الرئيسية » » مستشفى كسلا..من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله

مستشفى كسلا..من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله

Written By sudaconTube on الأحد، سبتمبر 22، 2013 | 8:16 م

تحقيق وتصوير عباس عزت

عدت لمدينة كسلا بعدغيبه دامت ثلاثة اعوام ..عدت وكان ينتابني شئ من القلق ممزوجا ببعض الفرح والشوق لهذه المدينة التى غرست حبها فى جوانحى.. كسلا التى اشرقت بها شمس وجدى فى مرحلة الشباب عندما كنت طالبا بالمرحلة الثانوية فى ثمانينات القرن الماضى.. كانت كسلا قبلة للسائحين الباحثين عن الجمال والخضره والوجه الحسن كما هو معروف عنها قبل ان ياتي عليها زمان صارت تستقبلك فيه بالقمامه والاوساخ في كل الطرقات ويكاد الفقر يجذبك من قميصك وانت ترى التردي فيها يطال كل شئ.. قلق لا اعرف له مصدر و خوف الايعرفني الناس هناك او الا اعرف انا تلك المدينه بعد تلك السنوات..

فى قهوة الرياضيين
توجهت صوب احد الفنادق بوسط السوق المكتظ بالمارة واصحاب المهن الهامشية والباعة الذين يفترشون الطرقات ويشاركون السيارات وعربات الكارو شوارع السوق الضيقة وبعد ان وضعت حقيبتى بالفندق توجهت كعادتى الى ملتقى الرياضيين بسوق كسلا وهو محل لبيع القهوة, يلتقى فيه جميع ألوان الطيف من ابناء المدينة.. صادفت جمع من المعارف والاصدقاء..

سماحة جمل الطين
تناقشنا في التردي العام للمدينه وما آلت اليه الاوضاع هناك من تفشى الفقر والعطالة .. قال أحد الظرفاء ان كسلا مدينة لايحدث فيها شىء جديد سوى الاعراس والمناسبات ..قلت له ضاحكا:ولكن هناك جديد بمستشفى كسلا التعليمى واننى شاهدت قبل فترة بتلفزيون السودان النائب الاول لرئيس الجمهورية يفتتح بعض الاقسام وعند مرورى بشارع المستشفى قبل لحظات لفت نظرى جمال مبنى الحوادث وبوابة المستشفى العملاقة تبدو فى اجمل منظر.

تداخل احد الحضور قائلا:(والله يا استاذ دى سماحة جمل الطين) ثم استرسل قائلا: قبل ثلاثة ايام تعرض ابن عمى لحادث مرورى واخذناه للمستشفى وهو فى حالة خطرة وكان بحاجة ماسة للاوكسجين الغير متوفر بقسم الحوادث حينها وبحثنا عنه فى جميع اقسام المستشفى حتى حفيت اقدامنا وبعد بحث مضنى حصلنا على انبوبة اوكسجين تعمل بواسطة النفخ اليدوى وطلب منا احد المعارف من العاملين بالمستشفى ان نتعاون فى ضخ الاوكسجين للمريض بالتناوب حتى يجلبوا منظم للاسطوانة الكبيرة يعمل اتوماتيكيا,وأضاف محدثى انهم ظلوا ينفخون لمدة ثلاثة ايام حتى توفى ابن عمهم بسبب الاهمال واللامبالاة والنقص الكبير فى معدات الطوارىءالتدهور المريع فى جميع اقسام المستشفى, ثم قال مخاطبا الجلوس:(شوفوا يا شباب.. مستشفى كسلا التعليمى هذا ,يتميز بالمنظر الخلاب من الخارج ولكن انصحكم ألا تنظروا اليه من الداخل)..

ودعت اصدقائى بمقهى الرياضيين وحملت كاميراى التى لاتفارقنى ابدا وتوجهت صوب المستشفى..

عند مدخل المستشفى ألقيت التحية على الحارس بعد ان اثنيت على جمال المنظر.. مشهد البوابة العملاقة ومن خلفها مبنى الحوادث ذو الطلاء الاخضر الجميل وطلبت منه السماح لي بمقابلة المدير الطبي للمستشفى،شكرنى على الاطراء و الاستحسان الذى ابديته لواجهة المستشفى ووجّهني إلى مكتب المدير الإداري وطلب من احد العاملين معه ان يصطحبنى الى مكتب المدير..

شكرته وطلبت من المرافق ان لايتعب نفسه واخبرته بمعرفتى السابقة لمكتب المدير.حيث كنت فى زيارة سابقة لمستشفى كسلا قبل ثلاث سنوات.. تركنى وعاد ادراجه الى مكتبه,وبعد ان تأكدت من دخوله مكتب الاستقبال انعطفت تجاه عنابر المستشفى حتى ارى بعينى ما سمعته من احاديث بالمقهى عن الاحوال المتردية للمستشفى على ان اختم زيارتى بمكتب المدير..

مآسى القرون الوسطى
قُمت بجولة في أنحاء المستشفى.. هالني ما رأيت.. أبشع كثيراً ما كنت أتصوّر عنابر الجراحة (رجالاً ونساءً وعنبر الأطفال)، تلك قصة تحكي عن مآسي القرون الوسطى.. المرضى من الرجال والنساء في مصيدة الإهمال الكامل.. بعضهم شباب وبعضهم شيوخ في أحرج سنوات العمر.. يبدو على سيمائهم الاستسلام الكامل لقدرهم المؤلم. أوساخ أينما اتجهت بنظرك والروائح الكريهة تزكم الأنوف.. شاهدت تجمعات للمرضى ومرافقيهم خارج العنابر تحت ظلال الأشجار بأدوات المطبخ والقهوة يُمارسون حياتهم اليومية من طبخ وصناعة القهوة والشاي وحتى ملابسهم يقومون بغسلها ونشرها في أسوار المستشفى وبرنداتها وشاهدت الرجال والنساء يقضون حوائجهم خلف عنابر المستشفى، حيث أنّ دورات المياه مُمتلئة وفائضة بجوار العنابر.

روائح نتنة
اقتربت من عنبر الاطفال وشاهدت عددا كبيرا من الاطفال المرضى ومرافقيهم تحت ظلال الاشجار وعندما سألتهم عن سبب جلوسهم خارج العنبر اجابتنى احدى المرافقات بأن ظلال الاشجار ارحم من الروائح الكريهة داخل العبر علاوة على حرارة الجو بالعنابر..
دخلت عنبر الاطفال الا اننى لم امكث اكثر من دقيقتين ووليت هاربا من الروائح النتنة التى تغمر العنبر بكامله..

سألت احدى الممرضات وكانت تقف خارج العنبر تستنشق بعض الهواء النقى عن سبب هذه الروائح النتنة, فأخبرتنى بأن دورات المياه ممتلأة ووصل طفحها حتى خارج الحمامات الامر الذى ادى لاغلاقها واخبرتنى عن انعدام المياه بمعظم عنابر المستشفى.. وعن الصرف الصحي حدث ولا حرج، حيث إنّ جميع دورات المياه بالمستشفى مُغلقة لطفح الآبار، الأمر الذي جعل إدارة المستشفى تحفر حفرة كبيرة على سطح الأرض لانسياب مياه الصرف الصحي الطافحة إلى الحوش الخلفي لقسم الاطفال.

نقص فى الأسرة والمراتب
وفى عنبر الجراحة حريم التقيت احدى الممرضات التى اخبرتنى بأن قسم الجراحة هو من اكبر الاقسام التى تدر مبالغ مالية طائلة للمستشفى من رسوم العمليات الا انه من اسوأ الاقسام بيئة, وقالت بأن هناك نقص كبير فى الأسرة والمراتب وانهم خاطبوا ادارة المستشفى اكثر من عشرين مرة طالبين فيها صيانة العنبر المتهالك ورفده بالسراير والمراتب وادوات النظافة والتعقيم الا ان الرد دائما يأتيهم بأن الصيانة سوف تتم بعد الخريف ومضى اكثر من خريف حتى اصبحت تعتقد بأنهم يقصدون خريف العمر!!

كما اشتكت من عدم توافر مياه الشرب، حيث إنّ الشبكة العامة تُعاني من قطوعات مستمرة. تصوّروا مستشفى كسلا.. ليس به ماء..

كيف إذن تُجرى العمليات الجراحية الصغيرة والكبيرة.. كيف يقيم المرضى في العنابر بلا ماءٍ للشرب أو الحمّامات.. باستمرار وأحياناً بلا كهرباء أيضاً..

مستشفى غير صالحة للاستخدام البشرى
وفى عنبر الجراحة رجال التقيت أحد المرافقين الذى ابدى سخطه على الحال المتردى للمستشفى قائلا: انه مستشفى غير صالحة للاستخدام البشرى واضاف بأنه مضى عليهم بعنبر جراحة مرضى السكر اكثر من شهر بدون اضاءة وانهم يتحركون ليلا بالبطاريات وكشافات الموبايل وان الخدمات معدومة تماما والعلاجات غالية وغير متوفرة بصيدليات المستشفى واكثر ما يؤرقهم عدم وجود نقالات وكراسى متحركة لنقل المرضى من غرفة العمليات التى تبعد حوالى ثلاثة آلاف متر من العنبر مما يجعل اهل المريض يقومون بحمله على اكتافهم بطريقة غير صحيحة قد تؤدى الى مضاعفات..

وجاء الفرج
واثناء جولتى بقسم الجراحة اذا بصوت غليظ يأتينى من الخلف صائحا :(تعال يازول.. بتصور فى شنو؟) التفت ناحية الصوت وشاهدت شرطيا غاضبا ومتحفزا لضربى .. ابتسمت له واخبرته بأننى صحافى وفى مهمة صحافية الا انه اخذ بيدى طالبا منه التوجه الى مدير الامن بأدب وبدون نقاش مع انى كنت مؤدب جدا فى حوارى معه.. ما علينا..قادنى الى احد المكاتب وكان هناك شخصا جالسا واخذ فى التحقيق معى عن سبب الزيارة ولماذا لم اقابل الحهات المسؤولة حتى تأذن لى بزيارة اقسام المستشفى.. وكان ردى له بأننى عادة ما اقوم بزيارة المستشفى والوقوف على شكاوى المرضى والعاملين ثم اختم بزيارة المدير الطبى للافادة خوفا من وضع العراقيل فى طريقى من قبل الادارة حتى لا ارى المسكوت عنه. لم يقتنع بكلامى وتركنى حبيسا بالغرفة الا ان جاء الفرج عند قدوم احد الاخوة الصحافيين العاملين بدول الخليج متقدما بشكوى بخصوص خطأ طبى وقع لاحد اقاربه بالمستشفى نتيجة تحليل خاطىء ادى لمضاعفات للمريض الامر الذى ادى الى ارتباك المدير الطبى الذى هب واقفا من كرسيه طالبا منى الانصراف وعدم دخول المستشفى الا بكتاب من وزارة الصحة .. اخذت بطاقتى الصحفية التى كانت بحوزته قائلا لنفسى:(قال وزارة صحة قال) واليكم حصيلة الجولة القصيرة بالصور..
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger