الرئيسية » » السكة حديد.. ضحية الفشل الإداري..... د. هاشم حسين بابكر

السكة حديد.. ضحية الفشل الإداري..... د. هاشم حسين بابكر

Written By Amged Osman on الأحد، يونيو 01، 2014 | 10:57 ص

د. هاشم حسين بابكر     

قبل حوالى أسبوع كتبت في هذا العمود نداءً لمدير السكة حديد مطالباً سيادته بتوضيح لماذا لا يجد المسافرون من عطبرة تذاكر السفر بالقطار، بالرغم من ان المسافر يذهب إلى السكة حديد قبل أربع وعشرين ساعة من موعد السفرية. لم يجهد أحد نفسه في الرد على التساؤل رغم أن الموضوع قضية عامة يتأثر بها المواطن مباشرة فلا مدير السكة حديد تفضل بالرد وبالطبع لم يكلف جهاز اعلام السكة حديد بالرد، وكل الادارات في الخدمة المدنية في السودان لا تبادر، إنما تنفذ ما يأتيها من تعليمات، وان لم تكن هناك تعليمات تظل تلك الادارات بلا عمل تتسلى بقراءة الصحف والونسة الفارغة..! «سيبك منو».. «طنش» هكذا دائماً ينظر إلى من يرفع قضية تهم المواطن. وهذا يمثل قمة اللا مسؤولية، ولا مسؤولية الموظف سببها انعدام ذلك الشخص الذي يتحمل المسؤولية، وهذا للاسف يلاحظ على كل المستويات رئاسية كانت ام وزارية او ادارية لذلك لا غرابة في التردي الذي يعيشه ويعاني منه المواطن أشد المعاناة. كمتخصص في هندسة السكة الحديدية أود ان اسأل بعض الاسئلة عن مسار هذه المؤسسة الهامة والاستراتيجية، وأول هذه الاسئلة هل تمت صيانة الخط الحديدي من الخرطوم إلى عطبرة بالطريقة التي تصان بها خطوط السكك الحديدية في العالم؟!! يبدو وللوهلة الأولى ان الاجابة لدى أي متخصص في السكك الحديدية هي لا النافية.

اقول هذه الاجابة ودليلي على ذلك السرعة البطيئة التي يسير بها القطار السريع والخفيف والذي يسير في الاحوال العادية بسرعة تصل إلى مائة وعشرين كيلو متراً في الساعة كل ما حدث في الخط ان تم تغيير الفلنكات الخشبية باخرى اسمنتية واهيلت ما بين الفلنكة والأخرى الحجارة المكسورة أما عن تحمل الخط ذاته وردمياته للسرعات العالية والشحنات الثقيلة فلا أحد اهتم بها، لذلك تجد القطارات تسير بسرعة دبيب النملة، لم يحدث ان رأيت عمليات جادة تجرى على الردميات كعملية الكومباكشن التي عادة ما تجري على الردمية، وقد رأيت في بعض الحالات البلدوزر يدفع بالتربة إلى جانبي الردمية وهذا اقصى ما يمكن عمله حيال الردمية، وفي إحدى سفرياتي كنت استقل القطار وقد حدث عطل في الخط فأخذ البلدوزر يجمع التراب «أي نوع من التراب لا فرق» على جانبي الردمية وحين انتهت العملية طلبوا من سائق القاطرة أن يمشي ذهاباً واياباً على الردمية كي يقدم بعملية الكومباكشن للتربة «سبحان الله» وهذه العملية تسمى في مصطلحات السكة حديد بالمكوة، وهذه العملية لا علاقة لها بالكومباكشن اطلاقاً بل ان ضررها اكبر من نفعها إن كان هناك نفع أصلاً. من أكبر عمليات الصيانة في السكة الحديدية في العالم هي عملية صيانة الخط فهناك عدة صيانات يومية ودورية كل ثلاثة اشهر وسنوية، والخط الحديدي واعني به القضيب والردمية ونوع التربة التي تشكلها والكومباكشن والبلاست، فهذه العمليات تجري بدقة متناهية، وعندما انظر إلى الخط الحديدي يصيبني حزن عميق حيث ترى القضيب يتموج رأسياً وافقياً وسبب ذلك عدم وجود أي نوع من الكومباكشن تم تطبيقه على هذه الردمية التي هي الأخرى يجري تشكيلها من أي نوع من انواع التربة دون أي اعتبار لخصائصها.. لا يستطيع اي قطار مهما خف وزنه أن يسير بسرعة عالية على مثل هذه الخطوط، فالقطار السريع «اسماً لا فعلاً» مقرر له قطع المسافة بين عطبرة والخرطوم والتي تقاس من محطة الخرطوم إلى محطة عطبرة بمسافة ثلاثمائة وثلاثة عشرة كيلومتراً يقطعها هذا القطار السريع في ست ساعات إن لم تزد فلن تنقص أي انه يأخذ زمناً مضاعفاً في المسافة، وهذا بكل المقاييس غير ذي جدوى اقتصادية، كما ان هناك رحلة واحدة في اليوم في حين انه يمكن يعمل ثلاث رحلات من عطبرة إلى الخرطوم وبالعكس.. ولكل سيارة أو قاطرة أو حتى طائرة سرعة مثالية «Idle speed» إن نقصت أو زادت فإن مستوى صرف الوقود يزداد، وتصبح الالية غير ذات جدوى اقتصادية، فعلى أي اساس قررت ادارة السكة حديد تسيير رحلة واحدة تسير بسرعة أقل بكثير من السرعة المثالية وكيف بعد ذلك تنتظر نجاحاً من قطار دفعت فيه الملايين ولم يُعبد له الطريق. وبسبب رداءة الطريق سوف تتعطل هذه القاطرات، ثم يصبون جام غضبهم عليها ويصفونها بالفاشلة والما نافعة في حين أن الفشل كل الفشل يتجلى في كيفية الادارة.

لم اجد في أي بلد زرته في العالم مقابر للقاطرات كتلك التي رأيتها في السودان، كثيراً ما ركبت اكسبريس الشرق من موسكو إلى لندن، واطول مسافة داخل دولة يقطعها هذا القطار في بولندا حيث يعبر بولندا من غربها إلى شرقها منذ الصباح الباكر وإلى مساء اليوم التالي، والقاطرة التي تجر قاطرة بخار تم صنعها منذ قرن من الزمان ولكنها تصل في الزمان المحدد ولا تتأخر أبداً.. فالقاطرة أبداً لا تموت فهي تتجدد كل خمسة وعشرين عاماً، وتتخلل هذا الربع قرن عمليات صيانة يومية ودورية وسنوية، ولكنها في السودان تموت دون ان يزرف عليها احد دمعة واحدة، ومن الغريب أن ترى البعض يلومون الصناعة فتجد من يقول لك القاطرات البلجيكية دي كلام فارغ أما البريطانية اكثر جودة اما الامريكية فهي ممتازة وكل هذه الانواع في أقل من عشر سنوات تذهب إلى المقابر.

حتى أن البعض يقول يا حليل البخار، وقد ركبناه هو الآخر فقد كان يتحرك في السابعة والا ثلث من محطة الخرطوم ويصل إلى محطة عطبرة في الثانية الا ثلث ظهراً، أي في زمن قدره سبع ساعات لم يتأخر قطار البخار ولو دقيقة واحدة واليوم وبعد مرور ستين عاماً تقريباً تأتينا اخر صيحات التكنولوجيا لتقطع ذات المسافة في ذات الزمن. عجبي.

ما جرى على السكة حديد هو تخريب انضم عليه سوء ادارة مضافاً إليه اللامبالاة وعدم المسؤولية، فالسكة حديد تجمع مجموعة تخصصات ما بين ميكانيكية ومدنية وكهربية واليكترونية وهندسة عربات وتسيير واشارات واتصالات وغيرها وهذه تتكامل مع بعضها البعض لتسيير القطار، وليس من المعقول أن تأتي بمهندس مهما كان نابغاً في مجاله وتوكل إليه ادارة السكة حديد وهو لا يدري عنها شيئاً، فاللغة الهندسية تختلف في السكة حديد عنها في الري أو الكهرباء أو غيرها من التخصصات الهندسية، وكما يقول المثل البلدي «ما كل المدردم ليمونة» ولو تتبعنا شريط تعيينات المهندسين الذين تولوا ادارة السكة حديد وقد نبغوا في عملهم الهندسي في مجالات أخرى، نجدهم قد سجلوا فشلاً ذريعاً في ادارة السكة حديد واكبر جريمة حدثت في عهودهم ان تم تدمير السكة حديد وقبرها بعد توليهم ادارتها، واقلها تدمير ديبو الخرطوم الذي كان قبل اكثر من نصف قرن تخرج منه إحدى وعشرين قاطرة في اليوم ويدخله ذات العدد، واليوم نادرا ما ترى قاطرة تخرج منه أو تدخله، وبدلاً عن ذلك تحول ذلك الديبو العظيم إلى موقف لحافلات الشقلة والحاج يوسف، أي جريمة أكبر من هذه يمكن ان ترتكب في حق السودان وبعد ذلك يعين مديراً لسكة بلا حديد.

abuhamoudi@gmail.com
شارك هذا المقال :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger