الرئيسية » » السكة حديد.. شريان حياة أجبر على التوقف..د. هاشم حسين بابكر

السكة حديد.. شريان حياة أجبر على التوقف..د. هاشم حسين بابكر

Written By Fix Khartoum on الأحد، مايو 12، 2013 | 12:48 م

الإنتباهة  

قبل أكثر من قرن من الزمان دخلت السكة حديد السودان كأول مؤسسة نظامية وكان ذلك في العام «1897» حيث بدأ العمل في الخط الحديدي من وادي حلفا، ولم يمر عام على تلك البداية حتى وصل مدينة أبي حمد في العام «1898م». في مسافة «350» كيلومترًا قطع فيها الخط الحديدي الصحراء الكبرى كأول مؤشر حياة في تلك الصحراء التي لم يتجرأ أحد من قبل لتشييد طريق مستدام عبرها!! وتواصل امتداد الخط الحديدي وبعد عام وفي العام «1899» وصل الخط إلى مدينة عطبرة قاطعاً «244» كيلو مترًا، وتواصل الخط نحو الخرطوم والتي في الأول من يناير «1900» وصلها واحتفل الجنود برأس السنة في الخرطوم!!

لا بد من ربط السودان بالممر المائي الإستراتيجي فكان القرار مد الخط من عطبرة إلى بورتسودان وبدأ ذلك في العام «1904م» وفي العام «1906م» وصل أول قطار إلى مدينة بورتسودان قاطعاً مسافة «474» كيلومترًا!! وبينما كان العمل مستمراً في خط عطبرة بورتسودان كان هناك خط آخر بدأ انشاؤه في العام «1905م» من نمرة عشرة إلى مدينة كريمة بمسافة «224» كيلو مترًا! كان لا بد من ربط النيل الأبيض وكردفان بالخط الحديدي فبدأ العمل في العام «1905م» في خط الخرطوم كوستي الأبيض وانتهى ذلك الخط في العام «1911م» قاطعاً مسافة «689» كيلومترًا!!

حتى هذا الوقت تم ربط المديرية الشمالية بالخرطوم والنيل الأبيض وبورتسودان وكردفان وكان لا بد من ربط مديرية أخرى مهمة من ناحية الإنتاج الزراعي فكان لزاماً كذلك إنشاء خط جديد يربط هيا بكسلا وكان ذلك في العام «1923» ووصل الخط مدينة كسلا في العام «1924» قاطعاً مسافة «347» كيلومترًا!! وبرزت في الصورة القضارف حيث بدأ الخط بين كسلا والقضارف في العام «1924م» وبعد أربعة أعوام وفي العام «1928» وصل الخط الحديدي القضارف قاطعاً مسافة «218» كيلو مترًا!!

وهكذا استمر ربط المديريات ببعضها البعض وكان لذلك أن بدأ خط القضارف سنار في العام «1928» ووصل الخط إلى سنار في العام «1929» قاطعاً مسافة «237» كيلو مترًا ومنطقة إنتاج أخرى ربطها الخط الحديدي وهي الدمازين ففي العام «1953» تحرك الخط من سنار إلى الدمازين التي وصلها في العام «1954» قاطعاً مسافة «227» كيلومترًا!!

بهذه الإستراتيجية المدروسة تم ربط معظم مديريات الشمال ببعضها البعض وجاء الدور على دارفور حيث بدأ من تقاطع عرديبة خط آخر إلى بابنوسة كان ذلك في العام «1956» ووصل إلى بابنوسة في العام «1957» قاطعاً مسافة «433» كيلومتراً!!

وفي العام «1957» بدأ الخط يتمدد إلى نيالا حتى وصلها في العام «1959» قاطعاً مسافة «335» كيلو مترًا!! وكان لا بد من ربط الشمال بالجنوب فكان لذلك خط بابنوسة بحر العرب الذي بدأ في العام «1959» من بابنوسة ووصل إلى هناك في العام «1962» بمسافة «172» كيلومترًا. هكذا تم ربط السودان ومديرياته ببعضها البعض وكان إنتاج السودان الزراعي والحيواني يصل بكل سهولة ويسر للأسواق العالمية.

جدير بالذكر أن السكة حديد كانت مؤسسة نظامية وقد توارد على إدارتها منذ العام «7981» وإلى العام «1957» مديرون برتب عسكرية عالية، كان أقلها آخر مدير بريطاني كان في رتبة عميد أو بريغادير كما كانوا يطلقون عليه في ذلك الوقت!! مدير السكة حديد كان من أعلى الدرجات، أعلى درجة من مدير المديرية وأعلى درجة من وكيل الوزارة لذلك كانت وزارة المواصلات ليس في وظائفها وكيل وزارة، وكان العلم الوحيد الذي يرفرف في المديرية الشمالية هو علم مدير السكة حديد، ومن الملاحظ عندما يأتي مدير المديرية إلى مدينة عطبرة كان سائق عربته يتوقف عند مدخل الكبري إلى عطبرة، ويطوي علم مدير المديرية، ففي مدينة عطبرة علم واحد هو علم مدير السكة حديد، أما إذا ذهب مدير السكة حديد إلى الدامر فإن علمه يظل يرفرف على سارية عربته!!

من الملاحظ أن كل هذه الخطوط بنيت في عصر الاستعمار، وحتى عند خروج المستعمر كان البريطاني الوحيد الذي تبقى وبدرجة عالية هو مدير السكة حديد آخر البريطانيين الذين بقوا في السودان حتى العام «1957»!!

وحتى نهاية عهد الإدارة البريطانية للسكة حديد في العام «1957» تم إنشاء وتشييد أكثر من «4000» كيلومتر ربطت كل مديريات السودان!! وحتى ذلك الوقت كانت السكة حديد في غاية الانضباط والدقة، خدمات نقل للبضائع على أرقى مستوى وخدمات نقل الركاب مع مستوى رفيع.

وهنا تفرض نفسها مقارنة محزنة منذ العام «7981 ـ 1962» تم تشييد «4182» كيلو مترًا في خمسة وستين عاماً وتأتي بعد ذلك وفي ذات المدة تقريباً من العام «1962» وإلى «2013» تم إنشاء «81.9» كيلو متر فقط، مع مقارنة الفترة السابقة مع الآن نجد أن في عهد ازدهار السكة حديد كانت الأعمال تتم يدوياً، أما اليوم فالآليات الحديثة متاحة لربط كل السودان بالخطوط الحديدية وفي زمن قياسي!!

وأضرب مثلاً ففي العام «1972» بدأ العمل في روسيا في خط بايكال أمور على مسافة «0023» كيلو متر على طول هذه المسافة لم تكن هناك حياة على الإطلاق، وكانت الوسيلة الوحيدة للعبور هذه المسافة هي الطائرات، درجات الحرارة كانت تصل إلى ستين درجة تحت الصفر، رغم ذلك تم إنشاء الخط الحديدي وإنشاء محطات وكباري ومدن وأنفاق وحتى المواطنين تم إرسالهم إلى تلك المدن والمحطات وبدأت الحياة تدب في هذه المنطقة التي لم تطأها قدم بشر من قبل كل هذا تم في ظرف عشرة سنوات فقط، وقد كنت شاهداً على بداية العمل في العام «2791» شاهداً على نهايته في العام «1982»، وكان آخر مسمار ربط الخط مصنوع من الذهب الخالص، وقد تمت تسمية خط بايكال ـ امور بمنشئة القرن في العالم!! باستثناء نظام عبود يمكن القول بأن الأنظمة التي حكمت السودان، لم تهتم بهذا المرفق الحيوي المهم، ذلك النظام بنى أكثر من خمسمائة كليومتر من الخطوط الحديدية، بينما لم تنشيء الحكومات المدنية والعسكرية التي توالت على السودان خطوطاً جديدة بل ولم تحافظ على ما وجدته فنال ذلك المرفق الإستراتيجي المهم الإهمال من بعض الأنظمة والتدمير المبرمج من بعضها الآخر!!

المستعمر دخل السودان على صهوة قطار، ومن بديهيات الإستراتيجية العسكرية أن السكة حديد تدخل في صميم إستراتيجية النقل العسكري بجانب النقل المدني، لهذا كان كل مديري السكة حديد وحتى العام «7591» من ذوي الرتب العسكرية العالية. والسكك الحديدية في كل البلاد التي تملك فيها الدولة خطوط السكة حديد مؤسسة أقرب إلى العسكرية إن لم تكن عسكرية خالصة، وقد كانت في السودان كذلك، مدير السكة حديد الوحيد الذي وإلى وقت قريب كان يتلقى قرقول الشرف، ولا أدري إن كان هذا التقليد سائداً اليوم.
فكر المرحوم نميري تفكيراً صائباً حيث حاول عسكرة السكة حديد، لكنه بدأ التنفيذ بلا دراسة وبلا خطة ولا استعداد، ولم يكن هدفه إستراتيجياً بل كان سياسياً، وقد عانت السكة حديد كثيراً، إهمال الحكومات السابقة لها، وبداية تدميرها في عهد النميري!! وتواصل الإهمال بعد نميري وكانت النهاية على يد النظام الحالي الذي بدأ في تدمير البنيات الأساسية للسكة حديد متمثلة في أكبر محطات الشحن والتفريغ والتوزيع وهي محطة الخرطوم وتسمى مثل هذه المحطات ديبو وهو مصطلح فرنسي يستخدم في كل اللغات!!

في عطبرة كانت هناك ورشة للعربات يتم تصنيع وتركيب العربات سواء للبضاعة أو الركاب على أعلى مستوى، لم يعد لهذا المصنع وجود، مسبك السكة حديد كان من أوائل المسابك في السودان حيث يتم تصنيع قطع الغيار، وكان من الممكن تطوير هذا المسبك لتصنيع قطع الغيار من جميع الأنواع كما هو الحال في الهند وبذلك يمكن تفادي العقوبات المفروضة على استيراد قطع الغيار من الغرب!!
كنت أحلم بكهربة السكة حديد، لتقليل تكلفة التسيير الأمر الذي يصب إيجاباً على تكلفة النقل في السودان والتي تمثل عبئاً ثقيلاً على السلع وتؤثر على أسعارها عالمياً، ويصعب على المواطن شرائها!!

كنت أحلم بأن تمتد الخطوط الحديدية إلى غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي حتى تمر صادرات وواردات تلك البلدان عبر السودان فتنتعش اقتصاديات كل هذه المناطق بما فيها السودان الذي يمكن أن يكون معبراً لست دول لا تملك منفذاً للبحر!!
لكن السياسة التي تقود الاقتصاد لها مفهوم غير ذلك..
ونواصل!!
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger