الرئيسية » » جزيرة لبب .. عبقرية المكان (3) .... تحقيق وتصوير: عباس عزت

جزيرة لبب .. عبقرية المكان (3) .... تحقيق وتصوير: عباس عزت

Written By sudaconTube on الأحد، سبتمبر 28، 2014 | 12:52 م

تحقيق وتصوير: عباس عزت

الحلقة الثالثة

المنسي .. سلسلة تحقيقات أكشف لكم فيها سوداناً آخراً غير الذي ترونه فى الإعلام وتسمعون عنه في الأخبار.. السودان المنسي الذي يختفي في ظلام الإعلام، يكابد مرارة الحال وشظف الواقع..رحلة ما منظور مثيلا مشاهد ولا في الأفلام صورتها لكم بقلمي والكاميرا التي لا تنفصل مني.. قبل قراءة التحقيق، أرجوكم تأكدوا من وجود صندوق مناديل الورق بجواركم لمسح الدموع.. دموع الحسرة على وطن يقتله الشقاء والنعيم على ظهوره محمول..

هذه المرة من جزيرة لبب .. عبقرية المكان ومسقط رأس الإمام محمد أحمد المهدي وجده الخامس حاج شريف ناشر القرآن .. أرض الحضارة النوبية الضاربة في القدم.. أرض احتضنها أهلها كما احتضنهم ذلك النيل الخالد بحب، أرض أُعطيَت فأُعطت وما زالت.

ما الذي دفعني للذهاب إلى جزيرة لبب؟

الساقية 31 فرح العرسان
وفى ذاك الزمن الجميل أيضاً كانت هناك الساقية 31 ساقية سليمان الزبير يعقوب والتي تقع بين الساقيتين 35 (ساقية الحمادي) والساقية 28 (ساقية سيلابي الشرقية) .ومنذ أقدم العصور، مارس الأهل قيادة سيرات العرسان إلى الساقية 31 والتبرك بمياه النيل، وكان الجد عبدالله سليمان وعلي فرح الخير يقومان بضيافة الوفود والترحيب بها وتسهيل أمرها في النزول إلى النيل للغسل والارتواء من مياهه العذبة كالعادة النوبية القديمة لتقديس النيل.. مارس الأهل قيادة سيرات الأعراس سنينا عديدة، وكنا نشاهد ونحن يفع هذه السيرات والزفات والعريس راكباً حصانه أو حماره المزين بالأقمشة الملونة والمزركشة، وحلقات الرقص والصفقة والأرض تهتز تحت أقدام الشباب ورائحة المسك والبخور تعطر الجو والحنة والضريرة تاجان على رأس العريس وحلقات البطان بالسوط ما أكثرها (إنها تنقص كاميرتك) قالها مداعباً لي، واسترسل قائلا: وعند اقتراب المغيب تتجه السيرة إلى منزل العروسة، وهناك تقوم أم العروس بالترحيب بالضيوف ورمي ثوب القرمصيص على وجه العريس وينزل العريس من حصانه كالأسد الجامح وسط زغاريد النساء وتصفيق المحتفلين معه بالمناسبة ..

أما أولاد الطهور فهم كالعادة النوبية القديمة لتقديس نهرالنيل، ينزلون للنيل للتبرك به والارتواء منه قبل توجههم إلى المنزل لوضع الضريرة ولبس الزينة والتاج ثم يساقون إلى (الطهار) البلدي وكان هناك عدد من الطهارين بجزيرة لبب وأذكر منهم الجد سالنتود الذي طهرني بالموس البلدي (رحمه الله رحمة واسعة).



أما النفساء فكانت تقوم بزيارة النيل بعد إقامة الأربعين وتوزيع الزاد (سق بلح) والبلح والأرياح المكونة من المسك والسرتية والمحلبية وبنت السودان، وتقوم بغسل وجه الطفل حديث الولادة وكذلك تغتسل هي إظهارًا لطهارتها وتيمناً بالنيل العظيم .. ((كان النوبيون على مر العصور يقدسون النيل ويقدمون له القرابين والكرامات وكذلك يحتفلون بالعاشر من محرم – عاشوراء – (يوب-يوب) وكذلك يحتفلون بالمولود الجديد(مرجان-مرجان) وهذه العادات موجودة حتى الآن لدى الأهل بجامع مار )) ..

الهدام
وعن أسباب تقلص مساحة الجزيرة قال: إن الهدام كان قد اقتطع جزءاً عزيزًا من جزيرة لبب بالضفة الغربية للنيل منذ بدايات القرن الماضي على فترتين وكانت الأولى فى عام 1900 والثانية فى عام 1910، وتقلصت السواقي إلى مساحات ضيقة لا يفي العائد من إنتاجها باحتياجات الأهل من المأكل والملبس وضاع جل إنتاج الجزيرة من أجود أنواع التمور مع الهدام وكذلك الفواكه وأشجار السنط والحراز بل فقد الناس كل شىء ولابد من تعويضهم بالأراضي الجديدة التي ظهرت حديثاً بجنوب الجزيرة، لذلك بادر أهالي الجزيرة بتشكيل لجان أهلية لمقابلة المسؤولين بمستوى المركز بدنقلا و سافرت وفود عديدة إلى رئاسة المديرية بالدامر حسب توصية مفتش المركز بدنقلا ووجدوا الترحيب من أبناء جزيرة لبب المغتربين بعطبرة وهيأوا لهم السكن والإعاشة لحين الانتهاء من مهامهم .. ولا أنسى خالد الذكر العم أحمد يس (وكيل الإمام عبدالرحمن المهدي) بولاية نهر النيل رحمه الله رحمة واسعة وهو والد الحبيب صديق أحمد يس لما قاموا به من مجهودات جبارة لحين صدور تصديق مدير المديرية الشمالية بالتعويض من الأراضى الجديدة التى ظهرت بجنوب الجزيرة(كنج) حسب توصية مفتش المركز بدنقلا من الساقية 45 ساقية آل عبد الرحمن محمد صالح وشركاه و جنوب الساقية 46 ساقية آل عوض الله وشركاه. ولما كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها للعام 1925 لم يشمل الأراضي المذكورة بالجديدة وجلها كانت أراضي ميري داخل نهر النيل عند بداية التسوية الأولى والتي قامت بتسجيل كل الأراضي على اليابسة في كل ساقية كأملاك حرة ويشمل ذلك مساحة الساقية بالأفدنة والأراضي التي بعد جفاف الفيضان(السكولة) بنمرتين منفصلتين أي يتم ترقيمها بنمر مختلفة لسهولة تداول الورثة عليها مستقبلاً بعدد 24 قيراطاً لكل ساقية وكل (سكولة) كذلك,، (أي 12 خشماً) ، والقيراط يساوى 24 سهماً.



وهذا ما جرت عليه التسوية فى كل أنحاء المديرية الشمالية، عدا المديريات الأخرى التي تم التسجيل في جزءٍ من أراضيها بالحبال والسداس والثمان والجدعة وبالأمتار المربعة.. وعند توزيع التعويضات في الأراضي الجديدة بالضفة الغربية لجنوب الجزيرة كان هنالك فرع موسمي لنهر النيل يجري بين جزيرة لبب وجزيرة ضرار وكانت السواقي 45 – 43 وكذلك تعويض الساقية 28 ممتدًا حتى مجرى النيل الرئيس في الشتاء، وعند ارتفاع النيل في الدميرة كانت هناك معدية تعمل بين جزيرة لبب وجزيرة ضرار وهي مركب العمدة شمت وكان رئيس المركب العم سليمان سعد الله والد عبد الحفيظ وعلي وعبد العزيز، رحمهم الله رحمة واسعة وأحسن إليهم لما قدموه من خير ومساعدة لأهلهم..

فيضان 46
وبعد فيضان 1946 الشهير، وافقت السلطات المسؤولة آنذاك المتمثلة في مدير المديرية الشمالية بالدامر بعد الاتصال بالسلطات العليا بالخرطوم لتعويض الأهل الذين تضرروا من أكل الهدام معظم أراضيهم الطينية البكرة وفقدانهم لاستثماراتهم من أجود التمور (قنديلة، كلمة، ابت مودة، تمر الحج، الكرشة، ود لقاي، المشرقي، ود خطيب وزغلول) ولجميع أشجار الموالح التي جلبت شتولها من مصر، آخذين في الاعتبار أن دراسات الهدام أثبتت أن الأراضي الجديدة جاءت نتيجة حتمية لتآكل البر الغربي للجزيرة بسبب المد والجزر لنهر النيل، وتم تشكيل لجان مشتركة مناصفة بين السلطات الرسمية والأهالي وضم الجانب الأهلي أفذاذ الرجال ذوي الكفاءات والخبرات وتكون الجانب الأهلي برئاسة العمدة شمت ومشاركة كل من الشيخ عبد القادر شريف إدريس وعبد القادر أحمد شريف وفقير النجيب ومحمد ساتي عبدالله والحاج شرفي محمد حاج شيخ القرية وآخرين كثر شاركوا بمالهم وجهدهم وطعامهم عند انعقاد اللجان وأعمال المسح والتخطيط بالنفير والفزع، وترأس السيد /مفتش مركز دنقلا اللجنة وكان لديه كل السلطات الإدارية والقضائية مع نفر كريم من أفذاذ الإداريين والمآمير والمساحة ومفتش الزراعة. وكانت المساحة المراد توزيعها كتعويضات للسواقي التي اختفت بفعل الهدام بالبر الغربي بطول أربعة كيلومترات من الشمال إلى الجنوب، وعرض اثنين ونصف كيلو متر عرضًا من الشرق إلى الغرب. وتم استخراج الخرط بعد اقتطاع مساحة الشارع الرئيس (درب الميري) ووضع الحدود الأسمنتية مع ترك الجزء الناشف من البر الشرقي للجزيرة لتوزيعه لاحقاً لعامة سكان القرية ممن تتوفر فيه الشروط وتوصية شيخ القرية والعمدة.. وتم توزيع الأراضي بعد إجازة الخريطة من اللجان بمساحة محددة لكل ساقية وتم تسجيلها كملك حر على الشيوع لملاك الساقية المعنية وسمح لهم بالبناء والسكن لمن أراد مع ترك الجزء الأكبر للزراعة، وكنت تشاهد آنذاك ولحين قريب ربط الحلال بعضها ببعض من ساقية سيلابي الغربية جنوب محطة البنطون الحالية حتى جنوب الجزيرة برباط واحد، مثال: حلة آل ضرار وآل أحمد جارة وصالح جارة وآل خليفة محمد شمت وأحمد محمد خير ومحمد عثمان حسن وآل حسنين وشركاهم في الساقية ومحمد شريف خيري وشركائه بالساقية وآل حامد شريف وأسر كثيرة وكانوا نعم الأهل بهذه الجيرة الجديدة، تزاوجوا وتناسبوا ، وكنت تشاهد قطعان الأبقار والضأن وكان اللبن والخضار يوزع مجاناً بالجزيرة..

نواصل
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger