الرئيسية » » أزمة الصنايعية في السودان .... عندما التقى مقاولو السودان مع مقاولي انجلترا (4 من 5) .... م. أبوبكر الوكيل

أزمة الصنايعية في السودان .... عندما التقى مقاولو السودان مع مقاولي انجلترا (4 من 5) .... م. أبوبكر الوكيل

Written By Amged Osman on الأحد، أغسطس 20، 2017 | 12:03 م

م. أبوبكر الوكيل*  

((المقدمة تتكرر كل حلقة . . . يمكنك ترك تعليق لعمل تاق لك لكل حلقة لمن يرغب))

اقامت جامعة ريدينق برنامجا لبناء القدارت للعاملين في مجال التشيد بافريقا Africa construction capacity building programme لمدة اسبوع بمدينة ريدينق بانجلترا. قام خلاله العاملين بمجلس تنظيم مقاولي الاعمال الهندسية بالسودان بمجهود عظيم للتنسيق مع ادارة الجامعة لإدراج عدد من المقاولين السودانيين تجاوز الخمسة عشرة رجلا و امراة. . . كان البرنامج في غاية الفائدة و رأيت أن أدرج هنا مقتطفات مما تمكنت من حضوره لأعكس صورة مبسطة مفهومة للمقاولين و غيرهم عن الفروقات التى لمسناها هناك وبغرض التدارس في امكانية نقلها/تعديلها لملائمة سوق المقاولات السوداني.

أزمة الصنايعية في السودان
اليوم سأنقل محاضرة المتحدث: استيف جايمس من مجلس تدريب صناعة التشييد Construction industry training board بالمملكة المتحدة. هذا المجلس مهمته الاساسية تأهيل الكوادر العاملة في قطاع التشييد.

في البدء قام جايمس بعكس صورة عن الوضع الحالي الخاص بمفهوم قطاع التشييد في بريطانيا، العجيب في الأمر أنه ليس ببعيد عن واقعنا في السودان. اذ أن نسبة العاملات بالمواقع الهندسية من الاناث لا تتجاوز 5%. أما نسبة العاملات في قطاع التشييد في المواقع و المكاتب و جميع المرافق لا تتجاوز 20% و هي نسبة حقيقة كانت صادمة لنا. . .إذ حسب علمي البسيط أننا قد نتمتع بنسب أعلى من تلك في السودان (يعني الناس الشاكية من الجفاف، أحب أطمنكم انو الوضع دا عام لو كان في ذلك عزاء). أرجع جايمس ذلك للتصور الخاطئ الذي يتم انشاء المجتمع عليه منذ الصغر، إذ أن الدراسات التي قاموا بها تبين أن ثلث خبراء التوظيف career advisor الذين تقوم الدولة بارسالهم للتحدث لطلاب الأساس يقومون بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتنفير الطلاب من الذهاب الى قطاع التشييد مما سبب شحا في الموارد البشرية و أدى ضمنا – لديهم – ان ينتسب لهذا القطاع الطلاب ذوو التحصيل المنخفض. ولذلك و قبل ثلاثين عاما – و هي ليست بالفترة الطويلة – قاموا بتأسيس هذا المجلس الذي يقووم بتأهيل الكوادر الهندسية و بصورة أخص الكوادر الوسيطة أو ما يعرف عندنا بالصنايعية.

أذن ماهو هذا المجلس؟ و كيف يعمل ؟ و من أين يستجلب ميزانيته و صلاحيته؟ هذا المجلس بصورة أساسية عبارة عن مجموعة من مراكز التدريب التي تقوم بتعليم الصنايعية الحرف المختلفة من سباكة و نجارة و أعمال كهرباء و حدادة و غيرها. تقوم بتدريب الحرفيين عن طريق أكثر من 1200 مركز على طول المملكة المتحدة مع وجود رئاسته (و التي تعتبر من أكبر مراكز التدريب المتخصصة في أوروبا) التي تتواجد في قاعدة ملكية جوية قدمت لهم بعد هجرها عند تقليص القواعد العسكرية ابان الحرب العالمية الثانية. . هذه القاعدة و جميع سكناتها العسكرية المصاحبة تم تحويلها إلى رئاسة المجلس. يقدم المجلس دوراته على تسعة مستويات. . . إلا أنك بعد اجتيازك للمستوى الثالث تستطيع ممارسة الحرفة التى حددتها بالمهارة الأساسية المطلوبة.

إذن من أين ياتي دعم المجلس المادي و اللوجستي؟ و من أين يستمد قوته و صلاحياته؟ إن فهم تبعية هذا المجلس معقد شيئ ما لنا كسودانيين بالطبيعة لاختلاف نظام الحكم. لكن باختصار من الممكن القول أن لهذا المركز صلاحيات مستقلة في وضع سياساته و ضوابطه، إلا أنه يتبع رمزيا لوزارة التعليم و يقدم تقرير دورته و ميزانيته بشكل دوري في البرلمان للإجازة و التوصية بالمواصلة للسنة القادمة. يستمد المجلس سلطته بموجب الدستور - وهذه نقطة مهمة جدا – و يفرض على "جميع" العاملين بقطاع التشييد استخراج بطاقة ممارسة الحرفة. هذه البطاقة تخول لحاملها مزاولة النشاط المعين الموجود بها و حسب صلاحيتها. للحصول على هذه البطاقة يجب على الحرفي أن يخضع للتدريب ثم التقييم ثم الإجازة. حتى يخفف المجلس على الحرفيين التكلفة فانه يلزم المشغلين "الشركات" بتدريب جميع كوادرها العاملة، و في المقابل – و على حسب تصنيف معين – الشركة التي تلتزم بهذا التصنيف تكافأ بمكافأة مالية تكون أقل بالتأكيد من القيمة المدفوعة للتدريب. لكن على العموم هذه الرسوم المحددة للتدريب تكون رسوم رمزية جدا مقارنة بالمجهود المبذول في الدارس و ذلك للسماح للحرفين المستقلين بتحمل هذه التكاليف.

هذا يقودنا لسؤال مفصلي، اذا كان هذا المجلس بكل هذه البنيات التحتية و العاملة و يدرب بتكاليف رمزية و يمنح مكافات، إذن من أين يتلقى الدعم المادي؟ أولا يجب الاشارة هنا إلى أن هذا المجلس ليس مؤسسة ربحية مما يعني أنه يحتاج فقط لمصاريف تسييرية للتدريب و الموظفين و غيره. يتحصل المجلس على ميزانيته السنوية من فرض رسم ضريبي على الشركات العاملة في قطاع التشييد كلا على حسب حجمها. . . .لكنه لا يتجاوز في أقصى حالاته واحد في المائة من دخل العاملين (ضريبة دخل تسمى عندهم LEVY) الشركات الكبيرة ملزمة بالدفع عن جميع العاملين و الشركات الصغيرة ملزمة بالدفع عن نسبة من العاملين حسب معطيات معينة.

بالنسبة لنا هنا في السودان، فان مما لا شك فيه هو أن هنالك قصور " مهول" في مستوى الصنايعية و الحرفيين في البلد مع الغياب التام و الكامل لدور الدولة في التدريب و المراقبة. هذا القصور ملاحظ جدا و معترف به من قبل الجميع سواء الحكومة أو الشركات أو العملاء بالرغم أن هنالك جهات كثيرة متداخلة الصلاحية في هذا المجال (المجلس الهندسي، وزارة تنمية الموارد البشرية، الجمعية الهندسية، مهد التدريب المهني. . . . ) الا انك من النادر جدا أو من المستحيل أن تجد نجار أو بناء أو سباك قد تلقى تدريب مهني في حرفته. إلا أن اللوم لا يقع على الحكومة وحدها، فحتى الشركات الكبيرة التى تمتلك طاقمها المعين من الصنايعين لا تقوم بتدريبهم أو تأهليهم و لو داخليا بل تعتمد في الأساس على استجلاب الصنايعي الماهر بالمبلغ المجزي له، وهذا مفهوم تماما من ناحية ربحية للشركات.

حسب رايي أن النهوض بقطاع التشييد في السودان عجلته المحركة هم الحرفيين، فالمهندس المدني السوداني مؤهل و قادر على ادارة العمل في الموقع لكن ليس المهندس وحده هو الذي يقوم به العمل ولا يستطيع. نعلم من تجارب زملائنا في الخليج و غيره أن دوره يختصر على النواحي الفنية فقط في الخارج بينما الصنايعي (الهندي/المصري/الباكستاني .. . ) يقوم بحرفته على أكمل وجه مما يعطي المهندس وقتا و جهدا يستثمره في أعمال أخرى أهم من متابعة الصنايعي في كل صغيرة و كبيرة.

استحداث تدريب للحرفيين بالسودان مشورع يقوم على دعامتين أساسيتين: توفير الدعم المادي و السلطة القانونية. أنا على يقين أن نظام الضرائب المفروض على قطاع المقاولات في السودان يحتاج لإعادة صياغة. هذا النظام برايي أدي خروج نسبة كبيرة من المقاولين و الشركات الصغيرة و المتوسطة منه. عندما أقول خروج أعني خروج من المظلة الضريبة و العمل في السوق الأسود و بالتالي أصبحت الشركات الكبيرة و الكبيرة جدا فقط هي التي تندرج تحت مظلة الضرائب و تستفيد من عدم التنافسية في احتكار مشاريع كبرى. بطبيعة الحال الزبون هو الذي سيتحمل الضرائب الباهظة و بالتالي تجد كثير جدا من المشاريع السكنية المتوسطة (أرضي و أربعة طوابق مثلا) يقوم العميل فيها بالتوجه للسوق الأسود . . . الحديث عن هذا يطول لكن مربط الفرس منه هنا أن اعادة هيكلة النظام الضريبي لقطاع التشييد يعود بالفائدة على جميع الأطراف و أهما هنا الحكومة التى اذا قامت بتخفيض الضرائب و احكام الرقابة بالتالي ستتنافس شركات صغيرة و متوسطة في مشاريع حكومية و خاصة مما يزيد التنافسية و يزيد العائد من مظلة الضرائب و ينعش سوق العمل و يوسع الخيارات للعميل البسيط. . . بهذه الطريقة فان فرض رسم 1% اضافي سوف لن يكون عبئا اضافيا بل منعفة للجميع: سواء الشركات العاملة أو الحرفيين أو الزبون أو قطاع التشييد بصورة عامة في السودان.

أخيرا، على الدولة إذا قامت بتأسيي نظام تدريب محترم أن تبذل جهدا كبيرا في الرقابة على جميع المواقع و التأكد من حصول العاملين فيها على التدريب. . .كخطوة أولى ليس بالضرورة أن يكون الجميع حاصلا على شهادة. . . من الممكن أن يكون مثلا قائد فريق النجارة (المعلم) هو الحاصل على هذا التدريب و يكون العمال لديه (الطلب) يعملون تحت توجيهه. . . يمكن فرض غرامات مالية مع التهديد بتوقيف العمل. . .هذا بالتأكيد لن يكون محبذ للشركات العاملة بقطاع التشييد إلا ان نسبة ال1% هذه العميل مستعد جدا لدفعها للحصول على خدمة جيدة.

ما هي أراؤكم؟


* Imperial College - London
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger