الرئيسية » » استراتيجية حرب المياه ... د. ياسر محجوب الحسين

استراتيجية حرب المياه ... د. ياسر محجوب الحسين

Written By Amged Osman on الثلاثاء، يناير 08، 2013 | 6:57 م

 د. ياسر محجوب الحسين

(1)
الحروب هي شأن المجتمعات البشرية، وتتعدد وتتنوع أشكال هذه الحروب.. الكل يقول إن الحرب القادمة هي حرب المياه.. مع ارتفاع وتيرة قرع طبول هذه الحرب المياه، نلاحظ مضي الدولة في تنفيذ مشاريع السدود وهذا لعمري مسألة استراتيجية مهمة تتحسب وتستبق ذلك النوع من الحرب.. هل هذا يعني باختصار أن لدى الدولة خططاً بعيدة للتزود بأهم وسائل وأدوات تلك حرب..
تاريخياً أبرمت مشروعات جديدة على نهر النيل وروافده؛ منذ العام 1929 وتبع ذلك اتفاقية مصرية سودانية عام 1959 تعطي لمصر حق استغلال (55) مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل (83) مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل.. لقد ظلت هناك مطالبات متزايدة منذ تحرر دول حوض النيل من نير الاستعمار بإعادة النظر في الاتفاقيات القديمة، فقد هددت دول منابع النيل (خاصة تنزانيا وكينيا وأثيوبيا) بتنفيذ مشروعات سدود على النهر وفروعه تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر ما لم يتم تعديل الاتفاقية، لكن من حسن الطالع أن هذه التهديدات لم ينفذ أغلبها، وقابلتها القاهرة بمحاولات تهدئة وتعاون فني واقتصادي وأحياناً تقديم مساعدات لهذه الدول.. من جانبها أعلنت تنزانيا منذ استقلالها أنها ترفض هذه الاتفاقية من الأصل، ولا تعترف بها.

(2)
في إطار مشكلة عدم التفريق بين الحزب والدولة، وبين الإستراتيجي وغير الإستراتيجي تواجه مشاريع السدود بفهم مغلوط.. مشاريع السدود في السودان لا تقف أمامها عقبات التمويل فقد وجد السودان تعاوناً كبيراً من صناديق التمويل العربية، ولكن التحدي الأكبر هو اعتراضات بعض السكان فضلاً عن تحول مواقف المعترضين إلى برامج سياسية تستثمر فيها بعض الأحزاب والقوى السياسية الأمر الذي يزعج كثيراً المخططين الإستراتيجيين.. في آخر مؤتمر صحفي لوزير الموارد المائية والكهرباء والمسؤول عن تنفيذ السدود، قال بحسرة شديدة إن البعض أضاع فرصة ثمينة لإقامة سدي الشريك وكجبار، بيد أن خطاب "البشير" لدى افتتاحه بداية هذا الشهر مشروع تعلية سد الروصيرص تضمن توجيها لا لبس فيه بالمضي قدماً في هذين المشروعين.. وصاحبت سد الشريك شمال البلاد قصة حزينة التي راح ضحيتها أحد المواطنين الأبرياء.. الشأن الداخلي في كل من مصر والسودان يستغرق حكومتيهما في معارك لا طائل منها.. ففي الوقت الذي اكتملت فيه خطط سرقة مياه النيل وأينعت واستعد الإسرائيليون لقطافها، تنشغل الحكومتان في مدافعة المعارضة.. في نفس الوقت تقول صحيفة (جيروزاليم) الإسرائيلية إن إسرائيل وقعت أول اتفاقية دولية مع دولة جنوب السودان.. الاتفاقية لاستغلال مياه النيل ومشروعات تحلية ونقل المياه.. حصة مصر من مياه النيل في خطر داهم وأمن حدود السودان مع الدولة الجديدة تعبث به المخابرات الإسرائيلية.

(3)
تذكرون قصة أكبر مشروع تنموي وهو سد مروي وكيف أثار أعاصير اجتماعية هدأت بعد جهود كبيرة مضنية استهلكت الكثير من الوقت.. لقد كانت القضية قضية مطلبية، مرتبطة بعوامل فنية، لكنها تحولت إلى قضية سياسية، على صفيح ساخن.. ما أدهشنا أولئك الذين أرادوا إثارة الأعاصير لأجل الكسب السياسي.. ما سُمى بـ(الجبهة السودانية للتغيير) أصدرت بياناً قالت فيه أنها (تقف مع قضية المناصير العادلة).. أحدهم كتب مقالاً بعنوان (المناصير.. استعدوا للأعاصير).. وآخر كتب يقول: (التهجير تم بطريقة ممنهجة لمجموعات معينة من شمال السودان من أجل إبادة ثقافاتها ومحو تاريخها من المنطقة ليتم عملية الإحلال والإبدال بطريقة سلسة دون أن يلتفت إليها النائمون)!!.. المدهش حقا كذلك أن ما يسمى بقوى الإجماع الوطني طالبت بتدويل هذه القضية وقال الأمين السياسي بحزب المؤتمر الشعبي: (نتمسك بمشاركة المجتمع الدولي في القضية)!!.. رئيس لجنة المتأثرين بقيام السد قطع قول كل متاجر بالقضية قائلاً: (إن قضيتنا تتعلق بالحقوق وليس لها علاقة بالسياسة ولن نسمح بدخولها في هذا المسار رغم محاولة بعض الأحزاب اختطاف القضية).
شارك هذا المقال :
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger