بوطن رخاءاً وجلاءاً وأماناً من كل منكر ومكروه، وبيئة صحية معافاة.. بسم الله الرحمن الرحيم "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين". صدق الله العظيم (البقرة – 251)

أقول قولي هذا وأسأل الله السداد لي ولكم وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من صالح القول والعمل،،،

حنان الأمين مدثر

باحثة في استراتيجيات البيئة

رئيس منظمة المبادرة البيئية للتنمية المستدامة

hanan_muddathir@yahoo.co.uk
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger