أفراح تاج الختم - صحيفة الانتباهة
لقد كانت المنازل في الخرطوم سابقاً مواكبة من حيث تطور فن العمارة وكانت واحدة من أجمل العواصم من حيث التطور والعمران، فالمباني التي شيِّدت في فترة الإنجليز تقف شاهد عيان على ذلك التطور العمراني في تلك الفترة وقد احتضنت الخرطوم العديد من الجاليات وبها العديد من الأجانب من مصريين وشوام ويونانيين وغيرهم فادخلوا معهم بعض فنون العمارة إلى السودان. أما مدينة أم درمان فقد اشتهرت ببيوت الجالوص التي يرجع تاريخ بنائها لفترة المهدية وبعضها ما زال يقف صامدًا وكذلك ضمت بعض البيوت الحديثة في ذلك الوقت نحاول من خلال هذا الموضوع طرح نماذج من فن العمارة في بعض المنازل في فترة الثلاثينيات بزيارتنا لمنزل شيّد في عام «1930م» بشارع صالح باشا بالخرطوم والمنزل معلم أثري يحتفظ بكل تفاصيله القديمة ومنزل إسماعيل المطبعجي بأم درمان الذي شيّد أيضاً في تلك الفترة فتفضلوا معنا أولاً بزيارة منزل صالح باشا الذي فضّل صاحبه عدم ذكر اسمه لمعرفة فن العمارة في ذلك الوقت.. والمنزلان يقفان بنفس المتانة والقوة ولم تهب عليهما رياح التغيير ولم تؤثر فيهما الظروف البيئية والمناخية...
في البداية وجدنا منزل صالح باشا بعد بحث مضني عنه لأن كل المباني بشارع صالح باشا هي مباني تجارية واستثمارية باعها مُلاكها ولم يتبقَ من المنازل فيها إلا هذا المنزل ومعه منزل آخر وقد دلنا لمنزله أحد المواطنين ويقع المنزل على ثلاثة شوارع شارع صالح باشا وشارعين فرعيين وما يشد انتباهك وأنت أمام المنزل هي الشبابيك الخشبية القديمة.. طرقنا الباب ورحب بنا فكان حديثه ممتعاً وجميلاً وهو يحكي لنا عن منزله بهدوء مثل هدوء المنزل الذي لا تسمع فيه إلاّ زقزقة العصافير.. بداية عرّفنا بنفسه وقال إنه من مواليد عام «1944م» عمل موظفاً في مجال البنوك وأن والده دخل الخرطوم من بداية القرن التاسع عشر وكان من الموظفين، وعندما نزل للمعاش تم إعطاؤه هذا المنزل عندما تقاعد للمعاش في هذا الحي، وكان يسمى سابقاً بحي الترس، يقول: شيّد والدي هذا المنزل في عام «1930م» مساحته «727» متراً وكانت مصلحة تنظيم الأراضي في تلك الفترة هي التي تعطي الخريطة للمنزل، وعن المواد التي استخدمت في تشييد المنزل يقول إن المنزل مبني من الطوب الأحمر من الخارج والأخضر من الداخل وتسمى هذه الطريقة من البناء (قشرة) ويكون داخل المنزل من الطوب الأخضر لإعطاء برودة للمنزل ومن الداخل يطلى المنزل بالرمل الصمغ ويكون بكمية معتدلة ثم يدهن بالبوماستك، أما السقف فيكون مرتفعاً مأخذ حرف ( L) وارتفاعه 4 متر لجذب الحرارة، وفي فصل الصيف لا نحس بالحرارة والخشب من نوعية لأتاكلها الأرضة ومعمول من فوقه الزفت ويوضع عليه الطوب مكسر مخلوط بالأسمنت وأخيراً يضاف الزفت من فوقه ويأتي بالزفت في براميل وهو أشبه بالذي تعمل به شوارع الإسفلت ويأتي مستوردًا من شركة شل.. وعن خشب الشبابيك يقول إن نوعيته تناسب البيئة السودانية فهو مقاوم لحرارة الجو والمطر فشبابيك الخارج من الخشب ومن الداخل نصفها زجاجي.. أما عن البلاط فقد كان رخيصاً ومتيناً والمنزل به «9» غرف وتوجد أعمدة بجانبات البرندات وهي أعمدة مصبوبة يصممها المصريون وتصب في قوالب وهي من الطراز اليوناني القديم، وتصمم البرندة شمال جنوب للتهوية والمدخل يسمى (انترى) وعن الصرف الصحي بالمنزل أكد أنه دخل في عام «1959م» وقبله كانت الحمامات بعيدة من المنزل وتجولنا معه داخل المنزل ففي المطبخ يدهشك التصميم فالمطبخ كذلك لم تطله يد التغيير إلا باضافة البوتجاز الذي يوجد بالقرب من فرن مبني من الخرصانة في مسطبة والفرن أشبه بالبتوجاز كبديل للكانون يعمل بالفحم، فقد استمد والده تلك الفكرة من الريف الإنجليزي في إحدى سفرياته والشبابيك مطلة على الشارع لاستخراج روائح الطعام والمطبخ به نملية ودولاب من الخشب ملصوق مع الحائط، ويحتوي المطبخ أيضاً مغسلة لغسل الأواني، وكل جزء من منزل العم أحمد لم تطله يد التغيير، وكما قال العم أحمد إنه لم يقم بتغيير أي شيء في المنزل سواء أنه يقوم سنوياً بصيانته بإضافة فلنكوت لسقف المنزل ويطلي ما يحتاج طلاء، وفي داخل الغرف توجد عناقريب المخرطة بحبالها المصنوعة من السعف منذ عام «1930م» وهناك تلفون منذ العام «1955م» ويعمل بنفس الرقم منذ ذلك التاريخ إلى الآن وهو يتبع لشركة سوداتل وكان يتبع لمصلحة البوستة والتلغراف ويطلق عليه التلفون الاتوماتيكي وقيمة الاشتراك «750» مليماً. والمنزل به حديقة جميلة بداخله، وفي ختام لقائه معنا حكى لنا عن الخرطوم في السابق وقال إن الخرطوم كانت شوارعها مسفلته وبها إضاءة وكلها كانت خضراء وحتى كان يطلق عليها في أيام الحاكم العام (the green grand ) وكانت غاية في النظافة وأول خطة سكنية لها كانت بعد عهد ونجت، والمنازل عندما صُممت تمت مراعاة الظروف البيئية فيها.. وحي الترس الذي أسكن به الآن كان كل ساكنيه من الموظفين من الأقباط ولكنهم هاجروا منه لأسباب عديدة ليست بالمادية نسبة لتوسع الأسر والورثة.
٭ منزل إسماعيل المطبعجي
وفي مدينة أم درمان بحي بيت المال زرنا منزل إسماعيل المطبعجي الذي شيّد كذلك في بداية الثلاثينيات والمنزل شهد دخول أول مطبعة للسودان بواسطة جدهم إبراهيم إبراهيم المطبعجي وهو من المنازل التي أيضاً ما زالت تقف جميلة ومميزة والتقينا الأستاذ الجامعي إسماعيل المطبعجي صاحب المنزل ليحكي لنا عن تاريخ منزلهم وقال إن المنزل بناه المقاول والمهندس حسين عبد الحق وهو واحد من الذين أسهموا في بناء بعض دواوين الحكومة والمنزل مبني بنوعية من الطوب الكبير الحجم وهو خليط من الطوب الأحمر والأخضر ويسمى (قشرة) وقد كان الطوب في تلك الفترة مختوماً بختم من الحكومة ويضيف المطبعجي إن المنزل من الداخل مبيض بالرمل المضاف له الصمغ العربي ويعطي نفس متانة الأسمنت وبعدها يصبح لون المبنى أحمر، دكان من الداخل ويمكن طلاؤه بالجير المحروق أو تركه من غير طلاء وسقف المنزل من الخشب الصناديق الذي تم استجلابه من السكة الحديد وهو خشب متين مطلي بطلاء ضد الأرضة (مادة زفتية ذات رائحة) وحتى السبلوقة التي تخرج مياه الأمطار مصنوعة من حديد مقاوم للصدى وإلى الآن تعمل بجودة والبرندات بها تقويس على الجنبات يسمى (ارشات) ويضيف المطبعجي أن الشبابيك في المنزل من خشب السنط، والبلاط في الأرض إنجليزي ومختوم، وبه لونين أسود وأبيض، وفي تلك الفترة لا يعمل البلاط إلا في الديوان وهو أعلى مبنى في المنزل ويكون مرتفعاً من الأرض وله مدرج (سلالم) ويكون كذلك مرتفع، وأيضاً في هذا الحي العم مكرام ميلاد يحكي لنا عن ذكرياته عندما قدم من شندي إلى الخرطوم وأنه كان يسكن في بونسيون تقيمه أرملة يونانية بالخرطوم وكانت الخرطوم وقتها تعج بمختلف الجنسيات في العالم من يونانيين وإيطاليين وشوام ويمنيين وغيرهم حيث تفوح رائحة الياسمين والفل من المنازل هناك.
لقد كانت المنازل في الخرطوم سابقاً مواكبة من حيث تطور فن العمارة وكانت واحدة من أجمل العواصم من حيث التطور والعمران، فالمباني التي شيِّدت في فترة الإنجليز تقف شاهد عيان على ذلك التطور العمراني في تلك الفترة وقد احتضنت الخرطوم العديد من الجاليات وبها العديد من الأجانب من مصريين وشوام ويونانيين وغيرهم فادخلوا معهم بعض فنون العمارة إلى السودان. أما مدينة أم درمان فقد اشتهرت ببيوت الجالوص التي يرجع تاريخ بنائها لفترة المهدية وبعضها ما زال يقف صامدًا وكذلك ضمت بعض البيوت الحديثة في ذلك الوقت نحاول من خلال هذا الموضوع طرح نماذج من فن العمارة في بعض المنازل في فترة الثلاثينيات بزيارتنا لمنزل شيّد في عام «1930م» بشارع صالح باشا بالخرطوم والمنزل معلم أثري يحتفظ بكل تفاصيله القديمة ومنزل إسماعيل المطبعجي بأم درمان الذي شيّد أيضاً في تلك الفترة فتفضلوا معنا أولاً بزيارة منزل صالح باشا الذي فضّل صاحبه عدم ذكر اسمه لمعرفة فن العمارة في ذلك الوقت.. والمنزلان يقفان بنفس المتانة والقوة ولم تهب عليهما رياح التغيير ولم تؤثر فيهما الظروف البيئية والمناخية...
في البداية وجدنا منزل صالح باشا بعد بحث مضني عنه لأن كل المباني بشارع صالح باشا هي مباني تجارية واستثمارية باعها مُلاكها ولم يتبقَ من المنازل فيها إلا هذا المنزل ومعه منزل آخر وقد دلنا لمنزله أحد المواطنين ويقع المنزل على ثلاثة شوارع شارع صالح باشا وشارعين فرعيين وما يشد انتباهك وأنت أمام المنزل هي الشبابيك الخشبية القديمة.. طرقنا الباب ورحب بنا فكان حديثه ممتعاً وجميلاً وهو يحكي لنا عن منزله بهدوء مثل هدوء المنزل الذي لا تسمع فيه إلاّ زقزقة العصافير.. بداية عرّفنا بنفسه وقال إنه من مواليد عام «1944م» عمل موظفاً في مجال البنوك وأن والده دخل الخرطوم من بداية القرن التاسع عشر وكان من الموظفين، وعندما نزل للمعاش تم إعطاؤه هذا المنزل عندما تقاعد للمعاش في هذا الحي، وكان يسمى سابقاً بحي الترس، يقول: شيّد والدي هذا المنزل في عام «1930م» مساحته «727» متراً وكانت مصلحة تنظيم الأراضي في تلك الفترة هي التي تعطي الخريطة للمنزل، وعن المواد التي استخدمت في تشييد المنزل يقول إن المنزل مبني من الطوب الأحمر من الخارج والأخضر من الداخل وتسمى هذه الطريقة من البناء (قشرة) ويكون داخل المنزل من الطوب الأخضر لإعطاء برودة للمنزل ومن الداخل يطلى المنزل بالرمل الصمغ ويكون بكمية معتدلة ثم يدهن بالبوماستك، أما السقف فيكون مرتفعاً مأخذ حرف ( L) وارتفاعه 4 متر لجذب الحرارة، وفي فصل الصيف لا نحس بالحرارة والخشب من نوعية لأتاكلها الأرضة ومعمول من فوقه الزفت ويوضع عليه الطوب مكسر مخلوط بالأسمنت وأخيراً يضاف الزفت من فوقه ويأتي بالزفت في براميل وهو أشبه بالذي تعمل به شوارع الإسفلت ويأتي مستوردًا من شركة شل.. وعن خشب الشبابيك يقول إن نوعيته تناسب البيئة السودانية فهو مقاوم لحرارة الجو والمطر فشبابيك الخارج من الخشب ومن الداخل نصفها زجاجي.. أما عن البلاط فقد كان رخيصاً ومتيناً والمنزل به «9» غرف وتوجد أعمدة بجانبات البرندات وهي أعمدة مصبوبة يصممها المصريون وتصب في قوالب وهي من الطراز اليوناني القديم، وتصمم البرندة شمال جنوب للتهوية والمدخل يسمى (انترى) وعن الصرف الصحي بالمنزل أكد أنه دخل في عام «1959م» وقبله كانت الحمامات بعيدة من المنزل وتجولنا معه داخل المنزل ففي المطبخ يدهشك التصميم فالمطبخ كذلك لم تطله يد التغيير إلا باضافة البوتجاز الذي يوجد بالقرب من فرن مبني من الخرصانة في مسطبة والفرن أشبه بالبتوجاز كبديل للكانون يعمل بالفحم، فقد استمد والده تلك الفكرة من الريف الإنجليزي في إحدى سفرياته والشبابيك مطلة على الشارع لاستخراج روائح الطعام والمطبخ به نملية ودولاب من الخشب ملصوق مع الحائط، ويحتوي المطبخ أيضاً مغسلة لغسل الأواني، وكل جزء من منزل العم أحمد لم تطله يد التغيير، وكما قال العم أحمد إنه لم يقم بتغيير أي شيء في المنزل سواء أنه يقوم سنوياً بصيانته بإضافة فلنكوت لسقف المنزل ويطلي ما يحتاج طلاء، وفي داخل الغرف توجد عناقريب المخرطة بحبالها المصنوعة من السعف منذ عام «1930م» وهناك تلفون منذ العام «1955م» ويعمل بنفس الرقم منذ ذلك التاريخ إلى الآن وهو يتبع لشركة سوداتل وكان يتبع لمصلحة البوستة والتلغراف ويطلق عليه التلفون الاتوماتيكي وقيمة الاشتراك «750» مليماً. والمنزل به حديقة جميلة بداخله، وفي ختام لقائه معنا حكى لنا عن الخرطوم في السابق وقال إن الخرطوم كانت شوارعها مسفلته وبها إضاءة وكلها كانت خضراء وحتى كان يطلق عليها في أيام الحاكم العام (the green grand ) وكانت غاية في النظافة وأول خطة سكنية لها كانت بعد عهد ونجت، والمنازل عندما صُممت تمت مراعاة الظروف البيئية فيها.. وحي الترس الذي أسكن به الآن كان كل ساكنيه من الموظفين من الأقباط ولكنهم هاجروا منه لأسباب عديدة ليست بالمادية نسبة لتوسع الأسر والورثة.
٭ منزل إسماعيل المطبعجي
وفي مدينة أم درمان بحي بيت المال زرنا منزل إسماعيل المطبعجي الذي شيّد كذلك في بداية الثلاثينيات والمنزل شهد دخول أول مطبعة للسودان بواسطة جدهم إبراهيم إبراهيم المطبعجي وهو من المنازل التي أيضاً ما زالت تقف جميلة ومميزة والتقينا الأستاذ الجامعي إسماعيل المطبعجي صاحب المنزل ليحكي لنا عن تاريخ منزلهم وقال إن المنزل بناه المقاول والمهندس حسين عبد الحق وهو واحد من الذين أسهموا في بناء بعض دواوين الحكومة والمنزل مبني بنوعية من الطوب الكبير الحجم وهو خليط من الطوب الأحمر والأخضر ويسمى (قشرة) وقد كان الطوب في تلك الفترة مختوماً بختم من الحكومة ويضيف المطبعجي إن المنزل من الداخل مبيض بالرمل المضاف له الصمغ العربي ويعطي نفس متانة الأسمنت وبعدها يصبح لون المبنى أحمر، دكان من الداخل ويمكن طلاؤه بالجير المحروق أو تركه من غير طلاء وسقف المنزل من الخشب الصناديق الذي تم استجلابه من السكة الحديد وهو خشب متين مطلي بطلاء ضد الأرضة (مادة زفتية ذات رائحة) وحتى السبلوقة التي تخرج مياه الأمطار مصنوعة من حديد مقاوم للصدى وإلى الآن تعمل بجودة والبرندات بها تقويس على الجنبات يسمى (ارشات) ويضيف المطبعجي أن الشبابيك في المنزل من خشب السنط، والبلاط في الأرض إنجليزي ومختوم، وبه لونين أسود وأبيض، وفي تلك الفترة لا يعمل البلاط إلا في الديوان وهو أعلى مبنى في المنزل ويكون مرتفعاً من الأرض وله مدرج (سلالم) ويكون كذلك مرتفع، وأيضاً في هذا الحي العم مكرام ميلاد يحكي لنا عن ذكرياته عندما قدم من شندي إلى الخرطوم وأنه كان يسكن في بونسيون تقيمه أرملة يونانية بالخرطوم وكانت الخرطوم وقتها تعج بمختلف الجنسيات في العالم من يونانيين وإيطاليين وشوام ويمنيين وغيرهم حيث تفوح رائحة الياسمين والفل من المنازل هناك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق