الرئيسية » » لا للأنانية: في كل خريف تُحدث العربات وآليات الحَفر حُفرا عميقة تمتلئ بالمياه فتتسبب في غرق الأهالي وماشيتهم.. إنها حُفر الموت بـ مويكحة

لا للأنانية: في كل خريف تُحدث العربات وآليات الحَفر حُفرا عميقة تمتلئ بالمياه فتتسبب في غرق الأهالي وماشيتهم.. إنها حُفر الموت بـ مويكحة

Written By Amged Osman on الاثنين، ديسمبر 29، 2014 | 3:13 م

اليوم التالي

تحقيق - نمارق ضو البيت

أصادم أن نقول إن هناك أناسا يتسببون في إزهاق أرواح بعضهم البعض كل عام، دون قصد منهم؟ لا تستغربوا، فهذا ما حدث ولا زال يحدث بقرية (مويكحة) التابعة للريف الجنوبي بأم درمان؛ ففي كل خريف تمتلأ المياه الحُفر العميقة التي تُحدثها عربات وآليات الحَفر بغية استخراج المواد المستخدمة في أعمال البناء، فتتسبب في غرق الأهالي وماشيتهم، دون أن تقف أية جهة حكومية أو إنسانية عند حجم المأساة. لا أحد يشعر بوجعهم لفقد أبنائهم، وأحبائهم، وأصدقائهم، فقط هم من يتجرعون مرارة الألم سنوياً، رغم حرصهم الدائم على عدم الاقتراب من منطقة الحفريات، إلا أن الأقدار كانت دائما أقوى من نصائحهم وإرشاداتهم لأطفالهم، فمن يستطيع أن يمنع طفل شقي من التسلل خلسة للعبث بمياه المطر؟

لا تبعد هذه المحاجر كثيرا عن المناطق السكنية، ورغم ذلك يصر أصحابها على استمرار أعمال الحفر، ليس لسوء نواياهم، إنما لبساطتهم وجهلهم بالقانون كما اتضح من تعليقات الأهالي الذين تحدثوا عن غرق البعض على شماعة الأقدار، كما تفاوتت آراء السكان بين مؤيد لفكرة وجود المحاجر ومعارض لها، فالبعض أرادها لاستفادة القرية من نسبة 15% من إيراداتها، ومن رفضها برر ذلك بالخوف على أرواحهم، ومن جانب آخر تذمر أصحاب المحاجر القانونية من قانون المحاجر الذي رأوا بأنه غير رادع، وهذا ما نفته مصلحة الأراضي.

قصص المواطنين
(إبراهيم يوسف حامد) المولود في "الخلا الفوق" بالقرب من شمال كردفان- تكرم بأن يكون دليلا للرحلة الصحفية التي نفذتها (اليوم التالي) ويعمل سائقا منذ زمنٍ لا يذكره لذلك يحفظ الطرقات شبراً شبرا، يقول إن هذه الحفر ابتلعت في قعرها أطفالا، ونساءً، ورجالا أيضا، وحكى قائلاً: منذ ثلاثة أعوام غرق ابنا صديقي: 9 و10 سنوات، لم يكن الحادث الأول ولن يكون الأخير، وقبل عام غرقت فتاة أثناء مشيها بالقرب من تلك الحفر التي تمتلئ بمياه الأمطار، فتأخذ شكل بحيرات لفترة طويلة، وفي بعض الأحيان تبقى ممتلئة حتى الخريف المقبل، ورغم سأمنا من تكرار هذه الحوادث، وتجرع حزننا على أعزائنا، وفعلا نريد حلا يحسم هذا الأمر نهائيا.

ووافقه الرأي المواطن بذات المنطقة (محمد علي محمد)، الذي استرسل قائلاُ: هذه المحاجر كانت في يوم ما أراضي زراعية، قام استثمرها أصحابها لأصحاب الشركات المختصة في هذا الأمر للحصول على دخل أفضل دون بذل جهد كالذي تتطلبه الزراعة، فهم لا يفعلون أكثر من المجيء يوميا لمراقبة سير العمل، كما أن اللجنة الشعبية مستفيدة كذلك من إيرادات هذه المحاجر.

ويقول مرتضى دفع الله، أحد سائقي العربات التابعة لشركات الحفر بتلك المنطقة: إن الكثير من سائقي العربات يفضلون أخذ مواد البناء من الحفر القريبة، كتلك الموجودة في الريف الجنوبي، توفيرا للزمن والوقود، والثاني إذا فاض سيستفيد منه السائق.

أما المواطن (الشيخ خالد) فقال: تظهر مثل هذه المشكلات في مناطق الحيازات الواقعة في الأطراف والأرياف، والسبب يعود لإهمال الجهات الرقابية لها، والتي لا تظهر إلا حين تقرر المحلية تخطيطها، لكنها لا تكترث كثيرا بمسألة التفقد والرقابة على هذه المناطق بصورة دورية. وللأسف، يعاني السكان من تكرار تجارب الغرق، بجانب فقدهم مواشيهم في هذه الحفر.

سكان مويكحة 
داخل القرية ثمة مجموعة من الرجال يتسامرون تحت ظل إحدى الرواكيب، سألتهم عن موقفهم من هذه المحاجر فأجابني واحد منهم وهو يقدم نفسه قائلا: اسمي (مجدي الدليل)، وبمنتهى الصراحة أنا أرى أن القرية مستفيدة جدا من هذه المحاجر، لأنها تخصص نسبة 15% من إيراداتها للجنة الشعبية بالقرية، لأن الجهات المسؤولة لم تهتم بأبسط مقومات الحياة في قريتنا التي تفتقر للكهرباء، شبكة المياه، المدارس، المركز الصحي، ولولا هذه النسبة لما تمكنت اللجنة من توفير الطوب لبناء المركز الصحي. ووافقه (محمد عبد الله) الرأي، وكذلك معظم الموجودين في ظل الراكوبة.

أما الفاتح الدليل فقال: بالفعل لهذه المحاجر أضرار على المنطقة وسكانها، ويجب أن تكون هناك رقابة اكبر للحفاظ على حياة المواطن، ويمكن لهذه الشركات الاستفادة من الرملة الموجودة في المنطقة، باعتبار أنها لن تضر السكان.

وبعد الفراغ من الاستطلاع بمويكحة طلبت منهم أن يرشدوني إلى مقر رئيس اللجنة الشعبية للقرية، فأفادوني بأنه لا يسكن فيها، إنما يسكن أمبدة، لكنهم تكرموا بإعطائي رقم هاتفه.

اللجنة الشعبية
اتصلت بالسيد (بحيري الدليل موسى)، رئيس اللجنة في ذات اللحظة، فأفادني قائلاً: المحاجر المصدقة من المحلية خاصة بأخذ الرملة فقط، كما أننا ضد أن تكون المحاجر بالقرب من المناطق السكنية، لذا لم نعطِ أي شخص إذناً باستخدام أرضه كمحجر، لأنها تضر بالمواطن والحيوان وقد سببت إزهاق أرواح الكثيرين، ورغم أن اللجنة تملك صلاحية منع استمرار عملية التحجير في المنطقة، إلا أننا نريد التعامل مع المواطنين بالتي هي أحسن، وإن لم يفلح الأمر فسنتخذ ضدهم الإجراءات القانونية، واستطرد رئيس اللجنه قائلاً: هذه المحاجر موجودة في الأراضي التي ليس فيها ضرر على سكان القرية، وكذلك، نحن ساعون في الشروع بتصديق محاجر قانونية معتمدة، بعيدا عن المناطق السكنية، كما أننا استخدمنا حفر المحاجر القديمة في مشروع الاستزراع السمكي، وكان ذلك بإشراف معتمد المحلية، وكذلك من الحلول الممكن اتباعها لتفادي حوادث الغرق عمل سلك شائك حول الحفر وتوخي البعد من المناطق السكنية. وأردف: المشكلة الحقيقية للمنطقة لا تتمثل في المحاجر، فالقرية تعاني من مشاكل بيئية وصحية بسبب مشروع الأمن الغذائي الواقع على مقربة من القرية، ويضم ما بين 30 إلى 40 ألف ثور، ما يثير الغبار، ويخلق مناخا جيدا لتكاثر الذباب، وهذا ما أصاب الكثير من سكان المنطقة بالأزمات الصدرية ومشكلات التلوث الغذائي.

من أصحاب المحاجر العشوائية بمويكحة
(عمر الأمين)، صاحب الأرض التي تستخدم كمحجر في قرية مويحكة قال لـ(اليوم التالي): هذه الأرض هي عبارة عن ارض زراعية ورثناها أبا عن جد، قمنا باستثمارها كمحاجر بعد أن جفت مياهها نسبة للمتاريس التي شيدت على مقربة منها، وبالتالي بات من الصعب وصول المياه إليها، ولم نتخذ هذه الخطوة إلا بعد استشارة كل الورثة المعنيين بالأمر، ولم يتجاوز عمر هذا المحجر العامين، ولم يغرق فيه أحد إلى الآن، وكل الحوادث التي وقعت كانت في منطقة عد (أب حوت) المجاورة لنا، والتي تم دفنها اليوم، أما فيما يتعلق بغرق المواطنين فإن المحجر ليس ملاصقا لحدود القرية ويبعد عنها كيلومتر تقريبا، والسكان حريصون على توصية صغارهم بعدم الذهاب إلى تلك المنطقة في الخريف.

أما شريكه في المحجر، (عمر مصطفى)، فقال: صحيح أن المحاجر تمثل خطرا بالغرق في الخريف لعمقها، لكن إنسان المنطقة أكثر دراية بشعاب المكان، لذا هم الأكثر حرصا على سلامتهم، ويخبرون أطفالهم بألا يصلوا إلى هذه الحفر، وكذلك لا يستخدمونها كمرعى لبهائمهم، وحال غرق شخص ما فذلك يصبح قدرا، خارجا عن سيطرتنا.

جهات الحفر مرخصة
المهندس (حسن عابدين)، وهذا هو اسمه المستعار، صاحب محجر مصدق له من قبل إدارة المحاجر قال إن الجهات الحكومية لم تولي مسألة التحجير العشوائي اهتماما يتناسب مع حجم الأضرار البيئية والإنشائية التي تُحدثها في الأرض، فالتحجير غير القانوني يكون بمثابة التعدي على المال العام للدولة أولاً، من ثم يؤثر على تركيب جزيئات الأرض التي تصبح أكثر هشاشة، ما يظهر لاحقا في شكل الأرض، وهذا ما يعرض أنابيب المياه للكسر غالبا، بسب عدم ثبات التربة، كما أن مصلحة الأراضي تهتم بالعشوائي السكني دون الالتفات للعشوائي في التحجير، رغم خطورة الأخير، وكذلك، هناك تقاطع وتداخل في الصلاحيات بين إدارة المحاجر وجهاز حماية الأراضي، ما يزيد من سوء الأمر، ويضيف المهندس عابدين: كما أن هناك نظاميين يقومون بعمليات التحجير بدون تراخيص قانونية، وكل ذلك يعود لضعف القانون واستسهال المحجر للكفالة التي لا تتجاوز الألفي جنيها، وإذا ما قارنّا الغرامة بحجم الدخل الذي يجنيه المحجر نجد أنها قليلة جدا، فهو يجني هذا المبلغ في يوم، وانا كصاحب محجر قانوني أقترح حجز آليات الحفر لفترة معينة، من ثم إعادتها لصاحب المحجر العشوائي.

جهاز حماية الأراضي
يقول المدير العام لمصلحة الأراضي إن قانون المحاجر بولاية الخرطوم صدر في العام 2008م، وهو قانون صادر من المجلس التشريعي لولاية الخرطوم، يهدف لتحديد ملكية المحاجر بالولاية لوزارة التخطيط العمراني، وهي التي كفل لها القانون حق منح تراخيص المحاجر وتحديد أماكنها وفقا للمخطط الهيكلي المجاز، وتمارس الوزارة هذا الاختصاص بواسطة لجنة تشكل وفقا لأحكام القانون وتضم في عضويتها كل الجهات ذات الصلة من وزارة الزراعة والبيئة والآثار، وذلك تحسبا لتداخل الصلاحيات، وأضاف: في رأيي أن هذا القانون رادع جدا، إذ أعطت المادة 14 منه للوزارة حق إيقاف العمل بالمحاجر إذا تبين مخالفتها لشروط العقود والتراخيص، وتتفاوت العقوبة بين السجن والغرامة ومصادرة المواد المستخرجة من المحجر لصالح وزارة التخطيط.

وهناك عمق محدد لا ينبغي للمحجرين تخطيه هذا بحسب نوع المادة المستخرجة، فإذا كانت رملية فإن العمق لا يتجاوز الـ 3 أمتار، أما لو كانت مواد ردميات طرق، فإن الحد الأقصى هو 5 أمتار، ولا بد أن تبعد المحاجر عن المناطق السكنية ما لا يقل عن مسافة كيلومترين، واستطرد: لا شك أن التحجير العشوائي يشكل هاجسا لإدارة المحاجر، لذا تعمل بقدر المستطاع لإيقافه ومطاردته، وفي هذا الإطار تم تكوين لجنة مخالفات المحاجر لتقوم بطواف ميداني، من ثم فتح بلاغات ضد العشوائيين، الذين يتسببون في ضرر بيئي للأرض.

كما لا يجوز استخدام الأرض لغير أغراضها، كما يفعل المحجرون العشوائيون، باستخدامهم لأراضيهم الزراعية كمحاجر، وهذا مخالف للمادة 85 مع 62 من قانون التخطيط، نافيا تداخل الصلاحيات بين الأراضي والزراعة وقال إن وزارة الزراعة ممثلة في لجنة منح التراخيص، لذا من غير الوارد تداخل الصلاحيات بين الجهتين.
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger