الرئيسية » » قضية تحت المجهر ... مياه مدينة الأبيض

قضية تحت المجهر ... مياه مدينة الأبيض

Written By sudaconTube on الثلاثاء، سبتمبر 24، 2013 | 5:13 م

إبراهيم عربي - الصحافة

اتفاقية تقسيم مياه النيل «84» مليار متر مكعب كما يقول الخبير فى البنك الدولي سلمان محمد أحمد سلمان في محاضرته بمركز أبحاث السلام بجامعة الخرطوم منها «50» مليار متر مكعب من نهر النيل الأزرق ،«11,5» مليار متر مكعب من نهر النيل الأبيض ،«11,5» مثلها من نهر السوباط و«11» مليار متر مكعب من نهر عطبرة ،ولا يتجاوز نصيب السودان من الاتفاقية «18» مليار متر مكعب، فيما يقول خبراء فى مجال النهضة الزراعية أن كمية الأمطار التى تهطل على أرض ولايات السودان «الف» مليار متر مكعب تنقلها خيران ووديان تخترق الأرض السودانية لترفد بها نهر النيل ومنها خور أبوحبل ووادى المقدم.

رئيس الجمهورية بالأبيض
تظل قضية مياه مدينة الأبيض التى تبعد «588» كيلومتر غرب العاصمة الخرطوم واحدة من كثير من مطالبات ولايات السودان المختلفة، ولكن أزمة مدينة الأبيض أكثرها حرجا وهى قديمة متجذرة ومتجددة، يقول أهلها لا تعالجها إلا الإمداد من مياه النيل كخطة استراتيجية مستقبلية فشلت دونها المحاولات الإسعافية كافة، بينما كشف بشأنها وزير الكهرباء والسدود المهندس أسامة عبد الله عن تحسينات فى الخطوط الناقلة من المصادر الجنوبية وبعض المشروعات الأخرى المصاحبة فى إطار مشروعات حصاد المياه، كاشفا فى الوقت ذاته عن زيارة وشيكة لرئيس الجمهورية المشير البشير للولاية لافتتاح عدد من تلك المشاريع، فالزيارة ستحمل فى ظاهرها وباطنها البشريات لتجدد الآمال والطموحات والتطلعات لأهل شمال كردفان.

أولى المحاولات
إلا أن القضية ذاتها لم تكن وليد لحظة بل قديمة يعود تاريخها لما قبل العام 1821 عقب تأسيس إسماعيل بن محمد علي المصري لمدينة الأبيض بتجميع القرى والفرقان من حولها، فجاءت أولى المحاولات الجادة لتوفير مياه الأمطار قبيل استقلال السودان في العام 1943 حيث يتم تجميعها في «5» خزانات كبيرة من بحيرات صناعية أو «فول» جمع فولة أهمها «العين» بسعة «3760» ألف متر مكعب، ليتم ترشيحها عبر مواسير إلى بعض منازل الحكام والمستشفى، وقد كانت كفاية المدينة آنذاك «4500» ألف متر مكعب ويتم ترسيبها ومراجعتها مرة بعد الأخرى بالخرطوم للتأكد من صحتها، فيما لازالت تلك المحاولة الأولى أساسا بنيت عليها التحسينات كافة لإمداد مدينة الأبيض بالمياه حتى يومنا هذا ولأكثر من «سبعين» عاما.

أعمل معروف شيل معروف
لأهل شمال كردفان قصة طويلة مع المياه لا تنتهى فصولها عند الأبيض فحسب بل تتجاوزها لمياه بقية المدن ومياه الريف من الحفائر والدوانكى وهى سبب أدى لهجرة الناس لقراهم وفرقانهم تشريدا ونزوحا ومنهم من غادر شمال كردفان بلا رجعة، كما هى سبب الفاقد التربوى الكبير والوبائيات والأمراض والكثير من العاهات المستديمة، كما هى كذلك سبب فى التدهور البيئى والتخلف التنموى والنهضوى والبنى التحتية، ولأهمية المياه عندهم قصة يعلمها القاصى والدانى حتى الذين غادروها للعاصمة المثلثة تراهم ظلوا يعملون فى أماكن المياه الباردة والساخنة «المهم موية» ،وهى ذاتها شعار جسدتها إحدى اللافتات التى رفعوها عند استقبالهم الوالي المكلف أحمد هارون بالأبيض، وبجانبها لافتة أخرى رفعوها عالية بصورة لا تخطئها العين فأصبحت حديث شمال كردفان كتبوا عليها «أعمل معروف وشيل معروف» ، فمعروف الأول هو عمل الخير ومعروف الثانى هو خالد معروف وزير التخطيط العمرانى والمياه والطاقة المقال اخيرا بحل حكومة الولاية وهو ذاته من وصف فى تصريحات إعلامية مطالبات المواطنين بإمدادهم بمياه الشرب من النيل ب«هرجلة سياسية»، وأضاف قائلا أن أى حديث عن إمداد المياه من النيل يفتقد للقيمة العلمية ،لافتاً إلى أن مدينة الأبيض حاضرة الولاية، ليست في حاجة لمياه النيل لسنوات قادمة، وعلل الوزير الذى جاءت إقالته وليست استقالته بطلب من قبل الجماهير أصحاب الحكم الشرعى، قائلا «عندنا كميات من المياه تحت الأرض نقية وجاهزة للشرب وخالية من الأملاح ،ووصف معروف مياه النيل بأنها «متعبة» وتحتاج لمعالجات، لافتاً الإنتباه إلى إن حنفيات الخرطوم تصب «موية فول» وليست مياه شرب.

المفارق عينو قوية
أهل شمال كردفان استنكروا حديث الوزير بشدة ،ووصفوه ب«حديث المفارق» ويتساءلون عما حقق الوزير للولاية من إنجازات طيلة فترات استوزاره بالولاية بالزراعة ومرورا بالحكم والإدارة ونائب للوالي، والحزب والحركة الإسلامية وكثير من المناصب التنفيذية الأخرى وأخيرا التخطيط والمياه والطاقة التى عشعش الفساد فيها وانهارت مرافقها واحدة تلو الأخرى حسب حديث ديوانيات الأبيض، فيما يقول مدير هيئة مياه الريف بالولاية المهندس أحمد العابد ان الحاجة الفعلية لمدينة الأبيض من مياه الشرب «45» ألف متر مكعب يوميا ، إلا أن استهلاك الولاية اليومي في الوقت الراهن «20» ألف متر مكعب ، مؤكدا أن العجز في مياه الشرب «25» ألف متر مكعب ،فيما حصر العابد المعضله الأساسية فى سوء الإدارة فى المقام الأول وعدم ترتيب الأولويات فى التشغيل بالإضافة لمئات الأسباب الأخرى المتعلقة بأعمال الصيانة وكيفية التوزيع ، فيما ذهب وزير الكهرباء والسدود فى الاتجاه ذاته لدى مخاطبته ورشة مياه المدينة بالأبيض ،قائلا إن المشكلة الحقيقية في المياه تكمن فى الإدارة وأن حل مشكلة مياه الأبيض سهل يبدأ بخطوات عملية بعمل خريطة كنتورية للمدينة وإنزالها على أرض الواقع، ومن ثم تحليل الأمر لوضع خطة للتنفيذ تدعمها وزارته، إلا أن أهل الأبيض يشيرون إلى أن شبكة مياه المصادر الجنوبية ذاتها سبب فى زيادة الإصابة بالسرطانات وأمراض القارضيا والبلهارسيا والدسنتاريا وأمراض آخرى ليس لها أول ولا آخر ،إلا أن قيادات عادت واصفة حديث معروف بحديث المفارق قائلين «المفارق عينو قوية».

مياه خور بقرة
إلا أن حقيقة مياه الأبيض من المصادر الجنوبية من خور بقرة فى منطقة ود البغا «30» كيلو متر جنوبا ، تمرعبر «3» مسارات «2 10» بوصة من الحديد وآخر «12» بوصة من الاسبستوس لمحطتى المناول فى العين «22» كيلو متر وبنو التى تبعد «11» كيلومتر جنوب مدينة الأبيض وجميعها منذ الأربعينات كما يؤكد مدير مياه المدن المهندس على قسم الله ، مؤكدا أن عملية الإحلال والإبدال التى تتواصل عملياتها ،تنفذها وزارة المياه وقد اقتربت من تكملة خطتها الأولى من بنو للأبيض «11» كيلومتر ،ويقول المهندسون الذين يعملون فى التنفيذ ان عملية الإحلال والإبدال مخطط لها «50» يوما ولكنهم سيختصرونها لأقل من «30» يوما عبر تكثيف العمل ،ولكن أين المشكلة ؟ يقول المهندس السماني جاد الله الذي ظل يعمل في المصادر الجنوبية منذ العام 1974 وحتى الآن وهو ذاته ابن الشيخ جاد الله إحدى قرى المنطقة، يقول المشكلة فى الثلاثة خطوط المشار إليها إثنان منهما من الحديد والآخر من الاسبستوس منذ الأربعينات وأصبحت كثيرة الأعطال ولا تعمل أحيانا لأكثر من ساعتين دون أن يحدث بها إنفجار، ما يؤدى لإهدار كمية من المياه بنسبة «40 50%» فيما اتفق معه فى الحديث الفريق العامل بالمصادر الجنوبية الذي يضم كلا من المهندسة شذى إبراهيم محمد آدم وأحمد عبد الله وعوض الرضى بشير ،إلا أن المهندس حافظ محمد إبراهيم أشار بصورة واضحة إلى أن مواسير الحديد أصابها التلييف، وقال ان مواسير الاسبستوس أصبحت «مسرطنة !» وهذه هى شهادات الكوادر الفنية العاملة فى مياه الابيض، وذاتها تتطابق مع التقرير الصحى الذي يؤكد ارتفاع نسبة الإصابات بالسرطان حسب تقارير المستشفيات بالأبيض، إذا ماذا ترى الرقابة ومعامل التحليل وجماعة حماية الإنسان؟.

المصادر الجنوبية
ولكن كم هى كمية تلك المياه التى تأتى من المصادر الجنوبية؟ يقول مدير مياه المدن ان كمية المياه من المصادر الجنوبية «12» ألف متر مكعب ومعدل التبخر «2» ألف متر مكعب ولكن كمية المياه التى تصل محطة الأبيض لا تتجاوز «6» متر مكعب بسبب كمية الأعطال وهى كمية المياه التى تصل مدينة الأبيض فى هذه الفترة ولمدة ثلاثة أشهر قبل سحب المياه الاحتياطية «12» مليون متر مكعب من خور بقرة، ولا تتجاوز ال«6» آلاف متر مكعب فى كل الأحوال السابقة بسبب ذات الخطوط الناقلة.

المصادر الشمالية
أما المصادر الشمالية من حوض بارا الجوفي والتى تبعد «57» كيلومتر شمال الأبيض تم تنفيذها العام 2000 ومخطط لها «50» بئرا إنتاجية، لم تتجاوز الآبار التى تم حفرها «18» بئرا تعمل منها «14» بئرا إنتاجية فقط وبطاقة «14» ألف متر مكعب تنقل عبر خط ناقل حديد قطره «28» بوصة، إذا جملة كمية المياه التى تسقى سكان مدينة الأبيض من المصادر الجنوبية والشمالية معا فى الوقت الحالى «20» ألف متر مكعب، وهذا يتطابق مع تصريحات مدير مياه الريف بالولاية المهندس أحمد العابد التى أطلقها متزامنة مع تصريحات معروف، قائلا أن الحاجة الفعلية لمدينة الأبيض من مياه الشرب «45» ألف متر مكعب يوميا، وأن الاستهلاك اليومي في الوقت الراهن «20» ألف متر مكعب، مؤكدا أن العجز في مياه الشرب «25» ألف متر مكعب.

من الإبريق إلى الدش
لا تغطى شبكة مياه الأبيض الحالية أكثر من «62» حياً من بين أكثر من «112» حياً بالأبيض دون القرى التى تمددت المدينة نحوها ،كما أن المدينة أيضا بدا عليها التمدد الرأسي، بعجز حوالى 62% حسب إفادات مياه المدن ، ويؤكد المدير بأن شبكة مياه المدينة مابين «2 3» بوصة وهى بذاتها شبكة بالية من الحديد والاسبستوس ولا توجد بها خطوط رابطة، إلا أن قسم الله عاد مشيرا إلى نقطة فى غاية الأهمية قائلا استهلاك الفرد من المياه فى اليوم حسب التقديرات العالمية لا تقل عن «70» لترا، ولكنها تتدنى فى الأبيض لنسبة لا تتجاوز 30% ، إلا أن تقديرات الاستهلاك فى حد ذاتها قضية ،ليست فى حالة الشرب لوحدها ولكن فى استخدامات المياه عامة وقد تبدلت ثقافة التوفير وعدم الإسراف إلى الإسراف المفرط فى المياه، وقد انتقلت ثقافته من مجرد الاستحمام بالإبريق وربما مرة أو مرتين فى الاسبوع إلى الحمام بالجردل ومن ثم إلى الماسورة وبالدش وربما لأكثر من مرة فى اليوم ،علاوة على التوسع الرأسى، وكثير من الأساليب والاستخدامات المدنية التى أدت لزيادة نسبة إستهلاك المياه.

خطة التحسينات
ظل العقيد شرطة عصام المشرف المكلف من قبل الوالي لمتابعة العمل في خطوط المصادر الجنوبية يتابع خطوات الإحلال والإبدال لحظة بلحظة ويؤكد العقيد بأن هنالك خطة أخرى لإحلال وإبدال الخطوط الناقلة من خور بقرة إلى بنو التي تبعد «19» كيلو جنوبا يتم تنفيذها في المرحلة الثانية، فيما يقول مدير مياه المدن المهندس على قسم الله فى حديثه ل«الصحافة» ان الخطة الحالية لزيادة مياه المصادر الجنوبية «4» آلاف متر مكعب والشمالية «4،5» ألف متر مكعب لتصبح الزيادة «8،5» آلاف متر مكعب، مشيرا لخطة أخرى لعمل خط موازٍ من بنو بالمصادر الجنوبية إلى المدينة تستهدف الأحياء الجنوبية منها ،وكشف قسم الله عن خطة لحفر «10» آبار جديدة ذات إنتاجية بالمصادر الشمالية ،وقال إنها ستضيف للشبكة «10» آلاف متر مكعب من المياه لتصبح حصيلة مياه المصادر الشمالية «24» ألف متر مكعب من المياه ويقول قسم الله بأن الخطة تتطلب خطا ناقلا اضافيا، إلا أن المدير عاد قائلا المشكلة أن البئر الواحدة لا يمكنها أن تعمل من ناحية فنية أكثر من «20» ساعة متصلة فى اليوم وأن هذه الآبار ذاتها لا تعمل معا وإنما بالتناوب «30» بئرا تعمل منها «20» بئرا.

مياه النيل خطة استراتيجية
جاءت أولى محاولات مد مياه النيل غربا قبل استقلال السودان ،وكانت الخطة كما يقول خبراء فى المجال عمل بحيرة عند وادى المقدم لشرب الإنسان والحيوان ولرفع نسبة المياه فى باطن الأرض ،عبر إمداد من مياه النيل من مدينة كوستى ،إعترض عليه المصريون بشدة فماتت الفكرة فى مهدها ! ولكن لماذا إمداد مدينة الأبيض بالمياه من النيل؟ المياه فى شمال كردفان هى الحياة، وإمداد الأبيض كما يقول أهلها خطة استراتيجية لمستقبل المدينة ،فأعدت جامعة الخرطوم دراسة متكاملة لإمداد الأبيض بالمياه من نهر النيل عند منطقة الفششوية ،وكانت كلفة تنفيذ المشروع لا يتجاوز «275» مليون دولار عام «2007 2008»، ارتفعت الى «600» مليون دولار فى العام 2012 ، أما الآن فتبلغ كلفتها الإجمالية «800» مليون دولار، إلا أن ذات الطموحات والآمال والتطلعات لتنفيذ إمداد مدينة الأبيض بالمياه من النيل أصبحت وعدا وعهدا واجب التنفيذ كأول ثلاثية والي شمال كردفان المكلف أحمد هارون «مياه ،صحة ،طريق» وكخطة استراتيجية لمستقبل المدينة وشمال كردفان.
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger