الرئيسية » » نظافة ولاية الخرطوم .. رؤى فى منهج التفكير - م.م. مجاهد بلال طه

نظافة ولاية الخرطوم .. رؤى فى منهج التفكير - م.م. مجاهد بلال طه

Written By Amged Osman on الاثنين، فبراير 15، 2016 | 9:00 م

م.م. مجاهد بلال طه

من ذكريات الصبا و مجهوداته الطوعية تظل ذكرى قلاب عم على بحى الكلاكلة المنورة راسخة و منيرة .. ربما سبب ذلك حجم الرضاء الداخلى الذى حققته لطموحات شباب .. و ربما للانجاز الظاهر فى خدمة أهل المنطقة و نظافتها .. و ربما لغير ذلك من الاسباب .. لكنها تظل تجربة صغيرة و متكررة فى معظم أحياء ولاية الخرطوم، فما الجديد الذى يجعل حكومة ولاية الخرطوم تقف عاجزة أمام نظافة المدينة بدعوى التكلفة. و ما الجديد الذى يجعل أحياءنا متسخة بما كسبت أيدينا و نحن نحتفل بفرح على الوسائط بأن مدينتنا قد أحرزت المرتبة الاولى فى الاتساخ و كأننا نتحدث عن عاصمة الاعداء لا عاصمتنا و أحياءنا و قرانا.

حسنا .. مختصر الأمر أن هنالك ثلاث تحديات تواجه كل من يريد أن يقوم بنظافة ولاية الخرطوم وجب عليه أن يتحسب لها و أن يعمل تجاهها وفق خطة عمل واضحة .. و إلا فلا يلومن الا نفسه .. و العاصمة المتسخة هى مصيره .. فماذا هناك و كيف الترتيب؟.

التحدى الاول (فى نظرى) هو منهج التفكير الرسمى فى التعامل مع المشكلة .. و ذلك الامر بالرغم من انه يواجه عدة مؤسسات اخرى شبيهة .. لكننا سنتقتصر ههنا على موضوعنا .. اذ أن هيئة النظافة تفكر فى الامر بعقلية التاجر الذى ينظر الى الامر بعين التكلفة و الربح و الخسارة لا بعقلية الدولة التى تعتمد منهج التخطيط و الاشراف و الادارة العليا بدون فعل تنفيذى مباشر .. و يظهر ذلك الامر جليا فى الارقام التى تتحدث عنها هيئة النظافة بأن الرسوم الحالية لا تغطى التكلفة .. و بالتالى سيكون هناك عجز فى الخدمة بقدر عجز التكلفة .. بالتالى اما تغطية التكلفة ( تحرير الخدمة ) و سداد كامل الرسوم من المستفيد لانجاز المهمة .. أو بقاء الولاية متسخة على حالها .. و ذلك هو بالضبط منهج التفكير التجارى الذى لا يصلح تبنيه فى مثل هكذا خدمات. و السؤال المهم .. هل اذا تم سداد كامل التكلفة سيتم انجاز النظافة بنسبة 100% ؟ .. و الاجابة بصورة قاطعة لا .. و ذلك لعدة أسباب .. أولها أن أمر النظافة تؤثر عليه عوامل ثلاث التكلفة أحدها و ليس أهمها .. بالتالى بعلاج أمر التكلفة يظل التحديان الآخران ماثلان و هما لا دخل لهما بالتكلفة كما سيأتى تبيانه .. ثانى الاسباب أن جنيه اليوم ليس هو جنيه الغد و ذلك أمر لا يتناطح فيه عنزان .. عليه فمن المتوقع أن تفشل الخدمة بذات المعدل الذى تتقلب به الاسعار يوميا و التى فى الغالب لا يحكمها منطق يمكن البناء عليه (على الاقل حاليا). ثالث الاسباب أن التكلفة المقصودة ليست جنيهات بحتة تطير لوحدها فتنجز مهمة النظافة و ننجح .. بل هى سيارات و معدات و آليات و عمال و موظفين و حضور و انصراف و صيانة أعطال و تكلفة صيانة و تشغيل و وقود و .... و لك أن تكمل التخيل فيما سيكون مكتوبا فى الاجندة اليومية للسيد مدير هيئة النظافة من موضوعات و مشكلات و تصاديق و تفاصيل ادارة يومية يأتى فى آخرها نسبة التغطية الضعيفة للخدمة من الادارات المختصة .. و السبب باختصار هو تعثر الاجراءات الادارية و العمليات الفنية المذكورة آنفا مما لا تستطيع الدولة التعامل معه بالسرعة و التقدير المطلوبان بمعدل يتناسب مع الاحتياج الفعلى للخدمة .. و ذلك بالطبع لطبيعة اجهزة الدولة و نظمها الموجودة و ليس لفشل الموظف او العامل فى القيام بواجبه و ذلك أيضا أمر وارد و بشدة. هذا فيما يختص بمنهج التفكير الرسمى تجاه المشكلة.

التحدى الثانى هو التغيير الحاد فى منهج تفكير متلقى الخدمة تجاه المشكلة و الذى يمكن وصفه بتفكير تائه تولد لدى بعض أبناء بلادى .. توهان يجعلنا نتناقل خبر اتساخ مدينتنا بكثير من الفخر و التشفى .. لكن التشفى ممن .. لا أظنه الا فى انفسنا. و جذء من اسباب ذلك الامر مرتبط بمنهج التفكير التجارى الذى ذكرناه للدولة و الذى حول الخدمة من هم عام مشترك لدى الجميع .. شعب و حكومة .. حولها الى سلعة .. بيع و شراء .. أسدد حسابها كمواطن ثم انتج لك القاذورات و أجلس من فوقها لمحاسبتك .. كيسا كيسا .. ورقة ورقة .. بذرة بذرة .. و وفق ذلك .. من الافضل ان تكون الدولة (هيئة النظافة ) فى جانب الطرف الذى يقوم بالمحاسبة فتكون هى و متلقى الخدمة ذوى هم مشترك لمحاسبة من يقوم بتقديمها. (كيف .. تلك تفاصيل).

التحدى الثالث هو سلوكنا نحن كسودانيين تجاه الامر .. و سأقتصره فى طرفتين. الاولى .. كان يركب معى فى السيارة الصغير على ذى السنوات العشر و هو يأكل فى شئ له مخلفات .. و عندما انتهى فتح زجاج السيارة بتلقائية لرمىها فى الخارج ( شارع رئيسى) .. فقلت له بهدؤ (( كده حتوسخ الشارع يا على .. خليها فى العربية و بعدين نرميها فى السلة)) .. شعر الصغير بشئ من الخجل .. ثم رد على بسرعة لا تخلو من الدهاء (( هو الشارع براااهو وسخان يا بابا .. حتى عاين أها .. شوف شوف شوف)) .. و بالطبع لم يخذله الواقع فى ذلك ( و فعلا شفت). الطرفة الثانية .. كنت اقود سيارتى خلف عربة شاحنة فارغة للنظافة مكتوب على جانبها شعار جميل يحكى عن اهمية النظافة .. و فى قمة الشاحنة كان يجلس عامل نظافة واحد و هو يأكل فى قطعة (منقة) .. و لا ادرى لما ركزت فى المنظر .. ثم بعد ان فرغ ذلك العامل من الاكل قام بهدؤ و تلقائية بقذف مخلفات المانجو على الشارع خارج شاحنة الاوساخ و لسان حاله يقول (( هو الشارع براااهو وسخان يا عمك .. اها شوف شوف شوف)) و التحدى من الطرفتين ظاهر.

طيب .. و ما الحل .. ههنا عدة مقترحات علها تساعد فى الامر. اولا .. يجب ان يقتصر التدخل الادارى المباشر للدولة فى امر النظافة على قلب المدن و الاسواق و الشوارع الرئيسية و ما عدا ذلك يكون دور الدولة هو التخطيط و الاشراف و المتابعة عبر مقدمى خدمات (و الامر له عدة سيناريوهات). ثانيا .. يجب ان تكون الدولة جاهزة للتنازل عن عائد الخدمات لصالح الاجسام شبه الرسمية (اللجان الشعبية مثلا) و ذلك وفق منهج ادارة قد تكون تلك واحدة من خياراته. ثالثا .. ادارة الخدمة لا مركزيا عبر التنسيق المباشر و الاشراف الكامل للجان الاحياء و المستفيدين من الخدمة. رابعا .. وضع و ادارة منهج تثقيف و توعية طويل الامد تكون نهايته شعب يقدر مسؤوليته الشخصية تجاه مجتمعه و بلده. خامسا .. يصاحب برنامج التوعية انتشار واسع لمواعين المخلفات فى المدن و الاحياء وفق منهج و خطة تنفيذ ملزمة.

و اخيرا .. لا يصلح الامر الا بما تصلح به جميع الامور .. الا و هو (( القعاد فى الواطة و التخطيط للامر بشمولية .. ثم تنفيذ ما تم التخطيط له بحرفية)). مع تمنياتى بعاصمة نظيفة نحتفل بها جميعا على وسائل التواصل.
شارك هذا المقال :

هناك تعليقان (2):

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
copyright © 2011. سوداكون - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website
Proudly powered by Blogger